قرر كاتبو البحث الغوص في عالم استنساخ الحيوانات وتربية الديناصورات من خلال التحدث إلى الباحثة الدكتورة سوزانا مايدمنت من متحف التاريخ الطبيعي في لندن، وبن لام المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Colossal Biosciences، اللذين يحاولان إعادة طيور الدودو وحيوانات الماموث الصوفي المنقرضة من بين العديد من الحيوانات الآخرى.

غطى كاتبو البحث المدى الذي وصلت إليه تقنية الاستنساخ، ومدى أهمية طب أسنان الدينو في حال إعادة الديناصورات.

ما المعلومات الحالية عن إمكانية إعادة الديناصورات؟

أجابت الدكتورة سوزانا مايدمنت: «لدى الناس بعض الأفكار حول كيفية إعادة الديناصورات».

«كانت الفكرة الأولى في فيلم Jurassic Park، هي أنه ربما يمكن استخراج بعض الدم من البعوضة، ثم أخذ الحمض النووي من الدم لملء فجوات الحمض النووي للديناصور، ثم استنساخه. لكن لم يستطع العلماء فعل ذلك بعد 30 عامًا من إصدار الفيلم؛ لأنهم لم يعثروا على أي حمض نووي يعود إلى الديناصورات».

«قد يبلغ عمر أقدم حمض نووي في السجل الأحفوري نحو مليون عام فقط، وربما أكثر قليلًا، فقد انقرضت الديناصورات تمامًا منذ 66 مليون عام، لذلك من المؤكد عدم وجود أي حمض نووي للديناصورات في هذه المرحلة».

أضافت مايدمنت: «مع ذلك، يملك الباحثون الآن بعض عينات الدم، فهم يملكون بعض خلايا الدم الحمراء المحفوظة من الديناصورات وبعض ملامح الأنسجة الرخوة الأخرى، لذلك من الممكن مستقبلًا أن يكونوا قادرين على الحصول على بعض الحمض النووي».

«هناك بعض التقنيات المختلفة الأخرى الموجودة مثل الهندسة العكسية، وهي تنطوي على أخذ الطيور، وهم الأحفاد المباشرون للديناصورات، والتلاعب بجيناتها، وإنتاج شيء يشبه الديناصور».

استخدم العلماء في فيلم Jurassic Park بعوضة محاصرة في الكهرمان، فهل تكون هذه البعوضة مصدرًا للحمض النووي؟

أجابت الدكتورة مايدمنت: «عند النظر إلى الحشرات في الكهرمان، فإن ما يمكن العثور عليه هو الجزء الخارجي من الحشرة أو القشرة الكيتونية، لكن الأشياء الداخلية لا يُحافظ عليها. لذلك، لا يوجد أي دماء داخل هذه الحشرات، ولكن كانت هناك عينة جميلة من بعوضة وجدت محفوظة في رواسب البحيرة، وغلفت هذه الرواسب العينة بدقة بطبقات رفيعة، وكان لهذه العينة بقعة داكنة حول بطنها».

«وجد العلماء عند اختبار هذه العينة نواتج تكسير الهيموغلوبين، ما يعني وجود الدم في بطن البعوضة. ومع ذلك، كان عمر تلك العينة 60 مليون عام فقط، لذلك لم يكن عمرها كافيًا لتكون موجودة في الوقت نفسه مع الديناصورات».

هنالك فجوة هائلة بين ما توصل إليه العلماء الآن، وما يحتاجون إلى التوصل إليه.

أضافت مايدمنت: «في الفيلم، عند استخراج الحمض النووي من عينة الكهرمان، يحصلون على جزء منه؛ لاعتقادهم أنه يمكن الحصول على القليل من الضفدع، وسد الفجوات الباقية».

هل ينجح ذلك؟

أجابت الدكتورة مايدمنت: «هناك بعض العيوب الرئيسية في هذا المفهوم كاملًا. المشكلة الأولى هي معرفة مكان الفجوات في الحمض النووي لأنه يجب أن يكون لدي العلماء الجينوم بأكمله ليبدؤوا به، وإلا فلن تُعرف الأجزاء المفقودة. أما المشكلة الثانية، فهي أن الضفادع كائنات حية أقل احتمالًا، في حين أن الطيور هي الأكثر ترجيحًا؛ لأنها الأحفاد المباشرة للديناصورات».

لا تظن الباحثة أنه عند إطلاق فيلم Jurassic Park، قُبل عرضه بنسبة 100%، فقد كانت هناك بعض الأفكار التي تمثل الحالة التي نتكلم عنها، لكنها لم تلقى قبولًا على نطاق علمي واسع كما هي الآن.

الآن هذه مجرد حقيقة، لكن العلماء لم يستخدموا الضفادع بعدْ.

يرتبط البشر ارتباطًا وثيقًا بالديناصورات أكثر من الضفادع، لكنهم احتاجوا إلى هذه الفرضية لسرد الفيلم. لقد احتاجوا إلى الديناصورات لقدرتهم على تغيير الجنس عشوائيًا ثم إنتاج ذرية، وهو أمر يمكن تطبيقه على بعض الضفادع.

صرحت الباحثة أن اكتشاف التوالد العذري عند التماسيح يجعل من المحتمل جدًا أن تكون التيروصورات والديناصورات قادرة أيضًا على التكاثر من دون جنس.

لذلك، قد يكون فيلم Jurassic Park كارثة كاملة حتى دون فكرة جينوم الحمض النووي البرمائي المزعجة.

يعمل بين لام المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Colossal Biosciences ضمن مجال استنساخ الحيوانات على إعادة العديد من الأنواع المنقرضة.

سأله كاتبو المقالة عن حقيقة عمله، فأجاب بن لام: «Colossal Bioscience هي -على حد علمه- أول شركة في العالم لإعادة الأنواع المنقرضة والحفاظ عليها».

ما يعنيه ذلك لهم هو النظر إلى الجينات المرتبطة بالأنماط الظاهرية الأساسية، أو السمات الفيزيائية التي كانت موجودة في الحيوانات المنقرضة وفهمها. فمثلًا الماموث الصوفي، فهي الجمجمة القبة والناب المنحني، وما يجعل جسمه يتحمل البرد، إضافةً إلى الكثير من الأشياء تحت غطاء جسمه. وتتضمن هذه أشياء مثلًا كيفية استجابة النهايات العصبية لدرجات الحرارة المنخفضة جدًا، وكيف ينتج جسمه الهيموغلوبين، وطبقة الصوف الأشعث التي تغطي جسمه كالمعطف.

ما يحاولون معرفته هو كيف يمكنهم في شركة Colossal فهم الجينات الأساسية التي جعلت الماموث الصوفي قادرًا على تحمل البرد. ومع انقراض هذه الجينات الآن، إذا صح التعبير فهم يحاولون إعادتها عن طريق وضعها في بنية حيوان حي موجود حاليًا.

في حال تمكنوا من إعادة خلق هذه الجينات، ووضعها في بنية الفيل الآسيوي الذي يماثل الماموث الصوفي وراثيًا بنسبة 99.6% فسيكون لديهم الماموث الصوفي 2.0.

ما الأنواع الأخرى التي تسعى شركة Colossal إلى إعادتها؟

أجاب بن لام: «أننا نعمل على الماموث الصوفي، أو الثايلسين والمعروف باسم النمر التسماني، وبعدها على طائر الدودو المعروف في منطقة موريشيوس».

عند العمل على أنواع مختلفة، ما الحد الأدنى من المواد البيولوجية التي تحتاجونها للعمل عليها؟

أجاب بن لام: «أولًا، نحتاج إلى تحديد أقارب الكائن البيولوجي وراثيًا، أو بعبارة أخرى الحيوان الموجود على هذا الكوكب الأقرب إلى شجرة العائلة. فمثلًا الماموث الصوفي أو الفيل الآسيوي -كما ذُكر سابقًا- أقرب وراثيًا إلى شجرة الماموث الصوفي من الفيل الإفريقي للحصول على جينوم مرجعي لإعادته».

«هنالك حاجة أيضًا إلى عينات أنسجة تحتوي على الحمض النووي القديم لتلك الأنواع المنقرضة».

أضاف بن لام: «يختلف الحمض النووي القديم عن الحمض النووي الحي الحالي لأنه مفكك بشكل كبير، ليس فقط نتيجة عوامل خارجية، بل هنالك ميكروبات أخرى وكائنات حية لوثته مع مرور الوقت. لذلك الحل هو الحصول على مقاطع من الحمض النووي القديم ثم تجميعها معًا. أما الماموث، فقد استخدمنا 54 جينومًا عملاقًا مختلفًا لبناء الجينوم المرجعي».

«أخيرًا، احتجنا إلى بديل يمكنه إيواء الجنين المعدل وراثيًا فور الحصول عليه».

هل يصبح الحصول على الحمض النووي القديم من عينات الأنسجة التي تعملون عليها أكثر صعوبة مع مرور الوقت الذي مضى على تطورها؟

أجاب بن لام: «نعم، هنالك حيوانات انقرضت مؤخرًا أكثر من الماموث الذي انقرض في أماكن شديدة الحرارة والرطوبة، ولا تُعد هذه الأماكن وسطًا مناسبًا للحمض النووي. تُعد الأماكن الباردة والجافة مناسبة للحفاظ على الحمض النووي، مثل الكهوف أو القطب الشمالي، في حال التربة الصقيعية».

«انقرض الثايلسين في عام 1936، واحتفظ الناس ببعض الجراء في الإيثانول للدراسة العلمية، لذلك تمكنوا من إعادة تسلسل الجينوم شبه الكامل».

هل تدعم شركة بن لام مشاريع حفظ الحيوانات؟

أجاب بن لام: «بعض التقنيات التي طورها العلماء للقضاء على انقراض الحيوانات، يستثمرونها في تطبيقها على الرعاية الصحية البشرية. أنشأ العلماء العام الماضي أول منصة بيولوجية حسابية لديهم، وهم يقدمون جميع التقنيات التي قد تضيف فوائد للعالم مجانًا، مثل التقنيات التي تساعد على الإنجاب، أو مجموعات حفظ حدائق الحيوانات، أو جماعات الحيوانات حول العالم».

«هم يعملون أيضًا للوصول إلى تقنيات بعيدة المنال مثل الأرحام الاصطناعية، ومن المرجح رؤية حيوانات منقرضة قبل رؤية أرحام اصطناعية، لكن مجرد التفكير فيما قد يعنيه ذلك لأنواع لم يتبقى منها سوى الإناث مثل وحيد القرن الأبيض الشمالي. فإذا تمكنوا من استنساخها أو إنشاء إصدارات معدلة وراثيًا منها، وإدخال أحماض نووية خاصة بسلالات أخرى منقرضة، وبعدها قاموا بإدخال هذا التنوع البيولوجي، وزراعته في المختبر والعمل مع شركاء على تطبيق ذلك، فقد تعود البرية لوضعها الطبيعي».

ماذا سيحدث إذا عادت الديناصورات؟

أجاب بن لام: «في حال حدوث ذلك، ستظهر أنواع مختلفة من المشكلات».

بدايةً، عاشت الديناصورات 170 مليون عام على الأرض، وكانت العديد من أنواع الديناصورات بالفعل أحافير بحلول الوقت الذي عاشت فيه أنواع أخرى من الديناصورات، لذا فجمع كل هذه الحيوانات المختلفة جنبًا إلى جنب هو أمر غريب فعلًا.

لم يتطور العشب عندما كانت الديناصورات موجودة، لذلك لم تكن الحيوانات العاشبة تأكل العشب؛ لأنه من الصعب تناوله وهو يحتوي على الكثير من المواد الشبيهة بالزجاج تقريبًا التي تسبب تآكل الأسنان بسرعة كبيرة جدًا.

طورت الخيول أسنان تاجية عالية جدًا التي تتآكل بمرور الوقت، لكن الديناصورات لا تملك هذه النوع من الأسنان، فهم يستبدلون أسنانهم باستمرار طوال حياتهم.

هل يُعد فتح حقبة جديدة من طب أسنان الديناصورات أمرًا مثيرًا؟

أجاب بن لام: «يُطرح علينا أسئلة عن الديناصورات طوال الوقت، فالناس تحب الماموث، وطيور الدودو، والثايلسين، لكنهم يريدون الديناصورات حقًا، وللأسف لا يمكن إعادة الديناصورات».

يُعد كينيث لاكوفارا الذي يمكن القول إنه عالم الحفريات الأول في العالم الذي اكتشف المدرعات البحرية، أحد المستشارين العلميين، وربما كان الأقرب لأنه طور بالفعل عملية لإزالة التمعدن من عظام الديناصورات والحصول على شظايا أساسية من الأحماض الأمينية. لكن رغم حصولهم على الأحماض الأمينية الضرورية لمشروعهم العملاق، لم يعملوا عليه لأنه حاليًا غير ممكن علميًا إعادة الديناصورات.

يظن بن لام أن الأدوات على مدى 20 عامًا القادمة قد تصل إلى النقطة التي يمكن فيها هندسة الأنواع ذات السمات الشبيهة بالديناصورات. ومع ذلك، على عكس عمل العلماء مع الماموث، لا يمكنهم النظر إلى الجينوم وتحديد تلك الجينات الأساسية وإلغاء انقراضها، لذلك لا يظن بن لام أن الديناصورات قد تعود.

هل المخاوف العلمية واللوجستية ومخاوف الأمان حول إعادة الديناصورات من الموت أوقفت الدكتورة مايدمنت تمامًا؟

أجابت الدكتورة مايدمنت: «هل شاهدتم الفيلم؟ لم ينته الأمر على نحو جيد. لذلك، لا أظن أنها أفضل فكرة».

هل يستطيع ديناصور فيلوسيرابتور فتح الباب حقًا؟

أجابت الدكتورة مايدمنت: «لا تستطيع معظم الديناصورات التي تأكل اللحوم تدوير أيديهم لفتح الباب، ولا تعمل أيديهم مثل أيدي الإنسان. كانت لديناصورات فيلوسيرابتور القدرة على طي أذرعها للخلف تقريبًا مثل الجناح؛ لأن لديهم في معصمهم نوع من العظام تسمح بطي المعصم إلى الخلف، لكنني ما زلت غير مقتنعة تمامًا إن كان بإمكانهم تحريك مقبض الباب».

تظن الدكتورة مايدمنت أن فيلم Jurassic Park جعل فكرة إعادة الديناصورات مقبولة أكثر اجتماعيًا وجعل أيضًا الديناصورات نجومًا في أذهان الناس، ما ساهم في تفعيل علم الحفريات ككل، وزاد من التمويل، وسلط الضوء على أبحاث الديناصورات.

اقرأ أيضًا:

أدلة أحفورية جديدة تناقش الغرض التطوري من عنق الزرافة

كيف تتشكل الأنواع؟ دراسة توضح تاريخ العلاقة المعقدة بين الدببة القطبية والبنية

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: نينار راهب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر