يبدو أنّه من المستحيل التفوق على عبقرية ألبرت أينشتاين، إذ نشر الفيزيائي نظريته الخاصة لتفسير الجاذبية منذ أكثر من قرن، التي عُرفت بالنسبية العامة، وشرحت كل شيء بالتفصيل من مدارات الكواكب وحتى انحناء ضوء النجوم. حاول العديد من الفيزيائيين ابتكار نظريات جديدة تفسر العديد من الأمور التي لم تستطع النسبية العامة تفسيرها، مثل ضرورة وجود المادة المظلمة التي يبدو أنها تربط المجرات، لكن عندما كُشف عن أول صورة لثقب أسود، وجد العلماء أنفسهم أمام اختبارٍ جديد صعب. ببساطة إذا فشلت أي نظرية في هذا الاختبار فإنها تفشل كليًا.

صرحت عالمة الفيزياء فريال أوزيل من جامعة أريزونا التي ساهمت في ابتكار هذا الاختبار: «هذا الاختبار هو كالقفز من خلال حلقة جديدة، لكن هذه الحلقة ضيقة جدًا».

سنة 1915 توقع أينشتاين أن الجاذبية تنشأ لأن الأجسام العملاقة مثل الأرض تشوّه نسيج الزمكان، هذا الانحناء في الزمكان يؤدي إلى انحناء مسار أي جسم يسقط سقوطًا حرًا، ما يؤدي إلى تكوّن قوس مشابه لقذيفة المدفع أو للمسار الإهليجي للقمر. في ثلاثينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء أمرًا مذهلًا: إذا احترق نجم ضخم جدًّا، ستنهار نواته إلى نقطة متناهية الصغر، ويصبح لديه مجال جاذبية قوي جدًّا حتى الضوء لا يستطيع الهرب منه.

حصلنا على أول صورة مباشرة للثقب الأسود العام الماضي. هذا الثقب لم يتكوّن من انهيار نجم واحد، لكنه ناتج التحام العديد من الثقوب السوداء الأخرى. يقع في قلب مجرة تبعد عنّا 53 مليون سنة ضوئية، ويعادل وزنه 65 مليار ضعف وزن الشمس. من أجل هذه الدراسة، نسّق فريق مكوّن من أكثر من 180 عالمًا في مجالي الفيزياء الفلكية والفلك أطباق الراديو حول العالم حتى تعمل مثل تلسكوب كبير في مشروع يُسمى تلسكوب أفق الحدث.

اختبار جديد لمدى صحة نظريات الجاذبية الحديثة بعد اكتشاف ظل الثقب الأسود - انحناء ضوء النجوم - تلسكوب أفق الحدث - الانحناء في الزمكان - النسبية العامة

تبدو الصورة زائفة الألوان كما توقعنا، حلقة نارية حول نقطة سوداء قاتمة، ينبعث التوهج الناري من الغازات الساخنة التي تدور حول الثقب الأسود، أما النقطة السوداء فهي الظل الناتج عن الضوء الذي يجذبه الثقب الأسود، لأنه يجذب أي ضوء يمر بالقرب منه. استخدم العلماء النسبية العامة لقياس حجم الظل، ووجدوا أن النتائج تتوافق مع ملاحظات الرصد. لكنهم لم يستطيعوا اختبار أي نظرية أخرى باستخدام هذه الصورة، إن وُجدت أي نظرية أخرى لتفسير الجاذبية.

طورت أوزيل وزملاؤها طريقةً جديدة سهلة لإجراء هذه الحسابات، ولم يكن هذا عملًا مميزًا، إذ توجد طرق عديدة يستطيع العديد من العلماء استخدامها لتعديل أو توسيع نظرية أينشتاين. مثلًا، يمكنك تغيير الطريقة التي تشوه بها المادة نسيج الزمكان، لكن عندما نتحدث عن الثقوب السوداء، فكل نظرية يجب أن تنتج مقياسًا، وهو مصطلح رياضي للتعبير عن انحناء نسيج الزمكان قرب الثقب الأسود.

تمكن كتابة هذا المقياس تقريبيًّا بوصفه مجموع المصطلحات الرياضية السابقة الأصغر، المصطلح الأول معروف جدًّا ويتوقع النسبية العامة. المصطلح الثاني الذي أظهرت التجارب في نظامنا الشمسي أنه قريب من الصفر يُسمى «التصحيح الأول ما بعد نيوتن». وجد فريق أوزيل أنه بكتابة المعادلات الرياضية التي تصف الثقب الأسود بطريقة صحيحة، فإن تصحيح ما بعد نيوتن سيحدد حجم الظل. لاختبار النظرية الجديدة، يجب على العلماء حساب الناتج المتوقع لمعامل تصحيح ما بعد نيوتن، فإذا كانت هذه القيمة تقع خارج الحد المسموح تُعد تلك النظرية غير مقبولة، ضيّق الفريق النطاق المحتمل للمعامل بمقدار 500.

عبّر عالم الفيزياء الفلكية النظرية إيليا مانديل من جامعة موناش عن اندهاشه من تحكّم معامل واحد في حجم الظل، فقال: «توقعت في البداية وجود 23 معاملًا لتحديد حجم الظل، وإنه سيكون من الصعب جدًّا فصل هذه المعاملات عن بعضها«.

لكن على الجانب الآخر، فائدة هذا الاختبار محدودة، هذا ما يراه الباحث في نظرية الجاذبية إيمانويل بيرتي من جامعة جون هوبكنز، إذ لا يملك العلماء بديلًا مناسبًا للنسبية العامة، يقول: «إن التوصل إلى بديل يختلف جذريًا عن النسبية العامة ليُختبر ويكون متوافقًا مع الكثير من الأمور التي نعرفها عن الجاذبية هو أمر صعب جدًّا».

لكن على الجانب المشرق، يتوقع الباحثون أننا قد نستطيع مقارنة المُعامل المحدد بقياسات أخرى من مصدر جديد يخص الجاذبية، مثل عمليات اندماج الثقوب السوداء الصغيرة التي تسبب تموجات نسيج الزمكان التي يمكن رصدها. قالت عالمة الفيزياء الفلكية في معهد الدراسات المتقدمة، مؤلفة الورقة البحثية ليا مديروس: «كل من يجري اختبار الجاذبية يحاول أن يستخدم نفس اللغة (معامل ما بعد نيوتن)، كي نستطيع إجراء المقارنات». إذا اختلفت القياسات، قد لا تكون النسبية العامة صحيحة تمامًا فيما يتعلق بتفسير الجاذبية.

اقرأ أيضًا:

الثقب الاسود : أول صورة حقيقية للثقب الأسود

تفسير مبسط لنظرية النسبية العامة

ترجمة: زينب سعد

تدقيق: مصطفى شحاتة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر