انتشرت مؤخرًا بعض المخاوف بشأن زيادة انتشار اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، وادعى بعض الإعلاميون أنه مرتبط بزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فما صحة هذا الادعاء؟

تشير البحوث إلى أن الافتراضين كليهما يحملان بعض الحقيقة، إلا أن المسببات في الواقع أكثر تعقيدًا ودقةً من إحصائيات عناوين الأخبار التي أثارت كل تلك المخاوف؛ إذ بينت البحوث أن معدل تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ازداد بالفعل، إلا أن هذه الزيادة طفيفة وتتضمن في أكثر الأحيان كبار السن والنساء.

أوضحت البحوث أيضًا وجود علاقة بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بيد أن سبب هذه العلاقة ليس واضحًا على الإطلاق، ولم يتوصل الباحثون إلى علاقة سببية بسيطة بين الأمرين بعد.

يكمن الاحتمال الأكثر منطقية في أن المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يميلون إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تتيح لهم طرائق أسهل للتواصل مع الآخرين، لكن ذلك لا يعني أن هذا النوع من التواصل مفيد لهم في نهاية المطاف.

اهتمت بعض التقارير الإعلامية الحديثة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وأشارت إلى أن تشخيصه الفعلي والخاطئ في ازدياد، ما قد يوحي بأن الشركات الصحية تسببت بحدوث هذه الزيادة بإفراطها في تشخيص الاضطراب، غير أن الانتقادات كانت قوية وشككت مصادر إعلام أخرى في هذه الادعاءات.

يؤدي هذا الزخم الإعلامي في النهاية إلى إثارة الحيرة لدى العامة وإلهائهم عن المشكلات الأساسية، إذ يقول أحد المصابين بالاضطراب: «يمثل انتشار هذه المزاعم مسألةً خطرة في نظر المصابين بهذا الاضطراب المتعلق بالنمو العصبي مثلي».

تصبح المشكلة أكثر خطورة عند إضافة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى المعادلة، إذ انتشرت ادعاءات كثيرة بأن إدمان التكنولوجيا يسبب انعدام الانتباه والحركة المفرطة.

رغم أن تحليل هذه المزاعم مهمةٌ معقدة، فإن بعض الأمور أصبحت أكثر وضوحًا؛ فعلى سبيل المثال، صحيح أنه توجد زيادة في تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لكنها ليست بالمقدار الذي توحي إليه بعض عناوين الأخبار، وليست بالضرورة عند صغار السن الذين يميلون إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيرهم.

تتراوح نسبة الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بين 5 و7% لدى الأشخاص البالغين أقل من 25 عامًا، وبين 2 و6% لدى الأشخاص الأكبر سنًا، ويختلف هذا باختلاف المصادر المستخدمة.

توجد زيادة في انتشار الاضطراب مقارنةً بالسنوات الماضية، بيد أنه توجد أسباب عديدة وراء هذه الزيادة. يتمثل السبب الأكثر أهمية على الأرجح في التقاط الحالات التي لم تُشخّص سابقًا، لا سيما كبار البالغين والنساء، إذ لوحظ أن أكبر الزيادات حدثت في هاتين الفئتين.

تُعزى زيادة حالات الاضطراب المبلغ عنها غالبًا إلى تصحيح التشخيص مع تحسن معرفة الناس بالاضطراب، أي أنها على الأرجح لا تمثل زيادةً فعلية في معدل الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ إذ وُجد في إحدى الدراسات أن معدل التشخيص بالاضطراب ارتفع، إلا أن نسبة الأعراض التي أُبلغ عنها بصورة مستقلة عن التشخيص خلال الفترة ذاتها ظلّت ثابتة.

يبين ذلك أن مقدار الأعراض السلوكية الموجود لم يتغير عن ذي قبل، ولكنها أصبحت تُصنّف الآن تحت وصف اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وتشير هذه الإيضاحات إلى أن المخاوف التي أثارها الإعلام بشأن زيادة حالات الاضطراب، قد تكون غير مبررة ولا يوجد داعٍ للهلع.

فضلًا عن ذلك، تدعو هذه التفسيرات إلى عدم القلق بشأن تسبب وسائل التواصل الاجتماعي باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ ففي حين أن معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ازداد بلا شك، فإن معدل الزيادة في حالات الاضطراب ليس بالقدر ذاته.

لكن هذا التنبيه لا يعني أنه لا توجد علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ إذ أوضحت مراجعتان في البحوث العديد من الأدلة على وجود رابط بين الأمرين.

ينبغي على الباحثين الآن تحديد سبب هذه العلاقة وإمكانية تسبب أحد الأمرين بالآخر، أم أنهما ببساطة من مؤشرات العصر الحالي، مثل المشاغل والهموم الحديثة والاطلاع والإدراك.

تبين البحوث أن الرابط بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يدور حول عدة مسائل. مثلًا، يعد المصابون بهذا الاضطراب أكثر حساسيةً من الناحية العصبية لتأثيرات المكافأة وإشارات اقتراب المكافأة التي تتمثل بالدوبامين، ما يُضعف قدرتهم على التحكم بغرائزهم وعدم التهور، من ثم يصبحون أكثر عرضةً إلى الاضطرابات الاندفاعية والإدمان، وينطبق هذا أيضًا على الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي.

يوضح كل ذلك أن الرابط بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليس مفاجئًا، إلا أن اكتشاف هذه العلاقة ليس إثباتًا لتسبب وسائل التواصل الاجتماعي بالاضطراب على الإطلاق، ومع أنها قد تزيد احتمالية التصرف ببعض السلوكيات المرتبطة بالاضطراب، إلا أنه ليس مجرد عدة سلوكيات غير متعلقة ببعضها، وإنما هو مجموعة من السلوكيات التي ينبغي أن تحدث معًا.

يواجه المصابون بهذا الاضطراب أيضًا صعوبةً في التعامل مع المجتمع، وذلك إلى جانب المشكلات العصبية التي يعانونها؛ إذ قد يشعرون بقدر عالٍ من النبذ الاجتماعي بسبب حالتهم، لذا قد يلجأ هؤلاء الأشخاص على غرار غيرهم إلى العالم الرقمي، حيث يتلاءم التواصل الاجتماعي مع ذوقهم، أي أنه سريع واندفاعي وسطحي وقلما تُلاحظ أخطاؤهم فيه.

قد تتأصل الصعوبات الاجتماعية المرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الطفولة، نظرًا إلى أن طرق التربية تؤدي دورًا في تطور أنماط المعالجة العصبية والسلوكيات الاجتماعية. يواجه آباء الأطفال المصابين بالاضطراب تحديات كبيرة، وما يزيد صعوبة الأمر أنهم غالبًا مصابون به بدورهم. يزداد نتيجة لذلك إجهاد الأبوين، ما يعيق قدرتهم على وضع قيود إيجابية.

يكمن ضعف فرض القيود في التربية المتهاونة والرقابة الضعيفة، أي أنه يتيح للأبناء الظروف المثلى للإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لذا قد نجد عنصرًا مكتسبًا بشأن استخدام التواصل الاجتماعي ينشأ إلى جانب اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وتأثيراته في الآخرين من ضمنهم الآباء، وإن صحّ هذا الافتراض، فإن الاضطراب هو الذي يسبب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بطريقة غير مباشرة.

قد يمنح العالم الرقمي المصابين بهذا الاضطراب فرصة التصرف على طبيعتهم دون التعرض إلى النبذ، ورغم أنه قد يمنحهم بعض المواساة، فإنه قد يسبب بعض المشكلات المرتبطة باضطرابهم؛ إذ قد يزيد اندفاعيتهم ويتيح لهم التعامل مع الآخرين بسطحية، ما يقلل النزاعات المهمة التي قد تسبب أي عواقب. لا تعد زيادة الاندفاعية والمشكلات الاجتماعية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لكنها تؤدي إلى تفاقم المشكلات.

تشير هذه المفاهيم إلى أن أي علاقة بين الاضطراب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد تنجم عن خصائص المصابين به، وقد تكون متماشية مع أسلوبهم، لكن يتوقف كونه أمرًا جيدًا أو سيئًا على نظرة كل شخص إلى التنوع العصبي.

بصرف النظر عن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ينبغي علينا الحذر من الادعاءات التي تزعم وجود زيادة في معدل الإصابة بالاضطراب أو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي فيه، إضافةً إلى وجود أسباب عديدة وراء تفضيل المصابين بالاضطراب لاستخدام وسائل الاجتماعي، لكن قد لا يؤدي هذا التفضيل دائمًا إلى نتائج إيجابية.

اقرأ أيضًا:

اضطراب نقص الانتباه

كشف زيف 5 مغالطات عن اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: ميرڤت الضاهر

المصدر