اكتُشف ثقب أسود صغير، يجول بمفرده في الفضاء، خارج مجرة درب التبانة. ويقول فريقٌ من الباحثين إنها المرة الأولى التي استطاعوا فيها إثبات وجود ثقب أسود غير نشط، خارج حدود مجرتنا.

على الرغم من نشر إعلانٍ لحدثٍ مشابه السنة الماضية، فإن تلك الحادثة تركت مجالًا للشك، أما بالنسبة لهذا الاكتشاف الجديد، فيقول العلماء أنه مؤكد.

وللدقة العلمية، فإن هذا الثقب الأسود لا يبعد مسافةً كبيرة عن مجرتنا، فهو مُحتضن ضمن مجرة قريبة تُدعى سحابة ماجلان الكبرى. لكن ما يميز هذا الاكتشاف هو إتاحة الفرصة لنا لاكتشاف المزيد من هذه الثقوب السوداء في المستقبل، ويُساعد أيضًا على زيادة معرفتنا لكيفية تكون هذه الأجسام أساسًا.

يأتي هذا التقرير ليعيد البهجة لفريقٍ علمي عُرِفَ بالتشكيك بكل خبرٍ متعلق باكتشاف ثقوبٍ سوداء ساكنة.

وفي ذلك يقول عالم الفلك تومر شينر من جامعة أمستردام: «للمرة الأولى، اجتمع فريقنا ليؤكد صحة خبر اكتشاف هذا الثقبٍ الأسود، بدلًا من نفيه. نستطيع القول إننا وجدنا إبرةً في كومة قش».

إنَّ الثقوب السوداء أجسامٌ خدّاعة، إذ تؤدي كثافة الجسم الأسود إلى تشكل حقل جاذبية شديد القوة، لا يستطيع أيّ شيء الإفلات منه، حتى الضوء -وهو أسرع ما في الكون- لا يمكنه بلوغ سرعة الإفلات.

لا نستطيع رصد أيّ ضوءٍ منبعث من هذه الثقوب، فهي أجسامٌ مظلمة كليًا. وهناك حالةٌ استثنائية يُمكن من خلالها رؤية شيءٍ ما وهي عندما “تتغذى” هذه الثقوب أو تبتلع الأشياء. وتكون عملية التغذية هذه فوضوية فتنتج عنها إشارة واضحة على انبعاث أشعة سينية بجوار الثقب الأسود مباشرةً.

سواء أكانت خامدة أم هامدة، فإن رصد الثقب الأسود صعب. ولكن يُمكن رصدها من خلال مراقبة حقل الجاذبية المميز عند النظر في الأماكن الصحيحة. إن حدثَ ووجِد ثقبٌ أسود ذو كتلة هائلة في نظامٍ ثنائي مع نجمٍ آخر، فإن الحركة المدارية للنجم المرافق حول ما يشبه بقعة من الخلاء تُخبرنا فورًا أنَّ هذه البقعة قد تكون ثقبًا أسود.

ليست جميع الكتل المظلمة في الفضاء ثقوبًا سوداء، وقد خُدع علماء الفلك من قبل، وأشهر مثال على ذلك حين رُصد ثقبٌ أسود قيل عنه أنه الأقرب إلى الأرض. وتنتج مثل هذه الحالات الخاطئة عندما يكون ضوء النجم المحيط بالثقب الأسود خافتًا وغير قابل للرصد، وحينها يُجبر العلماء على دراسة جميع الحالات الممكنة.

عمل شينر وفريقه، مع عالم الفلك كريم البدري من مركز هارفارد سميثسون للفيزياء الفلكية ومعهم جوليا بودنستاينر العاملة في المرصد الأوروبي الجنوبي، بجد على دحض الاكتشافات الخاطئة مثل التي ذكرناها. ولكن هذا لا يعني عدم تصديق العلماء لإمكانية رصد ثقب أسود معين، وإنما يجب توفّر أدلة قاطعة. تقول بودنستاينر: «منذ أكثر من سنتين إلى الآن، نبحث عن أنظمةٍ ثنائية تحوي ثقوبًا سوداء مثل الذي اكتشفناه مؤخرًا».

تَركّز البحث عن الثقوب السوداء في سديم العنكبوت وتحديدًا سحابة ماجلان الكبرى، التي تُشكل حاضنة نجمية ويوجد فيها نجومٌ حديثة الولادة هائلة الحجم. أجرى الباحثون دراسة دقيقة لأكثر من 1000 نجم لإيجاد إشارة تدل على وجود اهتزاز مداري لنجم ثُنائي.

يدور جسمان حول بعضهما في مركزٍ مشترك للجاذبية يدعوه العلماء المرجح. يكون موضع المرجح، عند الحديث عن الشمس والأرض مثلًا ، قريبًا من الشمس بحيث يصعب رؤية النجم الذي يدور حولها أيًا كانت المسافة. يختلف الحديث لو كانت الأرض أكبر بكثير، إذ حينها سيسهل اكتشاف دوران الشمس حول المرجح.

يُمكن كشف حركة التأرجح هذه أو ما يُسمى السرعة القطرية بمراقبة الأطوال الموجية المختلفة للضوء، إذ إن الأطوال الموجية الحمراء تعني ابتعاد جسم ما عنا، أما ظهور أطوال موجية زرقاء تعني اقتراب الجسم منا.

بحث الفريق عن اختلافات الأطوال الموجية هذه عند رصد الثقب الأسود المعني وحصلوا على نتيجة -على شكل نجم أبيض-أزرق نوع O-type كتلته أكبر 25 مرة من كتلة الشمس، ويبعد 160 ألف سنة ضوئية. كتلة النجم المرافق تُعادل 9 مرات كتلة الشمس، آخذين بالحسبان كتلة الجسم التي تُسبب حركة التأرجح المطلوبة. يُقدر قطر أفق الحدث لهذا الثقب الأسود بنحو 27 كيلومترًا بعد حساب الكتلة.

ومع أنه ثقبٌ أسودٌ كبير، لكنه ظل غير مرئي. وقد استثنى العلماء أن يكون هذا الجسم غير المرئي نجمًا نيوترونيًا لأن كتلة تلك النجوم أكبر 2.3 مرة من كتلة الشمس. وتأكد العلماء أن الأنواع الأخرى من النجوم المتأرجحة لم تُشبه ما وجدوه برصد الضوء الخافت للنجوم المرافقة، ومقارنة شدة الضوء المتوقع مع الكتلة المرصودة.

لم تُطابق البيانات التي جُمعت أيًا من البدائل المعروفة التي اقترحها العلماء.

يقول البدري: «كانت لدي شكوكي عندما طلب مني تومر التأكد من نتائج أبحاثي. كل البيانات كانت تُشير إلى احتمالية كون هذا الجسم الذي رصدناه ثقبًا أسود بالفعل».

سمى العلماء هذا النظام الثنائي VFTS 243 وما يُثير الدهشة حول هذا الاكتشاف هو إمكانية استنباط معلومات قد تُساعد على معرفة كيفية تشكل الثقوب السوداء، إذ يُرجح العلماء عدة احتمالات لتشكل الثقوب السوداء.

الأول، حدوث انفجار مستعر أعظم هائل جدًا عند نهاية حياة نجم وتلاشي محتوى النجم إلى الفضاء الخارجي متبوعًا بولادة ثقب أسود.

الثاني، انهيار حقل جاذبية نجم في آخر حياته ما يؤدي إلى ابتلاع النجم لنفسه، ويكون هذا الانفجار هادئًا مقارنةً بالنوع الأول.

يقول شينار: «ما يميز هذا الثقب الأسود في نظام VFTS 243 هو تشكله دون وجود آثار لأيّ نوع من الانفجارات المعروفة. وبدأت أدلة تدعم حالة “الانهيار المباشر” بالظهور مؤخرًا، لكن دراستنا تُظهر نتائج مختلفة. إن لظهور هذا الثقب الأسود دون انفجار تأثيرات كبيرة على كيفية فهم اندماج الثقوب السوداء في الكون».

يشجع الفريق علماء الفلك على دحض الادعاءات بهذا الشأن، إذ قام شينر وفريقه لسنوات عديدة بشيء مُماثل. فهذه طبيعة النقاشات العلمية.

نُشر البحث في مجلة Nature Astronomy.

اقرأ أيضًا:

الثقب الاسود : أول صورة حقيقية للثقب الأسود

رصد أول ثقب أسود غير مرئي في الفضاء

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: دوري شديد

المصدر