تعتمد أدق ساعة في الوجود الآن على حركة الإلكترونات في المدارات الذرية، لا على اهتزازات أحجار الكوارتز كما في الساعات الكهربائية؛ ولا على عجلات التوازن كما في الساعات الميكانيكية. تعد الساعات الذرية هذه الأفضل على الإطلاق؛ إذ إن نسبة الخطأ فيها هي 1 من 1018 في الثانية، أي أنه منذ نشوء الكون لم يصل مجموع أخطاء هذه الساعة إلى ثانية واحدة.

يوجد نوع ساعات جديد من الممكن أن يزيد تلك الدقة إلى 1 من 1019 جزء من الثانية، وعلى الرغم من أن هذه الفكرة كانت مطروحة عام 2003؛ فإنها كانت صعبة التنفيذ لأنها تعتمد على حركة نواة نظير الثوريوم.

أما الآن فقد دفعنا القياس الجديد لاهتزاز نواة الثوريوم-229 خطوةً نحو مشروع الساعة النووية.

اقتُرحت عدة أبحاث وتطبيقات لنواة الثوريوم، بدءًا من ليزر أشعة جاما عالية الدقة، وساعة نووية مستقرة انتهاءً بساعة نووية صلبة مدمجة، وتحقق هذه الساعات مستوًى جديدًا من الدقة في تطبيقات الفيزياء الكلاسيكية والثوابت الأساسية أو في عمليات البحث عن المادة المظلمة أو الكشف عن أمواج الجاذبية.

وتستخدم أيضًا في تطبيقات مختلفة مثل علوم المساحة أو الملاحة عبر الأقمار الصناعية.

اكتشاف نووي جديد قد يساعدنا على صنع أدق ساعة في التاريخ - تعتمد أدق ساعة في الوجود الآن على حركة الإلكترونات في المدارات الذرية - الساعة النووية

آلية عمل الساعات الذرية

تُنشّط ذرات عنصر معين مثل السترونتيوم أو الإيتربيوم بالليزر؛ ما يثير الإلكترونات في مدارات التكافؤ في الذرة، ويجعلها تتأرجح ذهابًا وإيابًا بين حالتين للطاقة.

نتجت هذه الأرجحة عن الانتقالات بين مستويات الطاقة التي حفَّزتها أطوالٌ موجيةٌ محددةٌ من الإشعاع الكهرومغناطيسي.

يجب على الساعات النووية أيضًا أن تعمل بنفس المبدأ، باستثناء أرجحة الإلكترونات؛ إذ إن النواة نفسها هي التي تتأرجح.

تمتلك معظم نوى الذرات طاقاتٍ انتقاليةً عاليةً جدًا من كيلو إلكترون فولت إلى ميجا إلكترون فولت، أي تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة لحثِّها -نحتاج إلى أشعة جاما أو الأشعة السينية بدلًا من أشعة الليزر- وبما لأنه ليست لدينا تقنية ليزر من مستوى تلك الطاقات؛ فإن الساعات النووية غير عملية لتستخدم في ضبط الوقت.

الأخبار الجيدة

تُعد نواة الثوريوم 229 حالةً استثنائيّةً؛ لأن الطاقة اللازمة لتنشيطها منخفضة جدًا وتكفي الأشعة فوق البنفسجية لذلك، ولمعرفة الطول الموجي الدقيق للأشعة فوق البنفسجية المطلوبة لإثارة النواة -وبناءً عليه معرفة تكنولوجيا الليزر المطلوبة للعمليّة- نحتاج إلى قياس التغير الدقيق في الطاقة بين الحالة الابتدائيّة وحالة إثارة النواة.

نفّذت العديد من التجارب التي أسهمت في تقدم عملية البحث، وتعد أدق التجارب هي التي قادها الفيزيائي توماس سيكورسكي من جامعة هايدلبرج بألمانيا، إذ قاس الفريق إشعاع جاما المنبعث؛ فوُجد أن نظير اليورانيوم-333 قد تحلل إلى نظائر مختلفة منه أو إلى تكوينات جزيئية أُخرى من الثوريوم-229 منها نظير الثوريوم المطلوب 229m. وقد استخدمت هذه التقنية من قبل؛ مسترجعةً النتائج 7.6 إلكترون فولت و7.8 إلكترون فولت في عامي 2007 و2009 على الترتيب.

ومع ذلك، استخدم فريق سيكورسكي طريقة أخرى أدق لقياس أشعة جاما؛ فقد صمموا مسعرًا مغناطيسيًا متناهي الصغر لقياس الحرارة عند الدرجات المنخفضة واتخذوه مطيافًا لأشعة جاما، إذ تصطدم أشعة جاما باللوحة الماصّة لتتحول إلى حرارة ثم تُترجم هذه الحرارة إلى تغير مغناطيسي في أجهزة الاستشعار مُمَثِّلة طاقة الانتقال.

وكتب الباحثون في ورقتهم: «تتكامل هذه التجربة مع تجربة تحويل الإلكترون في أن طاقة النظائر تُستخرَج مباشرةً من البيانات التجريبية، دون اللجوء إلى الحسابات وأن الخطأ الإحصائي هو الأكثر تأثيرًا في العملية».

وباستخدام تقنية القياس الجديدة هذه، وجد الفريق أن طاقة الانتقال هي 8.1 فولت، وهو ما يتوافق مع الطول الموجي لعملية التنشيط البالغ 153.1 نانومتر.

وتقترب هذه النتيجة من نتيجة القياس الذي أجري في العام الماضي باستخدام تقنية مختلفة، وجدت أن الطاقة تبلغ 8.28 فولت، وهو ما يتوافق مع طول موجة يبلغ 149.7 نانومتر. يبدو أننا نقترب أكثر من إنجاز التجربة وأنّ الليزر في نطاق الطول الموجي هذا ليس مستحيلًا.

وبما أن موضع الشك الوحيد في التجربة هو شك إحصائي؛ فإن إجراء عدد كبير من القياسات يجب أن يقلل من نسبة الخطأ بشكل كبير، ما يعني أن الساعة النووية أصبحت الآن أكثر قابلية للتحقيق من أي وقت مضى.

اقرأ أيضًا:

التجهيز لأكبر تجربة اندماج نووي في العالم

كيف تستطيع ساعة ذرية إيصال الرواد إلى المريخ في الوقت المحدد

ترجمة: يامن زيود

تدقيق: محمد الصفتي

المصدر