تصعب دراسة تصرفات الإلكترونات وهي تتأرجح وترتد داخل شبكة كهربائية، فمن غير المنطقي محاولة فهم الإلكترونات بهذه الحالة من العشوائية. إذ عادةً ما تتشابك الإلكترونات مع بعضها وتخلق صعوبةً إضافيةً في محاولة فهمها.

لكن نجح العلم مؤخرًا بمراقبة ودراسة حركة الإلكترونات بوضوح، والفضل في ذلك يعود لاستخدام الآلاف من المعادلات المجربة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة.

إذ بدلًا من الاعتماد على هذا العدد الكبير من المعادلات، تمكن العلماء من تخفيض عدد المعادلات العملية إلى أربع فقط؛ كل ذلك بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. الآن أصبحت دراسة الخصائص المعقدة، والجديدة للمواد الكمومية أسهل بكثير.

ستساعد المعادلات الأربع في حل إحدى أكثر المشكلات تعجيزًا في الفيزياء الكمية، ألا وهي مشكلة الإلكترونات العديدة. إذ يهدف العلماء عبر حل هذه المشكلة إلى فهم كيفية تفاعل كميات كبيرة من الإلكترونات مع بعضها داخل الأنظمة المختلفة.

تتضمن التطبيقات الأخرى لهذه المعادلات تفسير النقل الفائق لبعض المواد، وبناء نموذج هبرد Hubbard Model؛ الذي سيكشف عن تصرفات الإلكترونات داخل المواد الصلبة باعتماد الاحتمالات كطريقة فعالة.

يسعى العلماء إلى فهم فائقية النقل التي تُعد إحدى أغرب الظواهر في الفيزياء. ببساطة تحدث فائقية النقل عندما يخترق سيل من الإلكترونات مادةً ما، من دون عوائق؛ أي لاتخسر الإلكترونات طاقةً عندما تتحرك من نقطة إلى أخرى.

لكن للأسف تعتمد معظم الطرق لمحاكاة هذه الظاهرة على خلق ظروف وبيئة تنخفض فيها درجات الحرارة إلى أقل مستوىً ممكن، أو رفعها إلى أعلى ما يمكن.

تكمن فائدة المعادلات في إيجاد حل وسط، إذ من المتوقع أن يصبح بالإمكان خلق حالة من فائقية النقل بتوفير بيئة تكون فيها درجات الحرارة معتدلةً، ما سيزيد من فعالية شبكات الطاقة الكهربائية الموجودة، ويحسن أداء أجهزة أخرى.

ما يزال الوصول إلى هذه المرحلة صعب المنال، لذلك عمد الفيزيائيون إلى استخدام نماذج لدراسة الإلكترونات في ظروف مشابهة للحالة المُثلى لخلق فائقية النقل. سيساعد ما سبق في تحديد الأجهزة الأنسب لتعمل عوازل أو نواقل.

إن النماذج المطروحة حاليًا تحتاج إلى تحسينات وتطويرات عديدة، لأنه حتى الآن يصعب تحديد حركة الإلكترونات ومساراتها.

يُشكل نشاط الإلكترونات عائقًا عند محاولة اعتماد الاحتمالات منهجيةً لدراستها، فهذه الأجسام الصغيرة تتفاعل مع إلكترونات أخرى، ومع البيئة المحيطة في أثناء حركتها، ما يؤدي إلى وجود عدد لا متناهٍ من الاحتمالات الممكنة لتوزعها وتحركها.

يزداد الأمر تعقيدًا عندما تتفاعل الإلكترونات مع بعضها، إذ في حال أراد العلماء دراسة إلكترون واحد من بين مجموعة من الإلكترونات، سيجب عليهم دراسة جميع احتمالات تحرك الإلكترونات سويًا في البيئة المحددة. بالطبع يزيد هذا من صعوبة تنفيذ الحواسيب المتخصصة للمعادلات اللازمة للوصول إلى النتائج المطلوبة زيادةً هائلةً.

يصف نموذج هبرد القديم حركة الإلكترونات المضللة، بتحليل شبكات الذرات باستخدام معادلات وقوانين من الرياضيات. وعلى مر السنين خدم هذا النموذج البسيط العلماء كثيرًا، فقد ساعد في دراسة العديد من المواد المعقدة في الطبيعة.

ومع ازدياد الحوسبة تطورًا، تمكن الباحثون من تطوير نماذج تجري حسابات بناءً على ما كان يقدمه نموذج هبرد القديم. ما يُتيح لهم إمكانية تطبيق مبادئ علم الطوبولوجيا لدراسة شبكات مواد مختلفة.

في عام 2019 أثبت الباحثون فاعلية نموذج هبرد في محاكاة الشروط اللازمة لحدوث ظاهرة الناقلية الفائقة في بيئاتٍ درجات الحرارة فيها باردة لأبعد ما يمكن. وقد أضاف ذلك إلى المخزون العلمي الذي يحتاجه العلماء ليقدموا اكتشافات جديدة في هذا المجال.

هدف الدراسة الجديدة هو إحداث قفزة نوعية أخرى، بواسطة تخفيض عدد المعادلات الحاسوبية اللازمة لدراسة الإلكترونات بمختلف الحالات.

طور الباحثون مؤخرًا خوارزميةً في مجال تعليم الآلة، من أجل تحسين النماذج الرياضية، وأسموها خوارزمية إعادة الاستنظام؛ سيعتمدها علماء الفيزياء لدراسة التغيرات في الأنظمة المادية عندما تتغير درجات الحرارة.

يتحدث الفيزيائي والمؤلف الرئيس للبحث دومينسيو دي سانتي من جامعة بولونيا في إيطاليا، عن البرنامج الجديد الذي طوره الفريق قائلًا: «لقد طورنا آلةً قادرةً على كشف الأنماط الخفية. تبدأ الآلة بحل عدد كبير من المعادلات التفاضلية المتشابكة شديدة التعقيد؛ جميعها تُمثل أزواجًا من الإلكترونات المتشابكة مع بعضها، وصولًا إلى نتائج نجدها في أربع معادلات فقط، وكل ذلك بفضل منهجية تعلّم الآلة».

أثبت الباحثون أن الخوارزمية المبنية على معالجة البيانات ستطور نموذج هبرد تطويرًا ملحوظًا، وسيتم ذلك باعتماد أربع معادلات تُقدم نتائج فائقة الدقة.

يقول دي سانتي: «يا إلهي! لقد دُهشنا فعلًا عندما نظرنا إلى النتائج، لأنها كانت حقًا تتفق مع الفيزياء التي نستخدمها لتفسير الظواهر من حولنا».

تطلّب تعلم الآلة طريقة معالجة البيانات للوصول إلى النتائج إسبوعين فقط، لكن يرى دي سانتي والفريق أنه من الممكن الاستفادة من المعادلات الأربع لحل مشكلات مستعصية أخرى في الفيزياء.

حتى الآن تستطيع المحاكيات دراسة عدد صغير من المتغيرات فقط ضمن شبكة من الإلكترونات، ويبدو أن الهدف التالي هو توسيع قدرة المحاكيات على تنفيذ المزيد من العمليات؛ ليس فقط في سياق دراسة الإلكترونات، وإنما في أنظمة فيزيائية أخرى ايضًا.

إذا تم ذلك فمن الممكن تطبيق المعادلات لجس نبض المواد الناقلة، التي قد تُستخدم في صناعة أجهزة الطاقة النظيفة أو المساعدة في إيجاد مواد معينة تُساعد في خلق درجات الحرارة الوسطى، التي تُعد الأنسب لحدوث فائقية النقل.

يبقى الاختبار الحقيقي لفعالية هذه المعادلات هو في المجالات التي تتطلب دراسة الإلكترونات المتفاعلة مع بعضها عن بُعد، ضمن أنظمة كمومية معقدة.

حاليًا أثبت الاكتشاف إمكانية تسخير الذكاء الاصطناعي لإيجاد طرق فعالة، وبسيطة تُسهل دراسة الإلكترونات في أثناء حركتها.

ينتهي البحث بخاتمة مفادها أن دراسة حركة الإلكترونات هو أمر في غاية الأهمية، لإثبات عمل النظريات في مجال الفيزياء الكمية، التي من شأنها حل مشكلة الإلكترونات المتعددة.

اقرأ أيضًا:

علماء يرصدون تدفق الإلكترونات وتشكيلها ما يشبه الدوامات المائية

ما هي الإلكترونات ؟ – تعريف الإلكترون

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر