قد يقول لك أحد أصدقائك: لم أعد أستطيع التحمل. أفكر طوال اليوم بالأخطاء التي ارتكبتها، وسيغدو العالم مكانًا أفضل من دوني، ولن أشعر بهذا السوء على الأقل. ومع أنه لم يذكر الانتحار مباشرةً بقوله هذا فإن المعنى خلف كلماته ينبئ بذلك.

قد لا تعرف ما يجب قوله عندما تكون مهتمًّا بصديقك وتود تقديم المساعدة، لكن بدايةً عليك معرفة أن الذين يفكرون بالانتحار يشعرون بالخوف كذلك من أفكارهم، وقد لا يملكون خطةً واضحةً لفعل ذلك لأنهم ببساطة يرغبون فقط بطريقة لإيقاف الألم الذي يبدو غير محتمل ومستحيل التجاوز.

شعور العجز طبيعي عندما يرد ذكر الانتحار من أحد المحيطين بك، لكنك تستطيع تقديم الكثير من المساعدة، فقد يحقق التعاطف والدعم فرقًا كبيرًا.

التفكير بالانتحار أمر شائع:

تنشأ الأفكار حول الانتحار غالبًا رد فعل لظروف حياتية صعبة أو مجهدةـ مثل الاضطرابات الصحية الجسدية أو النفسية، والصدمات والاعتداء والوحدة والانعزال. قد لا يحاول جميع من لديهم أفكار انتحارية تنفيذ ما يدور في أذهانهم، لكن طبقًا لمركز الوقاية والسيطرة على الأمراض، يقع الانتحار في المرتبة الثانية بين الأسباب الأساسية لوفاة الأمريكيين بعمر بين 10 و34 عامًا.

كيف يمكن مساعدة شخص يفكر بالانتحار؟

قد تساعد الخطوات الآتية في تقديم الدعم والمساندة للمحيطين بنا عندما يمرّون بلحظة عصيبة كهذه:

تصديق كلامهم:

الاعتقاد أن الناس يتحدثون عن الانتحار للفت الانتباه فحسب هو اعتقاد خاطئ في معظم الحالات، لذا من الأفضل الافتراض أنهم يعنون الانتحار بالفعل.

يعطي تجاهل ذكر الانتحار انطباعًا بنقض الضغط النفسي الذي يعيشونه، وقد ينفرون بعدها من مشاركة أفكارهم مع أي أحد آخر أو التواصل لطلب المساعدة من المختصين.

الانتباه لسلوكهم وأسلوب حديثهم:

يتحدث الناس عن الانتحار غالبًا بطرق غامضة، وغير واضحة. وقد يقولون أشياء تعكس الشعور بالخزي أو اليأس أو الفشل. قد لا يقولون: أريد الموت، أو: أرغب بالانتحار، ولكن قد يقولون بدلًا من ذلك:

  •  أريد أن يتوقف شعوري بالألم.
  •  لا أعرف إن كنت قادرًا على الاستمرار.
  •  أشعر أنني عبء على كل من حولي.
  •  لن أشعر بحال أفضل أبدًا.

وقد تبدي أفعالهم ومزاجهم بعض الإشارات مثل:

  •  تجنب قضاء الوقت مع الآخرين.
  •  وجود تغييرات متكررة في المزاج.
  •  النوم أكثر أو أقل من المعتاد.
  •  تعاطي الكحول أو المخدرات أكثر من المعتاد.
  •  المخاطرة أو التصرف باندفاع أكثر من المعتاد.
  •  التخلي عن ممتلكات ثمينة أو مهمة.

لا تعني هذه الإشارات بالضرورة أن الشخص يفكر بالانتحار، لكن من الأفضل الحديث عن الموضوع حال كانت التصرفات أو طريقة الكلام ملفتةً للانتباه.

يمكنك البدء بالقول: أنا قلق عليك قليلًا، كيف أستطيع مساعدتك؟

السؤال مباشرةً:

يمكن تقدير الخطر في اللحظة ذاتها بشكل أفضل بسؤال بعض الأسئلة المهمة.

يمكن التحقق في البداية من أن الشخص الذي أمامك يفكر بالانتحار بسؤاله: هل تفكر بإنهاء حياتك؟

في حال كان الجواب نعم، تابع بالسؤال: هل لديك خطة لفعل ذلك؟

هل تملك الأدوات التي قد تستخدمها في خطتك؟

ما هذه الأدوات؟ وأين تحتفظ بها؟

يمكن التحقق من وجود وقت محدد لتنفيذ الانتحار بالسؤال: هل فكرت بالتوقيت الذي قد تنفذ فيه خطتك؟

لا يملك جميع من يفكر بالانتحار الخطة أو الدافع والنية للتنفيذ، لكن من يجيب على جميع الأسئلة السابقة بنعم، فمن الواضح أنه قد خطط للأمر، ما يجعله بحاجة إلى الدعم الفوري.

تشجيعهم للحديث عن الأمر:

هناك اعتقاد أن تجنب الحديث عن الانتحار كليًا عندما يذكره أحد المقربين، والتشجيع على التفكير بإيجابية أكثر قد يساعده على الشعور بحال أفضل.

الشعور بالخوف والتردد أمر طبيعي، حتى عند تقديم الدعم الأمثل. لكن تجاهل الموضوع برمته غير مفيد إطلاقًا، وقد يفهم من يذكر الانتحار هذا التجنب أنه إشارة لعدم الارتياح بشأن الحديث عن الانتحار، أو إشارة لعدم تقدير عمق آلامه وإن كان القصد مختلفًا. وفي الحالتين قد يتوقف عن مشاركة هذه المشاعر والأسرار.

من الاعتقادات الخاطئة أيضًا أن الحديث عن الانتحار يزيد من احتمال تنفيذ الأفكار الانتحارية. غالبًا ما يشعر الأشخاص الذين يحظون بالفرصة للانفتاح والحديث عن أفكارهم ومشاركة ألمهم مع مستمع متعاطف ببعض الارتياح من مشاعرهم الثقيلة أو الضغط النفسي الذي يعيشونه.

تقديم التعاطف:

الكلمات التي نقولها مهمة جدًا عند الحديث مع شخص يفكر بالانتحار، ويجب تجنب إنكار الضغط الذي يعيشه، أو طرح أسئلة مثل: كيف يمكنك أن تشعر بهذا الشعور؟ أو: لماذا قد ترغب بالموت؟ لديك الكثير من الأسباب للبقاء على قيد الحياة.

يمكنك استخدام بعض العبارات لتأكيد أن مشاعره مفهومة، مع التحلي ببعض الأمل في الوقت ذاته مثل:

  •  يبدو ما تقوله مؤلمًا بحق، وأقدّر أنك شاركتني بذلك. كيف أستطيع مساعدتك بهذا الشأن؟
  •  أعرف أن كل شيء يبدو كئيبًا الآن، لكن تصعب رؤية الحلول الممكنة عندما تكون المشاعر غامرة بهذا الشكل.
  •  أنا مهتم بشأنك، وأريد مساندتك بأي طريقة ممكنة. تستطيع الحديث معي عن هذا الأمر.

الاستمرار بتقديم الدعم:

قد يشعر الذين يفكرون بالانتحار من دون وجود خطة أو خطر مباشر بحال أفضل بعد مشاركة الضغط الذي يثقل كاهلهم، لكن هذا لا يعني تمامًا أنهم بخير بعدها. قد يستمر التعامل مع الأفكار حول الانتحار لحين الحصول على المساعدة في معرفة السبب الخفي لوجودها.

يذكرهم الحفاظ على التواصل معهم بعد مضي الأزمة أن من حولهم يهتم بشأنهم، ويمكن الاطمئنان عليهم بقول أشياء مثل:

  •  مرحبًا. لقد خطرت على بالي. كيف حالك؟
  •  تذكّر أنني دائمًا موجود حال رغبت بالتحدث مع شخص ما.

التشجيع للحصول على المساعدة من المختصين:

التشجيع للحديث مع معالج نفسي حول الأفكار الانتحارية المستمرة أو المتكررة، من وسائل الدعم أيضًا. لكن لا يمكن إجبار من لديه هذه الأفكار على العلاج النفسي، بصرف النظر عن مقدار المساعدة التي يمكن للعلاج أن يقدمها، ومهما كانت رؤية شخص يعاني بمفرده مزعجة ومحزنة، فلن يعود إملاء الأوامر عليه بالنفع.

قد يبدو التشجيع هنا في بعض الحالات مختلطًا بإطلاق الأحكام، فبدلًا من قول: عليك طلب المساعدة، يمكن استخدام عبارات مثل: هل فكرت بالتحدث مع معالج نفسي حول ذلك؟ أو: أنا دائمًا موجود لأصغي إليك، لكن ألا تظن أن باستطاعة المعالج النفسي مساعدتك أكثر مما أستطيع؟

تُظهر هذه الاقتراحات أن الاهتمام موجود، مع التذكير بلطف بالحدود التي يقف عندها دعم صديق عادي، فمن المُستبعد أن يقدر غير المختصين على تقديم حلول فعلية للضغط النفسي، في حين يكون المعالج النفسي مؤهلًا لمساعدة من يفكرون بالانتحار.

حال نفر الشخص من العلاج النفسي، فيمكنك مساعدته في إيجاد معالج نفسي، أو مرافقته في الموعد الأول.

كيف تمكن مساعدة شخص معرض للانتحار بخطورة عالية؟

قد يحتاج المعرضون لخطر الانتحار المباشر إلى المساعدة أكثر مما يمكنك تقديمه، في حال كان أحد أصدقائك يخطط للانتحار، ويملك الأدوات اللازمة لتنفيذ خطته مع موعد محدد ينوي الانتحار فيه بالفعل، فلا بد من طلب المساعدة من المختصين بأسرع ما يمكن.

من الأشياء التي يمكن فعلها عند وجود أحد الأصدقاء في خطر مباشر لإيذاء نفسه، أو الانتحار:

  •  تشجيعه للاتصال بإحدى الجهات المختصة التي تقدم المساعدة في هذه الحالات.
  •  الاتصال برقم الإسعاف لطلب المساعدة.
  •  يمكن اصطحاب الشخص للإسعاف، أو تشجيعه على الذهاب.
  •  البقاء معه شخصيًا أو على الهاتف، حتى وقت وصول من يستطيع تقديم المساعدة.
  •  محاولة إبعاد الأسلحة أو المواد المسببة للأذى من محيطه حال وجودك معه في المكان ذاته.

قد تساعد بعض الاستراتيجيات في تقديم الدعم إلى حين وصول المختصين:

تجربة تمارين التهدئة:

قد يعيق الاضطراب العاطفي الشديد رؤية الأشياء من وجهة نظر عقلانية، وغالبًا ما يرى الأشخاص الأوضاع أسوأ مما هي عليه في الواقع عندما يكون ألمهم غامرًا. تسهم وجهة النظر المشوهة هذه في ظهور الأفكار الانتحارية، وباستطاعتها تصوير الانتحار أنه الخيار الفعلي الوحيد.

قد لا تفيد تقنيات التهدئة في جميع الحالات، لكنها تساعد بعض الأشخاص أحيانًا عندما يسيطر عليهم الضغط النفسي في استعادة الوضوح والتركيز على الواقع.

غالبًا ما تتضمن هذه التقنيات إشراك الحواس الخمس للمساعدة في إعادة التواصل مع البيئة المادية المحيطة، ومنها:

  •  الحركة: يوفر النشاط الحركي بعض التشتيت، إذ يتطلب التركيز على إنجاز الحركات المطلوبة. جرب مشاركة الشخص المعني في المشي لمسافة قصيرة أو ممارسة بعض التمارين البسيطة.
  •  الحيوانات الأليفة والأغراض المفضلة: يمكنك المساعدة في البحث مع الشخص المعرض للخطر عن الأغراض التي تمنحه الشعور بالراحة مثل غطاء أو سترة مفضلة. وقد يجد البعض أن مداعبة حيوان أليف هي وسيلة تساعد في تخفيف الضغط النفسي.
  •  لعبة 5-4-3-2-1: اطلب من الشخص المعرض للخطر ذكر 5 أشياء يراها، و4 أصوات يسمعها، و3 روائح يستطيع شمها، وشيئين يستطيع لمسهما، وشيء يستطيع تذوقه.
  •  الموسيقا: غالبًا ما يساعد الاستماع إلى أغنية مفضلة في الاسترخاء.

السؤال عن خطة الأمان:

يمكن وضع خطة أمان بمساعدة مرشد مختص في حال وجود أفكار انتحارية سابقة. هذه الخطط بسيطة ومختصرة وتتضمن:

  •  علامات تحذيرية لوجود الأفكار الانتحارية.
  •  تقنيات للتأقلم من أجل تجاوز الفترات العصيبة.
  •  قائمة من الأسباب التي تدفع لإعادة التفكير بالانتحار.
  •  معلومات التواصل التي تخص الأشخاص القادرين على تقديم الدعم.
  •  خطوات للوصول إلى مكان آمن.

قد لا يبدي الأشخاص في لحظة وقوعهم تحت الضغط رغبةً بوضع خطة في حال عدم وجودها مسبقًا.

الوجود المستمر:

يساعد البقاء بقرب الأشخاص المعرضين للخطر في المكان نفسه أو على الهاتف في إبقائهم بأمان. حال لم يرغب الشخص المعني بالتحدث يمكن مشاركته في نزهة قصيرة مشيًا على الأقدام، أو مشاهدة فيلم أو مسلسل لتشتيت انتباهه، أو ببساطة البقاء بقربه.

أخبرهم أنك ستبقى موجودًا إلى حين وصول أحد آخر، أو ساعدهم في التواصل مع أصدقاء آخرين، أو مع أفراد من العائلة، وبدلًا من سؤال: هل أستطيع الاتصال بأحدٍ ما من أجلك؟ يمكنك أن تسأل: بمن تريدني أن أتصل من أجلك؟

اتصل بالإسعاف فورًا في حال:

  •  قاوم الشخص فكرة الحصول على مساعدة من المختصين لكنه استمر في التعبير عن رغبته بالانتحار.
  •  أخبرك الشخص عبر الهاتف أنه يملك أسلحة أو أدوات أخرى لتنفيذ الانتحار.

طلب المساعدة من أشخاص آخرين:

قد تتوقف قدرتك على المساعدة في وقت ما، وفي حال بدأت الشعور بالضغط أو الخوف، أو أن الأمر يفوق قدرتك، فيجب عندها التواصل مع أشخاص آخرين مثل الوالدين أو الشريك. شجعه على التواصل مع صديق يثق به أو فرد من العائلة، أو أحد مقدمي الرعاية الصحية، أو شخص آخر يستطيع تقديم الدعم.

في النهاية:

يجب عدم التردد في الاتصال بالإسعاف، أو أخذ من تحاول مساعدته إلى أقرب مشفى حال وجود خطر حقيقي. قد يزعجه الأمر في البداية، لكن قد يساعده هذا التصرف في البقاء آمنًا.

يجب دومًا آخذ الأفكار المرتبطة بالانتحار على محمل الجد، لا توجد طريقة واحدة تناسب جميع الحالات لمساعدة صديق يفكر بالانتحار، لكن إظهار التعاطف وتقديم الدعم مفيد دومًا.

اقرأ أيضًا:

ما علامات الانتحار التي يجب الحذر منها؟

ما هي المداخلات التي تساعد على منع حالات الانتحار ؟

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر