قد يكون أول ما يتبادر إلى أذهان الأشخاص بعد المرور بوقتٍ عصيب هو الاتصال بصديق أو اللجوء إلى زميل العمل لمشاركة الأحزان والتنفيس عن الغضب. مع أن مشاركة مشاعر الحزن مع الآخرين قد يكون أمرًا طبيعيًا عند محاولة التخلص من المشاعر السلبية، ولكن هل يصبح سامًا في مرحلة معينة؟

حسنًا، لقد اتضح أن المبالغة في مشاركة المشاعر مع الآخرين يسبب ما يُسمى «الإغراق بالصدمات» وقد يُلحق الضرر بالأشخاص الآخرين.

تشرح عالمة النفس كيا راي بريويت ما هي حالة إغراق الصدمات وكيفية معالجتها.

ما هو الإغراق بالصدمات؟

توضح الدكتورة بريويت: «يشير الإغراق بالصدمات إلى المبالغة في مشاركة المشاعر والأحزان مع الآخرين».

«إنه ليس مصطلحًا سريريًا يستخدمه مقدمو خدمات الصحة النفسية، ولكن الأشخاص الذين يعانون الإغراق بالصدمات غالبًا ما يشاركون الأحداث المؤلمة أو المواقف العصيبة في الأوقات غير المناسبة».

إن كان شخص ما يعاني الإغراق بالصدمات، فقد يعاني من ضائقة مرتبطة بما يلي:

  •  اكتئاب.
  •  قلق.
  •  اضطراب ما بعد الصدمة.
  •  بيئات المنزل أو العمل المجهدة.

أمثلة عن الإغراق بالصدمات

عندما يتحدث الشخص باستمرار عن عواطفه ولا يعطي الفرصة للشخص المتلقي للتعبير أيضًا والمشاركة، فهذه أكبر علامة على أنه يعاني الإغراق بالصدمات.

تشرح الدكتورة بريويت: «غالبًا ما يشعر الشخص المُتلقي للأفكار السلبية والعواطف بالإرهاق والعجز لأنه ليس متأكدًا من كيفية الرد أو قد لا يُمنح فرصة مناسبة للرد».

وفقًا للدكتورة بريويت، تتضمن بعض الأمثلة المحددة للإغراق بالصدمات ما يلي:

  •  مشاركة زميل العمل تفاصيل محددة عن مشكلات حياته الشخصية مثل الطلاق، في أثناء تناول غداء غير رسمي مع زملائه.
  •  مشاركة صديق تفاصيل علاقة سامة، دون السماح للشخص الآخر بالتحدث عن يومه.

الفرق بين مشاركة الحزن والإغراق بالصدمات

تعد مشاركة المشاعر مع الآخرين أمرًا جيدًا بالتأكيد. ولكن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين مشاركة المشاعر مع صديق، والمبالغة بالمشاركة لدرجة تسبب الإصابة بإغراق الصدمات.

تشير الدكتورة بريويت إلى أن مشاركة الحزن مع شخص موثوق غالبًا ما يكون وسيلة لتقليل التوتر.

«أحيانًا، يكون هناك صدقًا في التعاطف ومشاركة متبادلة من قبل الشخص الآخر. وقد تساعد هذه المشاركة الأشخاص على تجاوز الموقف أو حل المشكلة».

فيما يلي بعض الاختلافات الواضحة التي يجب ملاحظتها عندما يتعلق الأمر بمشاركة المشاعر بطريقة صحية وعند بلوغ مرحلة الإغراق بالصدمات.

إذ تتميز المشاركة الصحية بما يلي:

  •  مشاركة المخاوف مع شخص ما.
  •  يجب أن تكون المشاركة ثنائية، أي يجب أن يشاركك الشخص الآخر مخاوفه أيضًا.
  •  عند مشاركة مشكلة ما، بجب تحمل المسؤولية في حال وقوع مشكلات متعلقة بها.
  • المشاركة بحرية لإيجاد حلول للمشكلة.
  •  التحدث فقط عن موضوع واحد في كل مرة.
  •  وضع حد زمني معين لجلسة المشاركة.

أما حالة إغراق الصدمات فهي على النقيض تمامًا، فهي تتميز بما يلي:

  •  مشاركة المخاوف في أوقات غير مناسبة.
  •  عدم السماح للشخص الآخر بمشاركة مخاوفه أيضًا.
  •  عدم تحمل المسؤولية في حال وقوع مشكلات متعلقة بالمخاوف المطروحة.
  •  عدم المحاولة لإيجاد حل للمشكلة.
  •  الانتقال من موضوع إلى آخر بسرعة كبيرة.
  •  التحدث عن العديد من القضايا لفترة طويلة جدًا.

هل يمكن أن يؤثر إغراق الصدمات في العلاقات؟

قد يكون هناك أوقات تصبح فيها المبالغة بمشاركة الأحزان أكثر من مجرد أمر مزعج، وتحدث الشخص عن أحزانه باستمرار قد يتسبب في ابتعاد الناس عنه.

تقول الدكتورة بريويت: «إن الأذى الناتج عن المبالغة بمشاركة الأحزان هو أنه غالبًا ما يتجاوز حدود الشخص المُستمع. وقد يؤثر سلبًا في صحته النفسية بزيادة مستويات القلق والتوتر لديه».

لهذا السبب، تُشير الدكتورة بريويت إلى أن الشخص الذي يبالغ في المشاركة قد يُعرض علاقاته للخطر. في بعض الحالات، قد يشعر المُستمع أنه المتحدث يتلاعب به عندما تكون هذه المشاركة من طرف واحد.

كيف نعلم ما إن كنا مصابين بإغراق الصدمات

عند الشعور أننا الشخص المتحدث دومًا وليس المتلقي، هناك طريقتان يمكن من خلالها الانتباه أكثر عند مشاركة مشاعرنا. تتمثل الخطوة الأولى في توعية أنفسنا عن كيفية التواصل مع الأصدقاء وزملاء العمل.

بعض الأسئلة التي بالإمكان طرحها بعد مشاركة بعض الصدمات الصعبة مع شخص ما:

  •  هل حصلوا على فرصة لمشاركة مشاعرهم؟
  •  هل يشعر هذا الشخص بالراحة عند مشاركة أحزانه معي؟
  •  هل أشارك هذه المشاعر الصعبة في الوقت المناسب؟
  •  هل سألت الشخص عما إذا كان يشعر بالإرهاق مما كنت أتحدث عنه؟
  •  هل هناك موضوعات معينة يجب مشاركتها مع معالج نفسي بدلًا من ذلك؟

كيفية التوقف عن المشاركة المفرطة للمشاعر

تعد معرفة الشخص أنه يعاني الإغراق بالصدمات، هي الخطوة الأولى في الطريق إلى التحسن.

والحل لا يكمن في العزلة التامة. إذ قد يرغب الشخص في العثور على معالج محترف يوفر له مساحة آمنة للحديث عن أي صعوبات نفسية قد يواجهها.

تقول الدكتورة بريويت: «أوصي أيضًا بإجراء تقييم للعلاقات الشخصية وما إذا كان الشخص يشعر بعدم الرضا أو الاكتئاب أو القلق».

بعد ذلك، يجب على الشخص أخذ الوقت الكافي للتفكير في العلاقات الموجودة في حياته وكيف يمكنه وضع حدود معينة. قد يعني هذا تكلّمه فقط عن مواضيع معينة مع أولئك الذين يثق بهم أكثر أو مع الأشخاص الذين لديهم القدرة على المساعدة. إذا كان هناك أصدقاء معينون يظن أنهم يعانون الإغراق بالصدمات، فقد يكون من الجيد التحدث معهم والتحقق من شعورهم.

تقول الدكتورة بريويت: «عند ملاحظة أن الأصدقاء أو أفراد الأسرة قد ابتعدوا بسبب الإفراط في مشاركة المشاعر، فقد تكون هذه فرصة للشخص لتحمل مسؤولية أفعاله من خلال تحسين صحته النفسية والاعتذار لأولئك الذين تأثروا والعمل على وضع حدود صحية».

كيفية التعامل مع الشخص المصاب بالإغراق بالصدمات

قد يكون من الصعب التعامل مع الأشخاص الذين يفرطون بمشاركة أحزانهم، لأن مواجهتهم بذلك قد يقيد مشاعرهم.

تنصح الدكتورة بريويت بقولها: «عند معرفة أن شخصًا ما يعاني الإغراق بالصدمات، فمن الأفضل التحدث معه مباشرةً حول المخاوف المحتملة».

سيعتمد هذا على الشخص وما طبيعة علاقتك به. قد يكون شخصًا يستمع إلى مخاوفك بحذر، يمكن الاعتراف أن بعض الأشياء التي يناقشوها أصبحت متعبة للغاية بالنسبة لك. أو أنك تشعر أن العلاقة أحادية الجانب وأنك غير قادر على مشاركة مشاعرك بطريقة صحية مع هذا الشخص بنفس الطريقة التي يشارك بها مشاعره معك.

مثلًا، يمكن قول ما يلي لشخص مقرب يشارك أحزانه بطريقة مبالغ بها:

  •  عندما تتحدث معي عن مخاوفك، غالبًا ما أشعر بالارتباك لأنني لست متأكدًا من كيفية المساعدة.
  •  هل فكرت في التحدث إلى أحد المتخصصين عن مسببات التوتر لديك؟
  •  إن كنت تشعر بالرفض أو أن المشاركة أصبحت من طرف واحد معه، يمكنك التعامل مع الموضوع بالقول: «ألاحظ أنه عندما نتحدث، لا أحظى بفرصة مشاركة أي شيء عن يومي، فأنا غالبًا ما أشعر بالرفض أو عدم سماع صوتي. أفضل إن أُتيحت لي الفرصة أن أتحدث عن ضغوطاتي بالإضافة إلى ضغوطك».

لا تبدو كل حالات إغراق الصدمات متطابقة لأنها قد تنشأ من مجموعة متنوعة من الأسباب. وفي بعض الحالات، قد تسبب ضغطًا على العلاقات. عند ملاحظة علامات إغراق الصدمة في نفسك، فما تزال هناك طريقة للتحسن ومعرفة المزيد من ممارسات المشاركة الصحية. عند المعاناة من إغراق الصدمة، فيجب المحاولة لأن نكون أكثر صدقًا بشأن مشاعرنا، وما نريد الحصول عليه من علاقتنا مع الآخرين.

اقرأ أيضًا:

ما علامات الصدمة النفسية عند الطفل؟ وكيف يمكن تقديم المساعدة له؟

مشاعر الانفصال بعد الصدمة تتنبأ بنتائج أسوأ على الصحة النفسية

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: نايا كركور

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر