يُعد الإسكندر الأكبر واحدًا من أكثر القادة العسكريين شُهرة في التاريخ وسّع مملكة مقدونيا اليونانية القديمة وغزا الإمبراطورية الفارسية.

في عام 336 قبل الميلاد، وهو ابن العشرين، خَلَف والده، فيليب الثاني ملكًا لمملكة مقدونيا اليونانية. ثم بدأ سلسلة من الحملات العسكرية العدوانية لتأمين الأراضي الواقعة بالفعل تحت سيطرته، وتوسيع حكمه شرقًا.

بصفته ملكًا، نجح الإسكندر في غزو أول إمبراطورية فارسية، ووسّع أراضي مقدونيا حتى باكستان والهند في وقتنا هذا. خلال تلك الحملات، نشر الثقافة اليونانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما عزّز من تطور الثقافة الهلنستية بعد وفاته في عام 323 قبل الميلاد.

تبرز مسيرة الإسكندر العسكرية في العديد من انتصاراته، رغم أن تعداد قواته كبير للغاية. وقد لاحظ المؤرخون كيف أصرَّ دائمًا على قيادة قواته من الخطوط الأمامية للمعركة. ونتيجة لذلك، أصيب بجروح خطيرة عديدة من بينها جرح ساطور في الرأس، وجرح سيف في الفخذ، ورمية منجنيق استقرت في كتفه وسهم اخترق رئته يُزعم أنه كاد يقتله.

فيما يلي بعض من أهم معارك الإسكندر، بالإضافة إلى حصار واحد كان له آثار دائمة على البيئة ما يزال بإمكاننا مشاهدتها حتى اليوم.

1- معركة طيبة، 335 قبل الميلاد:

عندما ثارت مدينة طيبة اليونانية (لا ينبغي الخلط بينها وبين مدينة طيبة المصرية) ضد الحكم المقدوني، سار الإسكندر هناك مع قواته وأخمد الثورة. وبعد الفوز في المعركة -وهي واحدة من أولى حملات الإسكندر الكبرى- شرع الفاتحون المقدونيون في إشعال النار في المدينة.

يقول بول كارتليدج، الأستاذ الفخري للثقافة اليونانية في جامعة كامبريدج: «إن أحد أسباب حرق ألكسندر لطيبة هو تحذير المدن اليونانية الأخرى، بقوله: لا تتمردوا على الحكم المقدوني».

لم تنجح الاستراتيجية تمامًا، إذ ثارت إسبرطة -وإن لم تُفلح- في عام 331 قبل الميلاد. بحلول ذلك الوقت، كان الإسكندر في آسيا، يستولي على الإمبراطورية الفارسية.

2- معركة نهر جرانيكوس، 334 قبل الميلاد:

جاء أول انتصار كبير للإسكندر ضد الإمبراطورية الفارسية في نهر جرانيكوس في آسيا الصغرى، أو الأناضول، التي تشكل النصف الغربي من تركيا الحديثة. في هذه المعركة، غزا الإسكندر الأراضي الفارسية وقاتل ضد إمبراطورية ساتراب، أو حكام الأقاليم.

أسس انتصار الإسكندر الحكم المقدوني في آسيا الصغرى، وبدأ غزوه للإمبراطورية الفارسية. شجعه ذلك على المضي قدمًا في أراضي الإمبراطورية، إذ واجه قوات الملك داريوس الثالث.

3- معركة إيسوس، 333 قبل الميلاد:

وقعت معركة الإسكندر الأولى ضد الملك داريوس الثالث، حاكم الإمبراطورية الفارسية، في بلدة إيسوس القديمة (فيما يعرف الآن بتركيا الحديثة). مثل معركة جرانيكوس، كانت ما تزال على الحافة الغربية للإمبراطورية الفارسية.

يسأل كارتليدج: «هذا مهم للغاية، لأنه يفسر لماذا يقرر الملك الفارسي القدوم لمقابلة الإسكندر في غرب إمبراطوريته؟».

يفترض أن حملة الإسكندر في آسيا الصغرى كانت مهددة للغاية لدرجة أن داريوس قرر شخصيًا أنه يجب عليه حشد قواته الفارسية وقيادتها في معركة كبيرة.

هزم جيش الإسكندر الجنود الفرس، ما مثّل انتصارًا رئيسيًا في سعيه لغزو الإمبراطورية الفارسية. نجا داريوس لمواجهة الإسكندر مرة أخرى بعد عامين في معركة غوغميلا.

4- حصار صور، 332 قبل الميلاد:

بعد هزيمة داريوس في معركة إيسوس الحاسمة، ذهب الإسكندر إلى صور. تقع صور في لبنان الحديث، وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة دومًا في التاريخ. في ذلك الوقت، كانت صور تقع على جزيرة محاطة بجدران محصنة، وهو تحد للغزاة العسكريين.

هاجم الإسكندر المدينة ببناء جسر من البر الرئيسي إلى الجزيرة، وبنى أبراج حصار على الجسر الذي يمكّن قواته من مهاجمة المدينة.

نجح الحصار، واستولى الإسكندر على المدينة، لكن الجسر الذي بناه كان له تأثير تاريخي آخر غير مقصود. بمرور الوقت، استقر الطمي حول هذا الجسر، ما ساعد على تشكيل البرزخ الذي يربط صور الآن بالبر الرئيسي.

5- معركة غوغميلا، 331 قبل الميلاد:

وقعت معركة الإسكندر وداريوس الثانية والأخيرة في العراق الحديث، في قرية غوغميلا القديمة. على الرغم من أن جيش داريوس فاق عدد قوات الإسكندر، فإن الإسكندر هزم الملك الفارسي مرة أخرى في المعركة. وبهذا الانتصار، ادعى الإسكندر السيطرة على الإمبراطورية الفارسية. هرب داريوس حيًا، لكنه قُتل في عام 330 قبل الميلاد على يد أحد حكام المقاطعات.

يقول كارتليدج: «بعد انتصار غوغميلا، أصبحت الإمبراطورية الفارسية -ما بقي منها- تحت رحمة الإسكندر. كانت مسألة وقت فقط قبل أن تكون كلها تحت سيطرته».

6- معركة البوابة الفارسية، 330 قبل الميلاد:

كانت مدينة برسبوليس القديمة، الواقعة في إيران الحديثة، واحدة من عواصم الإمبراطورية الفارسية في عهد داريوس الثالث. مع هزيمة داريوس، سار الإسكندر بجيشه نحو ممر جبل البوابة الفارسية خارج المدينة.

هزم الإسكندر القوات الفارسية المدافعة عن الممر الجبلي، ما سمح له بالاستيلاء على مدينة برسبوليس ثم حرقها. بعد أن سيطر على مقر الإمبراطورية الفارسية، سار الإسكندر شرقًا لإقامة حكمه على أجزاء من الإمبراطورية التي امتدت إلى أفغانستان وباكستان والهند الحديثة.

7- معركة الهيداسبس، 326 قبل الميلاد:

جاء آخر انتصار عسكري كبير للإسكندر في نهر هيداسبس، المعروف الآن باسم نهر جيلوم، في باكستان الحديثة. هناك، قاتل ضد الملك بوروس وواجه أعداء لم يرهم من قبل، مثل أفيال الحرب، 200 منها استخدمت من طرف قوات بوروس في المعركة. بينما كانت هيداسبس أقرب هزيمة إلى ألكسندر، لكن انتصرت قواته في نهاية المطاف.

سمح الإسكندر لبوروس بالبقاء حاكمًا محليًا إذا تعهد بالولاء للإسكندر، الملك الجديد للإمبراطورية الفارسية. مع تأمين الحدود الشرقية للإمبراطورية، عاد الإسكندر إلى الجزء الأوسط من الإمبراطورية.

لكنه لم يقاتل بعد ذلك، ففي عام 323 قبل الميلاد، مرض الإسكندر وتوفي في مدينة بابل القديمة الواقعة في العراق الحديث، لكن سبب الوفاة غير معروف.

نظرًا لأن الحاكم البالغ من العمر 32 عامًا لم يترك أي وريث أو خليفة واضح، فقد أشعلت وفاته سلسلة من الحروب حول من يتولى إمبراطوريته الواسعة.

اقرأ أيضًا:

الإسكندر الأكبر: حياته ومعاركه

الإمبراطورية الفارسية: تاريخ موجز

ترجمة: علوي هيثم

تدقيق: غفران التميمي

المصدر