إن ظهور منصات الإيجار قصير الأمد مثل «اير بي ان بي»، «هوم اواي»، و «فليبكي» ثم نموها وانتشارها قد أثار جدلًا كبيرًا بين الحكومات المحلية وقطاع النزل ولوبيات الملاك العقاريين والناشطين المدافعين عن حقوق السكن والسكان المحليين حول تأثير عقود الإيجار هذه على مدى توفر المنازل التقليدية ذات عقود الإيجار طويلة الأمد وقدرة المستأجرين على تحمل تكاليفها.

حسب مقال نُشر حديثًا في مجلة هارفارد للسياسات والقانون، فإن الإيجار قصير الأمد يحد من عروض السكن التي يقدر المستأجرون على تحمل تكاليفها بسبب إخلاله بسوق العقارات السكنية من خلال آليتين مترابطتين، كما يلي:

الأولى هي بكل بساطة تحويل المنازل: فأي وحدة سكنية كان يقطنها سابقًا أحد سكان المدينة تغدو مُدرجةً على منصة airbnb طوال السنة هي وحدة سكنية أزيلت من سوق الإيجارات وأضيفت عمليًا إلى المعروض من غرف النزل (لدى الجماعة المحلية). يؤدي ذلك إلى زيادة طفيفة في الإيجار على الأرجح لكنها زيادة ملموسة ويتركز هذا التأثير في الأحياء الميسورة أو التي تستقبل النزوح بشكل كبير وتدفع سكانها الأصليين للخروج، وتقع هذه الأحياء في مركز ثقل الجماعة المحلية. والأكثر إثارةً للقلق في الموضوع هو أن تحويل هذه الوحدات السكنية يخفض من المعروض المحدود سلفًا من الوحدات السكنية ذات التكلفة المعقولة في الجماعة المحلية.

الآلية الثانية هي “الفندقة”. فإن كان باستطاعة مالك عقد الإيجار أو المالك العقاري تأجير غرفة على منصة airbnb بمقابل أقل من تكلفة غرفة فندق، مع تحقيق أفضلية مقارنة بسوق الإيجار السكني أو الإيجار المنظم بضوابطه، يوجد حافز قوي لإدراج أي وحدة سكنية في مبنى ما على airbnb بدل تأجيرها للسكان المحليين، ما يخلق «فنادق متواضعة». يقلص ذلك من معروض الوحدات السكنية ويدفع للتهجير والعزل بين المتساكنين ووفود النازحين الأثرياء إلى هذه المناطق على حساب السكان الأصليين الفقراء.

وبالرغم من أن هذا الكلام يبقى نظريًّا، فإن الأدلة تفيد أن هذه التأثيرات حقيقية بالفعل.

مثلًا أظهرت الاستنتاجات في دراسة أجرتها جامعة ماساشوستس عام 2016 بمدينة بوسطن أن مشاركة الغرف والمنازل يزيد من تكاليف الإيجار بسبب انتقاصه من الوحدات السكنية المتاحة للمتساكنين المحتملين وأن زيادة واحدة في الانحراف المعياري للملكيات المدرجة في airbnb مقارنة بعدد الوحدات السكنية في مساحة ما شملها الإحصاء تتلازم مع زيادة في تكاليف الإيجار بنسبة 0.4%. أما بالنسبة للمساحات التي تضم العُشر الأكثر تأجيرًا من الوحدات السكنية على منصة airbnb، فإن هذا الارتفاع يتراوح بين 1.3% و 3.1%، مmما يعادل زيادةً تصل إلى 93 دولارًا باحتساب المتوسط الشهري لأسعار الإيجار المطلوبة على مستوى المدينة.

هذا الاستنتاج متوافق مع ما تُظهره دراسات أكاديمية أخرى مستقلة مثل المقالة التي نشرها مؤخرًا باحثون في المكتب الوطني للبحث الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس وجامعة كاليفورنيا الجنوبية التي أُجرِيت على نطاق وطني واستنتجت أن زيادة بنسبة 10% في العروض المدرجة على airbnb تؤدي إلى زيادة بنسبة 0.42% في تكاليف الإيجار وزيادة بنسبة 0.76% في ثمن المنازل.

إضافةً إلى ذلك، نجد أن الأحياء الأقل تأثرًا بمعاملات airbnb هي التي تحتوي على نسب أكثر من السكان المالكين لمنازلهم، وهي نتيجة متوافقة مع فكرة أن الملاك العقاريين القاطنين بعيدًا عن ملكياتهم يسحبون هذه الملكيات من سوق الإيجار طويل الأمد ويدرجونها على منصة airbnb.

بما أن قطاع التأجير قصير الأمد نما بنسبة 800% منذ سنة 2011، ليس من الصعب أن نتفهم أسباب قلق الكثير من الناس حول تأثيرها على مدى توفر إيجار السكن طويل الأمد وتكلفته. وإن فكرنا في الأمر ووجدنا أن زيادةً بنسبة 10% في عدد الوحدات السكنية المدرجة للتأجير أدى إلى زيادة بنسبة 0.42% في تكاليف الإيجار، سنستنتج أن الزيادة الحقيقية التي بلغت نسبتها 800% في المعروض من الإيجار قصير الأمد منذ 2011 يُفترض أن تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإيجار بنسبة 36% على مدى نفس المدة الزمنية. وللمقارنة، فإن متوسط دخل العائلة الأمريكية نما بنسبة 18٪ فقط بين سنتي 2011 و 2016.

من المهم أيضا الإقرار بأن هذه المشكلة لا تخص المدن الكبرى فقط. إذ إن الدراسة الصادرة عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية وجامعة لوس أنجلوس بكاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا الجنوبية تستند إلى معطيات مدروسة على مستوى وطني ومُحكمة بطريقة تأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى متغيرة على مدى الزمن أو متعلقة بأحياء معينة، وهي عوامل لم تقع معاينتها وكان من شأنها أن تغيّر هذه الاستنتاجات.

بكل بساطة، هذه الاستنتاجات قابلة للتطبيق بشكل عام وشامل، وتنطبق أيضا على جماعات محلية صُغرى مثل ماديسون بولاية ويسكونسن أو لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا إذ أصبح الجدل حول التأجير قصير الأمد قضية مركزية في السنوات الماضية.

في النهاية، يبدو أن الأبحاث الأكاديمية تثبت أن هناك أسبابًا وجيهة لقلق السكان والسياسيين المحليين بخصوص تأثير الإيجار قصير الأمد على تكاليف السكن. الجانب الإيجابي في الأمر هو إمكانية الحد من هذه المشاكل بقوانين تعديلية رشيدة.

اقرأ أيضًا:

لماذا يجب أن يقلق قطاع السفر العالمي من أزمة العقارات في الصين؟

مشروع مدينة كاليفورنيا فوريفر المشابهة لوادي السيليكون

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: بشير حمّادة

المصدر