قيل قديمًا إن الأشياء التي لا تقتلك تجعلك أقوى، تلك عبارة مؤثرة لكنها غير صحيحة، فالعديد من الأشياء لا تقتلك لكنها تضعف قوتك الجسدية، مثل كوفيد وحبوب النشوة «إكستاسي».

وفقًا لورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة (frontiers in immunology) قد تُضعف أشياء عديدة قوتنا الجسدية، وينطبق ذلك على نحو نصف سكان العالم. فقر الدم مثلًا، وهي حالة نعاني فيها نقص عدد كريات الدم الحمراء الصحية التي تنقل كمية أكسجين كافية لأجسادنا، يولد استجابة مناعية تختلف في أجسام الإناث عن الذكور، هذا يحدث بسبب تركيبة من الإنزيمات الغريبة، ووجود نزعة لفقد الدماء تحدث في 10-25% من الوقت، اتضح أن التأثير في الجهاز المناعي يكون أكبر لدى النساء. توضح الدراسة أننا بحاجة إلى التوقف عن التعامل مع كلا الجنسين بالطريقة ذاتها.

صرح الباحث الرئيس، عالم المناعة «شكر الله إلهي» أنه من الواضح أن كريات الدم الحمراء تُعد عاملًا جوهريًا لنقل الأوكسجين إلى النسج. عندما واجهنا نقص الأكسجة المرتبط بكوفيد، ركزنا خصوصًا على هذا الموضوع، إذ لم نهتم بكريات الدم الحمراء غير الناضجة في الماضي.

الكريات غير الناضجة هي كريات جديدة تشكلت في نقي العظام، لا يُفترض وجودها في مجرى الدم، ففي الحالات الطبيعية تبقى هذه الكريات في نقي العظام حتى تنضج ثم تنتقل إلى مجرى الدم. وجود هذا النوع من الكريات خارج نقي العظام ظاهرة غير طبيعية.

لكن «غير طبيعي» لا تعني أمرًا سلبيًا بالضرورة، فمن الطبيعي ملاحظة كريات دم حمراء غير ناضجة عند الإناث الحوامل والمواليد الخدج، لكنها تزداد أيضًا عند مرضى السرطان وحالات نقص المناعة، ولدى مرضى كوفيد-19.

لم نعرف سابقًا أن لتلك الخلايا تأثير في الاستجابة المناعية، تحديدًا هي تكبح جهاز المناعة. عمومًا، تملك الإناث عددًا أكبر من كريات الدم الحمراء في مجرى الدم مقارنةً بالذكور.

استنادًا إلى دراسات متعددة على الفئران والبشر، فإن جهاز المناعة لدى الإناث يعاني بسبب أمرين، فهن لا يملكن عددًا أكبر من كريات الدم غير الناضجة مقارنةً بالرجال فحسب، بل إن هذه الكريات لها فعالية أقوى فيما يتعلق بتثبيط المناعة، بسبب وجود أنماط خاصة من الإنزيمات الكابحة للمناعة بمستويات أعلى لدى الإناث مقارنةً بالذكور.

تنتقل كريات الدم الحمراء غير الناضجة غالبًا إلى مجرى الدم عندما يعاني الشخص فقر الدم أو فقدانه، إذ يحاول الجسم تعويض ذلك بتحفيز نقي العظام لإنتاج كريات دم حمراء غير ناضجة، ينفذ بعضها إلى مجرى الدم.

اعتُقد سابقًا أن فقر الدم هو مشكلة فيزيولوجية، وهو ليس بالأمر المقلق. لكن ثبت أن فقر الدم يجب أن يُعامل بوصفه اضطرابًا مرتبطًا بالمناعة.

تُظهر الأبحاث أن تحريض فقر الدم عند الفئران يسبب زيادة عدد كريات الدم الحمراء غير الناضجة. من ثم أصبحت تلك الفئران أكثر تأثرًا بالعدوى مقارنةً بالفئران غير المصابة بفقر الدم، وكانت الإناث المصابة بفقر الدم هي الأسوأ. لكن الأغرب كان تأثير هذه الكريات غير الناضجة في الدماء الطبيعية، فعند نقل كريات الدم الحمراء غير الناضجة إلى فئران غير مصابة بفقر الدم، ازداد تأثرها بالعدوى.

إذن ماذا عن البشر؟ جمع الفريق عينات دماء من متطوعين أصحاء وقاسوا وجود كريات دم حمراء غير ناضجة عند المتطوعين من الذكور والإناث. واتضح عدم وجود فروق واضحة بين الجنسين. لكن أنثى الإنسان تفقد الدماء طبيعيًا بسبب الطمث، لذا قارن الفريق عينات دم من إناث قبل دورتهن الشهرية وبعدها، لمراقبة مستويات كريات الدم الحمراء غير الناضجة.

هنا وُجد اختلاف ملحوظ في النتائج عند المتطوعات قبل الدورة الشهرية وبعدها.

بالتأكيد لا نستطيع إحداث عدوى لدى البشر عمدًا لدراسة الاستجابة المناعية، لكن اعتمادًا على الدراسات على الحيوانات، استنتجنا أن جهاز المناعة عند الإناث أكثر عرضةً للخطر بعد الدورة الشهرية، إذ يُكبح بسبب انتشار الخلايا غير الناضجة الكابحة للمناعة.

لتلك الدراسة تطبيقات مهمة، إذ توفر طرقًا أدق للتشخيص، ما يمهد الطريق لما يُسمى الطب الدقيق.

أوضح «إلهي» أن من أسس الطب الشخصي -المخصص لحالة كل شخص- الاختلاف البيولوجي واختلاف الاستجابة المناعية بين الذكور والإناث، فاختلاف الجنس يؤثر في أداء جهاز المناعة، ما يؤثر في حالات المناعة الذاتية والأمراض المُعدية والسرطانات والاستجابة للتلقيح. يساعد فهم هذه الآليات على شرح استراتيجيات مهمة جديدة، تساهم في الوقاية الفعالة وعلاج الحالات المرتبطة بالمناعة.

توجد العديد من المعلومات غير الواضحة حول هذه النتائج، مثل الآليات الدقيقة التي تسبب مستويات مختلفة من كريات الدم الحمراء غير الناضجة عند الذكور والإناث. مثلًا، من الواضح وجود عوامل متعلقة بالهرمونات، لكن توجد عوامل أخرى محتملة، منها أن الإناث لديهن في الطحال ما يُسمى الجزيرة المصنعة لكريات الدم الحمراء، وهي مصدر ثان لكريات الدم الحمراء يعوض النقص الكبير الذي يحدث خلال دورتهن الشهرية.

لوحظ ذلك عند الفئران، لكن عند الإنسان من المستحيل جمع الطحال من متطوعين أصحاء ودراسته.

أيضًا ما زال من غير الواضح كيف ستكون النتائج لدى الإناث ممن ليست لديهن دورة شهرية، مثل الإناث في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث أو المتحولين جنسيًا، تلك أسئلة مهمة لم نتوصل إلى إجاباتها حتى الآن.

اقرأ أيضًا:

متى تبدأ الاستجابة المناعية بالظهور لدى الأجنة؟

كيف يؤثر شرب الكحول في الاستجابة للقاح كوفيد-19؟

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر