قد يواجه الشخص «وقتًا عصيبًا» أو يحاول إيجاد حل «مشكلة شائكة». قد تكون هذه العبارات مفهومة فطريًا لمعظمنا، لدرجة أننا قد لا نلاحظ الاستعارات المجازية المستخدمة، ولكن هناك اعتقاد أن تلك الاستعارات الاعتيادية غير مفهومة بالنسبة للأشخاص المولودين دون إحساس جسدي (دون إحساس باللمس أو الألم أو الضغط أو الحرارة).

تشير ورقة بحثية جديدة إلى أن ذلك الاعتقاد قد يكون خاطئًا، وفقًا لمشارِكة فريدة من نوعها في الدراسة.

قالت ليونور غرينوبل، أستاذة في قسم اللغويات في جامعة شيكاغو ومؤلفة مساعدة للورقة البحثية المذكورة، عن تلك المشارِكة: «كيم بمثابة هِبة، نتمكن معها من اختبار أشياء لا نستطيع اختبارها بأي طريقة أخرى».

وُلدت كيم، التي عُرفت في الدراسة باسمها الأول فقط، دون إحساس جسدي، تفتقر إلى الألياف العصبية الحسية التي تتيح لها الشعور بجسدها، ما جعلها مثيرة للاهتمام جدًا من وجهة النظر العصبية البيولوجية.

تقول غرينوبل: «مع أن الورقة البحثية هي دراسة حالة واحدة فقط، ولكنها فريدة جدًا».

استطاع الباحثون -بعد دراسة حالة كيم- لأول مرة ملء الفجوات المعرفية المتعلقة بقدرة البشر على إدراك الاستعارات اللغوية بناء على تجاربهم الحسية.

رأت غرينوبل أن الدراسات السابقة جميعها كانت تضم مشاركين لديهم تجربة لبعض من الإحساس الجسدي، فمنهم من خسر إحساسه لكنه قد يتذكر ذلك الشعور، ويتخيل انطباعات بناء عليه.

لكن الوضع مختلف تمامًا مع كيم، إذ افترض الباحثون أننا نترجم الاستعارات المتعلقة بالإحساس الجسدي بناءً على تجاربنا مع ذلك الإحساس، أما كيم فقد أظهر أداؤها في اختبار مفردات متعدد الخيارات أن تلك الطريقة ليست الطريقة الوحيدة لفهم اللغة.

تألف الاختبار من ثمانين سؤالًا متعلقًا بمقالات قصيرة تحتوي مصطلحات، منها ما يصف أحاسيس ملموسة ومنها غير متعلق بالإحساس الجسدي.

قالت بيغي ماسون، أستاذة البيولوجيا العصبية في جامعة شيكاغو ومتخصصة في التعاطف والسلوكيات الاجتماعية الأخرى ومؤلفة هذه الدراسة: «إن عبارات، مثل: يمر بوقت قاس، هي امتداد لكلمات ذات جذر حسي قوي».
تعمل ماسون مع كيم منذ عام 2014 في البحث عن مدى اختلاف تجربتها في الحياة وفي اللغة عن التجارب الاعتيادية.

في نهاية البحث، تبين أن تجربة كيم ليست مختلفة على نحو كبير، وذلك بعد خضوعها لاختبار باللمس أو بالتعابير غير الحسية بهدف تحديد المصطلح المناسب للتعبير عن الشعور.

بعد أدائها الذي كان مماثلًا أو حتى أفضل من أداء مجموعتين مرجعيتين، تساءل الباحثون عن آلية استيعاب كيم لتلك المفاهيم كونها لا تملك إحساسًا جسديًا.

رأى الباحثون أنه مع الأهمية الكبيرة للتجارب الحسية بالنسبة لكثير من الأشخاص، فإنها ليست إلزامية ويمكن تعلمها.

تستند كيم في استيعابها إلى المعاني اللغوية المعتمِدة على معلومات تعرفها من تجارب الآخرين، وتفكر في المعاني الحرفية للكلمات عوضًا عن تخمين المعنى عبر التجربة.

نتيجة البحث ليست مضمونةً تمامًا، إذ إن كيم أخطأت في دلالات بعض الصفات وربطها مع الأسماء، ولكنه يُعد دليلًا مهمًا لفهم كيفية استيعاب الاستعارات المعتمدة على الإحساس الجسدي.

قالت غرينوبل: «لدينا الآن بيانات تكفي لإثبات أي طرف من أطراف النقاش على حق».

أضافت: «ليس من الضروري أن نمر بتجربة حسية كي نفهم الاستعارات اللغوية. يفتح ذلك آفاقًا واسعة لفهم كيفية ارتباط الإحساس باللغة، وكيف يتغير ذلك الارتباط وكيف يمكن استخدامه في مختلف الأشياء».

اقرأ أيضًا:

ما أصل اللغة ؟ وكيف تطورت عبر الأجيال؟

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر