يُعد البانثيون أحد أفضل المعالم الرومانية القديمة الأثرية المحفوظة، اكتمل بناءه ما بين 126-128 للميلاد في أثناء فترة حكم الإمبراطور هادريان.

يمتاز المبنى بقاعدة مستديرة ذات سقفٍ مُقبب هائل الحجم، إذ كان الأضخم من نوعه حين انتهى بناؤه.

نظرًا إلى انعدام سجلاتٍ مكتوبة، تبقى العديد من الأسرار حول البانثيون الحاليّ طَيّ الكتمان، مثل من صممه، أو المدة التي استغرقها بناؤه.

ألهَم تصميم البانثيون على مر التاريخ العديد من المعماريين، في مختلف أنحاء أوروبا والأمريكيتين، وما يزال للبانثيون دوره كنيسةً ومقصد جذبٍ للسياح من مختلف دول العالم.

الأصل:

يقع البانثيون اليوم، مكان موقع هيكل قديم يحمل نفس الاسم بُني نحو 25 عاماً قبل الميلاد على يد رجل الدولة البارز آنذاك ماركوس أغريبا، صِهْر الإمبراطور الروماني الأول أغسطس.

يُعتقد عادةً أن المبنى قد صُمم معبدًا للآلهة الرومانية، واسمه مُشتق من الكلمة اليونانية (Pan) وتعني (جميع) وكلمة (Theos) وتعني (الآلهة).

دُمِّر مبنى البانثيون الأول خلال الحريق الذي نشب نحو عام 80 للميلاد، ثم أعيد بناؤه على يد الأمبراطور دوميتيان، ليُحرق مرة أخرى عام 110 للميلاد.

تمكن هادريان من تولي منصب الإمبراطور عام 117 للميلاد، وهو الوقت الذي اتسعت فيه الإمبراطورية الرومانية لتضم جزءًا كبيرًا من أوروبا الحالية وأجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان هادريان شغوفًا بالفن والعمارة، وباشر في حملة بناءٍ استمرت إلى وفاته عام 138 للميلاد.

من بين أهم مشاريع البناء التي بناها هادريان كان التحصين الدفاعي، الذي يُعرف اليوم باسم سور هادريان، ويمثل السور الحدود الشمالية الغربية للإمبراطورية الرومانية، يمتد طوله نحو 73 ميلًا قاطعًا مسافة شمال إنجلترا الحديثة بالعرض من الساحل إلى الساحل.

لا يُعرف حتى الآن من هو مهندس البانثيون أو ما هو دور هادريان في بنائه، إذ تشير الأدلة إلى إن المبنى اكتمل بناؤه ما بين 126-128 للميلاد، مع أن البناء ربما قد شُيّد في عهد تراجان سَلفِ هادريان، الذي شغل منصب الإمبراطور ما بين 98 الى 117 للميلاد.

لا يُعرف السبب بالضبط، ولماذا قام هادريان بنقش عبارة أغريبا الأصلية على البانثيون الجديد «ماركوس أغريبا، ابن لوسيوس، القنصل لثلاث مرات، شيّد هذا»، ما أدى إلى قرون من الارتباك حول هوية المبنى.

بقي الغرض الأصلي من البانثيون الجديد مجهولًا، لكن هادريان جعل منه محكمةً في بعض الأحيان.

من معبدٍ وثني إلى كنيسة مسيحية:

في العام 330 للميلاد، نُقلت عاصمة الدولة الرومانية من روما الى بيزنطة (إسطنبول حاليًا في تركيا) بأمرٍ من الأمبراطور قسطنطين.

تعرض البانثيون لعهود طويلة بعد ذلك للإهمال، وبحلول العام 476 للميلاد، غزا المحارب الألماني أودواكر النصف الغربي من الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت روما.

استمر حال البانثيون بالانحدار لفترات طويلة، وفي العام 609 للميلاد تمكن البابا بونيفاس الرابع من الحصول على إذن من الإمبراطور البيزنطي فوكاس لتحويل البانثيون إلى كنيسة مسيحية، تُعرف باللاتينية باسم (Sancta Maria ad Martyres- سانتا ماريا أد مارتيريس) وتعني كنيسة «القديسة مريم والشهداء».

يُعد البانثيون أول معبدٍ وثني يتم تحويله إلى كنيسة مسيحية، وقد أدى ذلك التحول دورًا رئيسيًا في بقائه إلى هذا اليوم، إذ كان لدى السلطة البابوية الموارد الكافية لإدامته وإصلاحه.

قبة البانثيون:

يتكون المبنى المصنوع من الطوب والخرسانة من ثلاثة أقسام: رواق بأعمدة غرانيتية وقبة مستديرة ضخمة ومنطقة مستطيلة تربط ما بين القسمين الآخرين.

يبلغ قطر القبة نحو 142 قدمًا، ويُعد سقفها المقبب هو الأكبر من نوعه وقت انتهاء بنائه، أما في الجزء العلوي من القبة توجد فتحة دائرية تُدعى أوكلوس (العين)، بقطر 27 قدمًا، تسمح بدخول الضوء والأمطار إلى داخل البانثيون.

تُزين جدران وأرضية القاعة المستديرة بالرخام والذهب، ويحتوي السقف المقبب على خمس حلقات في كل منها ثمانية وعشرون مستطيلًا.

يُقال إن مايكل أنجلو حين رأى البانثيون بعد قرون على بنائه، وصفه بأنّه من تصميم الملائكة وليس البشر. أعطى البانثيون انطباعًا مميزًا لمهندس عصر النهضة العظيم أندريا بالاديو، وألهَم عددًا لا يحصى من المهندسين المعماريين داخل أوروبا وخارجها.

هناك العديد من المباني الشهيرة التي تأثرت البانثيون، مثل الفيلا الخاصة بالرئيس توماس جيفرسون «مونتايسلو» الواقعة قرب شارلوتسفيل- فيرجينيا، وكذلك مبنى روتوندا في جامعة فيرجينيا، ومبنى الكونغرس الأمريكي والعديد من المباني الرسمية في الولايات المتحدة التي استوحت تصميمها من البانثيون.

البانثيون اليوم:

بعد تحول البانثيون إلى كنيسة مسيحية، أصبح في النهاية مدفنًا لشخصيات عصر النهضة البارزة مثل الرسام رافائيل والملحن أركانجيلو كوريلي والمهندس المعماري بالداسار بيروزي.

دُفن فيه العديد من الملوك ايضًا، مثل الملك فيتوريو إيمانويل الثاني، الذي توفي عام 1878م وكان أول ملك لإيطاليا منذ القرن السادس؛ وابنه أمبرتو الأول الذي اغتيل عام 1900م وزوجة أمبرتو الملكة مارغريتا التي توفيت عام 1926م.

بقي البانثيون اليوم وجهةً سياحية رئيسية للزوار من جميع أنحاء العالم، مع استمرار دوره ككنيسة ويُقام فيه القداس الكاثوليكي بانتظام.

اقرأ أيضًا:

حتشبسوت ملكة مصر

9 اختراعات رائدة أنجزتها النساء

ترجمة: علي حسين

تدقيق: أحمد الحميّد

المصدر