تُعلمنا نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين أنه لا يمكن لأيّ شيء أن يتحرك أسرع من الضوء، لكن ماذا لو كنت تتحرك بالفعل بسرعة أعلى من سرعة الضوء منذ ولادتك؟ كيف سيبدو ذلك؟

يبدو أن نوعًا من الجسيمات يمكن أن يسمح بوجود حالة غريبة مثل هذه بالفعل. هذا النوع من الجسيمات يعرف بـ التاكيونات، ووجوده لن يكسر فقط فهمنا للفيزياء، بل سيؤدي أيضًا إلى تصدع واقعنا مثلما نعرفه.

قواعد السفر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء:

سرعة الضوء هي حد حقيقيّ لا يمكن تجاوزه. كلما ازدادت سرعة الأجسام، ازدادت طاقتها. لكن النظرية النسبية تخبرنا أن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة. لذا كلما زادت سرعة الأجسام زادت كتلتها أيضًا.

لا يكون هذا الأمر واضحًا حتى تقترب الأجسام من سرعة الضوء، إذ تزداد طاقتها وكتلتها بشكل لا يمكن السيطرة عليه. ذلك أن الجسيمات التي تقترب من سرعة الضوء تصبح ذات كتلة لا نهائية، وهو ما يتطلب كميةً لا نهائية من الطاقة لدفعها، لذا تكون جميع الأجسام ذات الكتلة مقيدةً إلى الأبد بسرعات أقل من سرعة الضوء. فالأشياء الوحيدة التي يمكن أن تتحرك بسرعة الضوء هي الجسيمات التي ليس لديها كتلة، مثل الفوتونات؛ حاملات الضوء.

لكن تخبرنا النظرية النسبية أيضًا بوجود صورة مرآتية غريبة لقوانين المألوفة لدينا؛ إذا ظهر جسم يتحرك بسرعة أعلى من سرعة الضوء فسيكون مضطرًا للتحرك بهذه السرعة إلى لأبد، ويتطلب تباطؤ مثل هذا الجسيم طاقةً لا نهائيةً أيضًا.

جميع الجسيمات المعروفة في الكون تتحرك بسرعة تساوي أو تقل عن سرعة الضوء. مع ذلك، يمكن أن تتجاوز التاكيونات الافتراضية سرعة الضوء. لكن توجد مشكلة واحدة هي أن وجوده سيعيد كتابة جانب أساسي من عالمنا الفيزيائي لدرجة يعدها الناس عادةً أمرًا أساسيًا حتى أننا لا نفكر فيه.

لا تتبع التاكيونات منطق السببية والنتيجة:

المسألة الأساسية هنا هي السببية، وهي المبدأ الذي ينص على أن لكل شيء سببًا وأن كل سبب يؤدي إلى نتيجة وأن كل نتيجة تأتي من سبب.

تُشكّل السببية الأساس لكل ما نختبره في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، إذا أردت وضع القهوة في فنجان ما (نتيجة)، يجب أن أصب القهوة من الإبريق إلى الفنجان (سبب).

توفر السببية الترتيب المنطقي لجميع الأحداث في حياتنا؛ إنها الطريقة التي نفهم بها مرور الوقت.

الأسباب تؤدي إلى نتائج، التي بدورها تصبح أسبابًا جديدةً تؤدي إلى نتائج جديدة، وهكذا من الماضي إلى المستقبل. إذ يحتوي الماضي على جميع الأسباب التي أدت إلى الواقع الحالي، والمستقبل مليء بالعديد من النتائج المحتملة بناءً على الأسباب الحالية. لذا تشكّل هذه السلسلة المتصلة من الأسباب والنتائج الهيكل الأساسي لتجربتنا. لكن التاكيونات كسرت هذه السلسلة.

سرعة الضوء:

لا تقدم لنا نظرية النسبية الخاصة معلومات فقط حول حدود السرعة في الكون، بل تخبرنا أيضًا عن العلاقة بين السبب والنتيجة في الكون. ولأن سرعة الضوء هي الحد النهائي للسرعة في الكون، فإنها أيضًا أسرع طريقة ممكنة يؤدي بها السبب إلى نتيجة، لأن هذه هي أسرع طريقة يمكن لأي شيء أن يتحرك بها.

إذا أردت أن ألمس كتفك يجب أن أتجه نحوك وأمد يدي. أسرع سرعة يمكنني القيام بذلك بواسطتها هي سرعة الضوء. إذا كنت قريبًا يمكنني لمس كتفك بسرعة نسبيًا، أما إذا كنت بعيدًا يجب أن أسافر نحوك أولاً. بمعنىً آخر، سرعة الضوء تحد من الآثار التي يمكن أن أؤثر بها في الكون؛ كلما كانت الأشياء الأخرى أبعد، استغرق الأمر وقتًا أطول لكي يؤثر لمسي فيها.

إذا وُجِدَت التاكيونات، سيتغير فهمنا للواقع جذريًا!

يفرض حدّ سرعة الأشياء المتحركة حدًا أيضًا على سرعة السببية. أي إذا كان شيءٌ ما بعيدًا جدًا، وليس لدي الوقت الكافي للوصول إليه فإنني لن أتمكن أبدًا من التأثير فيه، لأن سرعة الضوء تحيط بي.

على سبيل المثال، إذا انتقلت إلى مجرة أندروميدا التي تبعد عنا 2.5 مليون سنة ضوئية، وأردت لمس كتفك وكان لدي فقط ساعة ونصف للوصول إليك، فليس لدي حظ. لا توجد أية طريقة ممكنة يمكنني بها لمس كتفك؛ لا يمكن لِسببي أن يؤدي إلى هذه النتيجة.

أما جسيمات التايكون، فهي قادرة على اختراق هذه القوانين.

الجسيم المسافر عبر الزمن:

بما أن التاكيونات تتحرك بسرعة أعلى من سرعة الضوء، فيمكن إعداد سيناريوهات يختلف فيها ترتيب السبب والنتيجة عن الترتيب الطبيعي والمعقول.

على سبيل المثال، دعونا نفترض أنني جالس على الأرض وأنك في مركبة فضائية، في مكان بعيد. لدى كل واحد منا جهاز إرسال خاص يمكنه إرسال واستقبال التاكيونات بسرعة تتجاوز سرعة الضوء (تمامًا مثلما في أي مسلسل خيال علمي). أرسل لك رسالة، وتصلك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. هذا يعني أنه إذا كان لديك تلسكوب موجّه إليّ ستستلم الرسالة قبل أن تراني وأنا أرسلها، لأن الضوء الذي يصدر مني نحو تلسكوبك محدود بسرعة الضوء! ثم يمكنك صياغة رسالة رد وإرسالها إليّ. مرةً أخرى، سوف أستلم الرسالة قبل أن تراني أرسل الرسالة الأصلية؛ هذا يعني أنك سترسل ردك عبر الزمن. تلك خدعة خاصة متاحة فقط من خلال جسيمات التاكيون التي تتجاوز سرعة الضوء.

هذا ما يزال أمرًا غريبًا، لكنّه لا يكسر السببية بعد. لذا، دعنا نبدأ بالتلاعب بالواقع. داخل هذا الإعداد الخيالي، دعونا نتظاهر أن جهاز إرسال التاكيونات الخاص بي يحتوي على آلية تدمير ذاتي، لكن فقط إذا تلقى رسالةً سريةً مشفّرةً. أنت تعرف هذه الرسالة السرية، لذا عندما تستقبل إرسالِي وردي عليها، تُرسَل إشارة التدمير الذاتي إلى جهاز إرسالِي.

بما أن التاكيونات يمكنها السفر بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، فإن ردك على رسالتي الأصلية يصل في الواقع قبل أن أرسل أي شيء. لكنّ ردك وجّهني إلى تدمير جهاز الإرسال الخاص بي، ما يجعل من المستحيل بالنسبة لي إرسال رسالتي في المرة الأولى. لكنّ الطريقة الوحيدة للحصول على إشارة التدمير الذاتي كانت بالنسبة لي أن أرسل رسالتي، لكي ترد عليها.

هل أرسلت رسالتي أم دُمِّرَ جهازي؟ إنها مفارقة ناتجة عن وجود التاكيونات التي تتحرك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، ما يكسر الترتيب الطبيعي للسبب والنتيجة. لأن التاكيونات يمكنها السفر إلى الماضي، ويمكنها تحفيز حدوث الآثار قبل حدوث الأسباب، ما يؤدي إلى مجموعة من المشاهد السخيفة والمتناقضة.

هل يمكن أن توجد التاكيونات؟

ليس لدينا أدلة تثبت أن التاكيونات غير موجودة، إذ لا يوجد شيء في نظرية النسبية نفسها يستبعد إمكانية وجودها. لكن إذا كانت تلك الجسيمات موجودةً حقًّا، ستقوم بكسر فهمنا للواقع. ستنهار الفيزياء؛ لأن الفيزياء هي قصة السبب والنتيجة على المستوى الأساسي، لكن لن تكون الفيزياء وحدها في ذلك.

إن فهمنا الكامل للواقع والوجود يعتمد على السببية وعلى العلاقات بين السبب والنتيجة. لذا تدمر التاكيونات تلك العلاقات؛ لأنه مع وجودها في الصورة، لن يمكن للآثار أن تُتبَعَ إلى أسبابها بعد الآن. ويمكن للأسباب أن تؤدي إلى آثار في المستقبل والماضي. سوف يصبح التدفق المنطقي للزمن عبارةً عن خلاصة متشابكة وخالية من المعنى.

بالتأكيد قد يكون فهمنا الأساسي للواقع خاطئًا، وقد تكون إمكانية وجود التاكيونات الخطوة الأولى في إعادة صياغة افتراضاتِنا الأساسية أو ربما نعيش في كون منطقي ومنظّم، وسوف يتعين علينا القيام بكل شيء بسرعة أقل من سرعة الضوء، سواء أعجبنا ذلك أم لا.

اقرأ أيضًا:

جسيمات افتراضية أسرع من الضوء وتعود بالزمن إلى الوراء، ماذا تعرف عن التاكيونات؟

هل تكون الثقوب الدودية مفتاحنا إلى السفر عبر الزمن؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر