أصبح التباعد الاجتماعي جزءًا من الحياة اليومية عند كثير من الناس منذ بداية جائحة كوفيد-19، مع ذلك توجد الكثير من المفاهيم الخاطئة حول تأثير التباعد الاجتماعي في جهاز المناعة. إنه أداة فعالة في المساعدة على الحد من انتشار الأمراض، خاصةً عند اقترانها مع تدابير الصحة العامة الأخرى، لذلك قد تساعدنا معرفة كيفية تأثيره في جهاز المناعة على اتخاذ تدابير وقائية للحفاظ على الصحة العاطفية والجسدية.

ما هو التباعد الاجتماعي؟

تبادل استخدام مصطلحي التباعد الاجتماعي والتباعد الجسدي منذ بداية جائحة كوفيد-19، لكنهما يعنيان شيئين مختلفين قليلًا:

  •  التباعد الاجتماعي هو مصطلح يستخدم في الصحة العامة، ويدل على البقاء في المنزل أو الابتعاد عن الآخرين قدر الإمكان، بهدف منع انتشار المرض أو تقليل احتماليته.
  •  التباعد الجسدي هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى البقاء على بعد مترين تقريبًا من الآخرين، وهو إجراء يُتبع عمومًا إلى جانب ارتداء قناع الوجه.

لم يسمع معظم عامة الناس عن التباعد الاجتماعي قبل كوفيد-19، إذ إن المرضى أو من لا يشعرون بصحة جيدة لم يطبقوه.

كيف يؤثر التباعد الاجتماعي في جهاز المناعة؟

يعتقد كثير من الناس أن عدم التعرض للجراثيم بسبب التباعد الاجتماعي يُضعف جهاز المناعة، ويجعل الإنسان أكثر عرضة للعدوى والمرض، ويطلق على هذا الاعتقاد بفرضية النظافة.

في حين أن الجسم يحتاج إلى التعرض للجراثيم ليبني استجابة مناعية قوية، فإن الابتعاد عن الجراثيم لن يُضعف مناعة الجسم، خصوصًا أن الجسم يتذكر تعرضه للجراثيم، وعدم التعرض للجراثيم نتيجة التباعد الاجتماعي لا يُضعف ذاكرة الجسم.

لكن انخفاض التفاعلات الاجتماعية والعلاقات الشخصية أو تدنيها إلى أدنى حد مع الأشخاص الآخرين الذين يشكلون جزءًا من التباعد الاجتماعي قد يكون له آثار نفسية وعاطفية، قد تَشمل الاكتئاب والشعور بالوحدة والعزلة. وفي المقابل، قد ينتج عن ذلك الانخفاض آثار سلبية على الصحة والسلوكيات الصحية، من ضمنها استقرار الفرد، والتغيرات السلبية في نظامه الغذائي، وزيادة ضغط الدم. إضافةً إلى احتمال تأثير الاكتئاب في عمل الفرد ما قد يؤدي إلى مخاوف مالية وتأثيرات أكبر بالنتيجة في صحته الجسدية والعاطفية، وتؤثر كل هذه العوامل بدورها سلبًا في جهاز المناعة.

ألا يتعارض التباعد الاجتماعي مع الحماية الناتجة عن مناعة القطيع؟

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية مناعة القطيع بأنها المناعة غير المباشرة أو الحماية من المرض الناتجة عن تحصين عدد كبير من السكان ضد المرض، إما عن طريق التطعيم أو العدوى السابقة.

لا يتعارض التباعد الاجتماعي مع مفهوم مناعة القطيع، لكنه يعمل جنبًا إلى جنب معه، خاصةً مع وجود فيروس خطير قد يسبب وفاة أو إعاقة، فإن السماح للعدوى بالانتشار لتحقيق مناعة القطيع أمر غير مسؤول.

يعمل التباعد الاجتماعي مع مناعة القطيع لأنه بالوسع نشر اللقاحات للأفراد المؤهلين في أثناء تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي، ويسمح هذا بالحد الأدنى من الاتصال بين الأفراد لدى اتخاذ خطوات للتخفيف من انتشار العدوى. ويساعد أيضًا على حماية السكان الضعفاء وأولئك الذين لا يمكن تطعيمهم في ذلك الوقت. وفور تطعيم عدد كبير من الأشخاص، بالوسع تخفيف تدابير التباعد الاجتماعي ببطء وتدريجيًا.

لماذا يُعد التباعد الاجتماعي ممارسة وقائية مفيدة؟

وُجد أن التباعد الاجتماعي فعال ومفيد جدًا خلال جائحة كوفيد-،19 فقد ساعد على الحد من انتشار فيروس كورونا لأنه عند اقتراب الناس من بعضهم ينتقل الفيروس في قطرات عبر الهواء، لكن التباعد الاجتماعي والجسدي ساعد على تقليل احتمالية حدوث ذلك.

إن التباعد الاجتماعي مفيد إذا التزم الناس به، خاصةً عندما يطبق مع تكتيكات الصحة العامة الأخرى، مثل غسل اليدين وارتداء الأقنعة، فهذه طريقة سهلة إلى حدٍ ما لتقليل احتمالية انتقال العدوى.

هل يحمي التباعد الاجتماعي من الإنفلونزا؟

لا يُطبق التباعد الاجتماعي فقط في حال الأوبئة! فقد يساعد أيضًا على الحماية من الإنفلونزا، خاصةً عند استخدامه مع الاحتياطات الأخرى، مثل:

  •  الحصول على لقاح الإنفلونزا.
  •  غسل اليدين بطريقة صحيحة.
  •  ارتداء قناع الوجه.
  •  ممارسة التباعد الاجتماعي والجسدي خلال موسم الإنفلونزا.
  •  تجنب الحشود الكبيرة.
  •  الحفاظ على المسافة الجسدية مع الآخرين.

هذا لا يعني أن يبقى الفرد في المنزل طوال الشتاء، لكن اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية قد يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالإنفلونزا.

من هم أكثر المتأثرين بالتباعد الاجتماعي؟

قد يتأثر أي شخص بالتباعد الاجتماعي، لكن يعد الكبار في السن حساسين تجاهه خصوصًا، وقد يعود ذلك لأسباب متنوعة، من ضمنها الأمراض المزمنة، وفقدان العائلة أو الأصدقاء، والإعاقات الحسية التي قد تجعل مكالمات الفيديو أكثر صعوبة.

قد يتأثر أيضًا الأفراد الذين يواجهون أوقاتًا عصيبة أو الذين قد يحتاجون إلى مستوى إضافيٍّ من الدعم بالتباعد الاجتماعي.

تشمل العوامل التي قد تجعل العزلة أكثر صعوبة ما يلي:

  •  إساءة استخدام المخدرات.
  •  الاكتئاب.
  •  الوحدة.
  •  قضايا صحية أخرى تصعّب التواصل مع الناس، مثل مرض باركنسون أو مرض التصلب الجانبي الضموري.

إذا احتاج الأشخاص إلى المساعدة في الأنشطة اليومية ولم يتمكنوا من الحصول على مساعدة أو دعم شخصي، فالتباعد الاجتماعي أضاف تأثيرًا سلبيًا آخر على الصحة البدنية والعقلية.

ما هي الآثار السلبية على الصحة التي قد يحدثها التباعد الاجتماعي؟

قد يخلف التباعد الاجتماعي آثارًا كبيرة في الأطفال والمراهقين والشباب، خصوصًا إذا استمر فترات طويلة، فوفقًا لدراسة أجريت عام 2021 كان تأثير التباعد الاجتماعي كبيرًا في الأطفال، ومن نتائج الاستطلاع:

  •  زيادة أعراض القلق لدى ما يقارب 80% من الأطفال والمراهقين.
  •  إبلاغ ما يقارب النصف 43.9% عن أعراض مزاجية كبيرة.
  •  واجه ما يقارب 30% من الأطفال صعوبة في النوم ليلًا، وواجهوا أيضًا صعوبة في التكيف مع التعلم عن بعد.
  •  في حين أظهر بعض الأطفال تغيرات حادة في المزاج والسلوك، قد لا يبدي الأطفال الآخرون آثارًا عاطفية للتباعد الاجتماعي إلا في وقتٍ لاحقٍ من نموهم.

وجدت دراسة أجُريت عام 2022 أيضًا أن التباعد الاجتماعي تسبب في ارتفاع مستويات التوتر وتدني الحالة المزاجية لدى المراهقين.

إذ يحتاج المراهقين إلى اكتشاف استقلاليتهم على مساحات كبيرة، والتواصل مع أقرانهم، وقد أعاقت العزلة الاجتماعية في أثناء جائحة كوفيد-19 كل ما ذكر، لكن بعض الأنشطة ساعدت على تقليل الآثار السلبية، وشملت ما يلي:

  •  أنشطة صنع المعنى (كحل المشكلات وتعلم المزيد عن جائحة كوفيد-19).
  •  التمارين الرياضية.

من المهم أيضًا شرح الأسباب الكامنة وراء التباعد الاجتماعي للأطفال والمراهقين، والاعتراف بأنهم يعانون ضغوطًا بسبب الوباء، وقد يساعد العثور على سلوكيات تأقلم صحيحة مع التباعد الاجتماعي والتشجيع عليها في تحسن الصحة العاطفية والنفسية.

الخلاصة

أصبح التباعد الاجتماعي مصطلحًا شائع الاستخدام مع جائحة كوفيد-19، مشيرًا إلى البقاء في المنزل، وتقليل التجمعات الاجتماعية، والحفاظ على مسافة مترين من الآخرين من أجل تقليل انتشار المرض. في حين أن هذه الإجراءات فعالة في المساعدة على تقليل انتشار المرض، لكنه قد يخلف أيضًا آثارًا سلبية على الصحة والعاطفة.

إن إدراك الضغوط التي ينطوي عليها التباعد الاجتماعي، خاصةً عند الأطفال والمرهقين وكبار السن، وأولئك الذين يعانون بسبب حالات موجودة مسبقًا، قد يساعد على تقليل الآثار السلبية واستخدام مهارات التأقلم الإيجابية في تقليل هذه الضغوطات.

ورغم العيوب المحتملة للتباعد الاجتماعي، فهو يظل أداة فعالة في المساعدة على السيطرة على انتشار المرض.

اقرأ أيضًا:

كوفيد-19 مستمر إلا أن نهاية الجائحة باتت قريبة

ست طرق للتغلب على الألم الاجتماعي

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر