التحديات العاطفية للمرأة خلال الحمل


يُولَى الكثيرُ من الاهتمام للتغيرات والمضايقات الجسدية في جسم المرأة خلال الحمل، في حين أنَّ التغّيرات العاطفية التي تمر بها المرأة لا تناقش في أغلب الأحيان. فإضافة إلى صحّتها الجسدية، تلعب كلٌّ من الحالة العاطفية والذهنية للمرأة دورًا هامًا في الحمل.

 تلعب كلٌّ من الحالة العاطفية والذهنية للمرأة دورًا هامًا خلال الحمل.

تلعب كلٌّ من الحالة العاطفية والذهنية للمرأة دورًا هامًا خلال الحمل.

يتفاوت مزاج المرأة وعواطفها خلال الأشهر التّسعة بين مشاعر إيجابيّة كالابتهاج والحماس للحصول على طفل،ومشاعر سلبيّة كالشّعور بنفاذ الصّبر، والقلق، والهلع من اقتراب موعد الولادة والأمومة. حيث إنّ الحمل يمكن أن يثير قضايا أخرى قد سبق كبتها وتجاهلها كمشاكل التّواصل في العلاقات الأسريّة، وحالة عدم الاستقرار، والتّوقعات الشخصية البعيدة عن الواقع. فمن المفيد للمرأة وشريك حياتها أن يكون لديهما مدّة عام تقريبًا للتكيف مع واقع كونهما والدين.

قالت الدّكتورة ماري كيميل، المديرة الطبيّة لوحدة الطبّ النّفسيّ للمرضى المقيمين في مرحلة ما قبل الولادة، والأستاذة المساعدة في الطبّ النّفسيّ في كليّة الطبّ ضمن جامعة كارولينا الشمالية الواقعة في تشابل هيل: «إنّ الحمل هو مرحلة انتقال كبيرة في حياة المرأة، ويتضمّن مزيجًا معقدًا من العواطف الجيّدة والسيّئة». وأوضحت أيضًا أنّ الحمل هو مرحلة زمنيّة فريدة من نوعها للعديد من الأسباب، فقالت: «تتكثّف هرمونات الإستروجين والبروجستيرون في جسم المرأة على المستوى الحيوي، فبعض النّساء أكثر حساسيّة لتغيرات هرمونات البروجستيرون من غيرها ممّا يجعلها أكثر سرعة للانفعال». وأضافت كيميل المتخصصة في اضطرابات مزاج المرأة أنّ هناك أيضًا العديدَ من القضايا للمرأة المنتظرة مولودًا كي تعمل على تحسينها نفسيًا واجتماعيًا، على سبيل المثال؛ ماذا سيعني المولود القادم لحياتها المقبلة؟ وكيف سيؤثّر ذلك على علاقاتها الاجتماعية؟ وهل ستحظى بالدعم من قبل شريك حياتها وأفراد عائلتها حينما يولد الطّفل؟ أستكون أمًا صالحة وتتحمل مسؤوليّاتها الجديدة؟

حين نحضر حياةً جديدةً إلى هذا العالم، سنواجه أيضًا مخاوف عمليّة كالتجهّز ماديًا لوجود فرد إضافيّ في العائلة، أو الاعتماد المعيشي على دخل واحد إن لم ترغب المرأة بالعمل خارج المنزل.

وذكرت كيميل أنّه يمكن أن يكون الحمل فترةً ممتعةً، لكنّها في الوقت نفسه مجهدةٌ جدًا ممّا قد يسبب زيادة قوّة المشاعر، ونصحت النّساء أن يكنَّ على بينة من أفكارهنَّ ومشاعرهنَّ، وأن يجدنَ موضعًا معينًا ليتحدثنَ عنها ويعمَلْنَ على تحسينها.

وسنذكر في هذا المقال بعض المشاعر السّائدة التي تمر بها المرأة خلال حملها وبعد الولادة. وللمزيد من المعلومات حول الصّحة العاطفية للمرأة خلال وبعد الحمل، اطلعوا على كتاب “Understanding Your Moods When You’re Expecting” للدكتورة لوسي بوريير، الطبيبة النفسية المتخصصة في صحة المرأة العقلية والإنجابيّة، ومديرة عيادة بايلور للطبّ النّفسيّ في كلية بايلور للطبّ.

تقلّب المزاج

سواء أَكان المزاجيةَ، أم سرعة الانفعال، أم تعكر المزاج، إذْ إنَّ الحمل يستطيع توليد تقلبات سريعة للمشاعر. وقالت كيميل لموقع لايف ساينس: «إنّ الحمل هو نقطة تحوّل في حياة المرأة، ويمكن لعواطف الإنسان أن تتقلّب صعودًا ونزولًا في أيّ وقت من التحوّل». وأضافت أنّ مشاعر النّساء لا تتغيّر كثيرًا إن كنَّ متوقعاتٍ لها، ولكن ليس غريبًا أن يتغير مزاج النّساء، خاصّةً في المراحل المبكّرة والمتأخّرة من الحمل. وأضافت: «إنّ سبب حدوث تغيّرات المزاج هذه غير واضحٍ تمامًا؛ إذ إنّ هناك العديدَ من التغيّرات المختلفة التي تحدث في جسم المرأة في أي وقت، فترتبط هذه التغيرات كلّها بعواطفها». وقد يكون أحد الأسباب الرئيسة هو وجود فيضٍ من الهرمونات، وأكملت قائلةً: «بعض النّساء حسّاسات لتغيّرات الإستروجين، بينما تتأثّر أُخريات بزيادة البروجستيرون، أو بارتفاع مستويات هرمونات التّوتر».

الخوف

يعدّ الخوف أحد الأحاسيس الشّائعة خلال الحمل، فقد تخاف المرأة في الأشهر الثّلاثة الأولى من حدوث إجهاض، أو فعل أمر ما قد يؤثّر على صحة طفلها. وقد تبدأ بالتساؤل في الأشهر الثلاثة التّالية إن كانت ستغدو أمًا صالحة، ويحدث أنْ تخافَ من المسؤوليّات الكبيرة الخاصّة بالعناية بمولود جديد. أمّا في نهاية مدّة حملها فتواجه المرأة مخاوف جديدة كألم الولادة، أو احتمال حدوث خطأ ما خلال عملية الولادة. تقول هنا كيميل: «هناك العديد من النساء اللاتي لا يستطعنَ السّيطرة على أنفسهنّ خلال الحمل، وهذا الشكّ قد يؤجّج أفكارًا مخيفة». وقد شرحت أنّ الخوف أمرٌ طبيعي، لكنّ المرأة تحتاج أنْ تدركَ متى لازمَ الخوف بالها، وإن كانت تستطيع التعامل معه أم لا.

القلق

ذكرت كيميل أنّ القلق غالبًا ما يلازم الخوف، إضافةً إلى أنّ الخوف النابع من الشّكّ الذي يصاحب الحمل يمكن أن يؤدي إلى أفكارَ مقلقة. وأوحتْ أنّ القلق إحساسٌ طبيعي يشعر به النّاس لسبب ما. وشرحت أنّه على المستوى الحيوي يتضاعف كلٌّ من نظاميّ الخوف والقلق في الدّماغ خلال فترة الحمل؛ ممّا يساعد على التأكّد من أنّ المرأة ستحافظ على سلامة طفلها وتعتني به وتحميه بعد ولادته. وقد أظهرت إحدى الدّراسات أنّ الأطفال المولودين لأمّهات قلقنَ لدرجة كبيرة خلال الحمل كانت استجابتهم المناعية للّقاحات المأخوذة في عمر السّتة أشهر ضعيفةً مقارنة بالأطفال المولودين لأمّ مسترخية. أضافت كيميل في كلامها أيضًا أنّه إن كانت المرأة قد عانت من القلق في الماضي، فإنّها ستتعرض لخطر القلق ذاته خلال حملها بسبب حدوث درجات عالية من التّوتر.

النسيان

تُوصف حالات التّشوش العقليّ وهفوات الذاكرة العرضيّة التي تسبّب إضاعة المرأة لمفاتيحها، أو تفويت مكالماتها الهاتفية بـ “ضعف دماغ الحامل” أو “دماغ الطفل”. وهذه الأعراض نفسها التي تظهر بعد الولادة تسمّى بـ “دماغ الأم”، أو “فقدان ذاكرة الأمهات”. وعلى الرّغم من الشّكوى المعتادة، فقد أظهرت دراسات فحص الذّاكرة والتغيّرات العقليّة الأخرى خلال الحمل ومرحلة الأمومة المبكّرة نتائج غير واضحة. واقترحت بعض الأبحاث أنّ النسيان والتفكير المشوّش قبل الولادة وبعدها قد يكون نتيجة تقلّبات هرمونيّة، خاصّةً بسبب ارتفاع معدّلات هرمونات البروجستيرون، أو الحرمان من النوم، أو ضغوط التكيّف مع تحوّل كبير في الحياة. قالت كيميل إنّ هناك بعض الأدلّة أنّ الحُصين -الذي هو جزء الدّماغ المشارك في الذّاكرة- قد يتغيّر خلال الحمل. وأوحتْ أنّه من المنطقيّ ألّا تذكر المرأة بعض الأشياء نظرًا لكلّ ما يحدث في جسمها وعقلها خلال الحمل، لكن من المتوقّع أن ترتّبَ الأمّ المنتظرة مولودًا أولوياتها بشكلٍ مختلف، وتبذلَ جهدًا لإنجاز عدّة أعمالٍ معًا.

البكاء المفرط

قد تجد بعض النّساء نفسها تذرف الدموع بعد مشاهدة إعلانٍ جديدٍ للحيوانات الأليفة، أو تنفجر باكيةً بعد الإقياء في مراحل الحمل المبكّرة، ويحدث أن تغيم عيناها بعد النظر لملابس طفلها. لمَّحتْ كيميل في حديثها أنّ النّساء قد يبكين ببساطة وتردّد أكثر حينما يتوقعن حملًا، وفي المراحل الأولى من أمومتهنَّ الجديدة، وهذا يحدث لأنّ الحمل يحمل بين طياته مزيجًا من المشاعر، فأحيانًا بكاؤنا كبشر هو إفصاح عن مشاعرنا. إذ إنّ تقلّبات مستويات الهرمونات يمكن أن تشارك في إحداث البكاء، أمّا إذا كانت المرأة كثيرة البكاء ولا يبدو عليها التوقف، فقد يكون هذا أحد أعراض الاكتئاب الذي يصيب حوالي 10% من النساء خلال الحمل وبعده.

مسألة شكل الجسم

تصبح نتوءات الطّفل أكثرَ بروزًا خلالَ الأشهر الستّة الأخيرة وتكتسب المرأة مزيدًا من الوزن، فتشعر بعدم الرضا عن شكل جسمها ووضوحه، وربّما يؤثر ذلك على ثقتها بنفسها. تُعجب بعض الحوامل بسرعة تغيّر أجسامها فتشعر أنهّا مشرقة ومفعمة بالحيوية، بينما تقلق أُخريات من وزنهنّ، وتحاولنَ استعادة مظهرهنّ بعد الولادة. قالت كيميل إنّ هذه التغيّرات في مظهر المرأة من شكل وجاذبية ملموسة قد تولد مزيجًا معقدًا من المشاعر. وأفادتْ أنّ وجود بعض الهموم المتعلّقة بشكل الجسم قد تعني تقبّل المرأة لحقيقة حملها وتبدّل جسمها.

غريزة الحضانة

رأت كيميل أنّ الأدلّة غير واضحة في كونِ “غريزة الحضانة” حدثًا حقيقيًا خلال الحمل. وأوضحت أنّ البحث قد أظهر وجود تغيّرات في دماغ المرأة الحامل. كما أضافت أنّ نظام المكافأة يتصاعد في الدماغ استعدادًا لقدوم الطفل، ممّا يساعد في جعل الأمومة تجربة مُرضِية.
وهناك أيضًا نشاطات وتجهيزات اجتماعية للأمومة يمكن أن تؤدّي جميعها للشّعور بغريزة الحضانة، كالاهتمام بحمّام الطفل وتصميم المنزل لأجله، وتزيين غرفة نومه. وقد تشعر بعض النّساء برغبة عارمة في الطّبخ والتّنظيف والترتيب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة كنوع من الاستعداد الذّهنيّ للتغيّرات الأساسيّة التي سيجلبها الطفل، والشّعور باستحكام أكبر للموقف.

اكتئاب ما بعدَ الولادة

اعتُقد سابقًا أنّ في الحمل وقاية من الاكتئاب، وأنّه يمنع حدوث الأمراض النفسيّة الأخرى بسبب ارتفاع مستويات هرمون الإستروجين، لكن اكتُشِف الآن أنّ الأمر مختلف. إذ تتعرض المرأة الحامل لخطر الإصابة بالاكتئاب بشكل مشابه لما تتعرض له المرأة غير الحامل. وذكرت كيميل أنّ فترة ما بعد الولادة هي فترة حرجة للمرأة تتعرض فيها للأمراض خاصّةً الاكتئاب. وقد يزداد خطر الإصابة باكتئاب ما بعدَ الولادة بسبب الانخفاض الحاد لهرمونات الإستروجين والبروجستيرون بعد الولادة، وقد يكون سببه أيضًا أنّ الأمّ الوليدة لا تحظى بالغذاء والنوم الكافيين.

تمر أكثر من 80% من النساء في الأيام القليلة الأولى بعد الولادة بحالة “الاكتئاب النّفاسي”، والتي تتضمّن شعورًا بالحزن، والقلق، والمزاجية، والبكاء، والإرباك، وصعوبة النّوم، وفقدان الشهية. عادةً ما تختفي هذه الأعراض بعد أسبوعين من الولادة. ونصحت كيميل المرأة أن تطلب المساعدة في حال وجود أعراض شديدة تجتاحها لأكثر من أسبوعين، كالشعور بتبلّد الإحساس، أو الغضب والحزن الشديدين، أو عند فقدان الاهتمام بطفلها، أو الظّنّ أنّ الحياة لا تستحق العناء، أو التّفكير بإيذاء طفلها.

واتّضح وفقًا للبحث الذي نُشر في عام 2010 في المجلة الأمريكية للطبّ النّفسيّ أنّ أدمغة النساء اللاتي يعانينَ من اكتئاب ما بعد الولادة مختلفةٌ عن أدمغة النساء السليمات.
أمّا الباحثون في المركز الطبي بجامعة بيتسبرغ فقد قارنوا النّساء اللاتي أنجبْنَ أطفالًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فظهر أنّ 14 منهنّ تعرضنَ للاكتئاب، بينما 16 منهنّ سليمات. وحين عُرضَ لكلّ امرأة صورًا لوجوه غاضبة وخائفة أثناء مراقبة الباحثين لنشاط الدّماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، كانت أعضاء الدّماغ المرتبطة بمعالجة عواطفهنّ الخاصّة وعواطف الآخرين أقلّ نشاطًا لدى النّساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة. وقال الباحثون إنّ هذا قد يفسّر لماذا تواجه الأمّهات عادةً صعوبةً في الارتباط مع موالديهنّ.

لقد حدّدت الدّراسة دارة الدّماغ التي لمْ “تضئ” في فحص الأمّهات المكتئبات حينما عُرضَ لهنّ صورًا سلبيّة، وأضاءت في فحص الأمّهات السليمات. وذكر الباحثون في دراستهم أنّ هذا المسار العصبيّ يربط منطقتين في الدّماغ هما (قشرة الفصّ الجبهيّ الظهرانيّة الإنسيّة اليساريّة المساهمة في الإدراك الاجتماعيّ، والفصّ اللوزيّ اليساريّ)، والتي يمكن أن تكونا مهمّتين لفهم الاستجابة العاطفيّة للمؤثّرات المزعجة، مثل بكاء الطفل. وذكر الباحث إيدي موسى-كولكو، وهو أستاذ في كلية الطّبّ ضمن جامعة بيتسبرغ ، في بيان قائلاً : «في حين لا تزال هذه الحالة غير مفهومة تمامًا، فإنّ دراسةً كهذه لها القدرة على توجيه تطوير علاجات أكثر فاعليّة لاكتئاب ما بعد الولادة».

وأخيرًا تُذكّر كيميل الأمّهات اللاتي ولدنَ للتوّ بأنهنّ بحاجة لإتاحة وقت للعناية بأنفسهنّ، كالاستحمام، أو الذّهاب في نزهة على الأقدام، حيث قالت: «ما يهمّ المرأة كثيرًا حين تعتني بغيرها هو أن تحرص على أن تتيح بعضًا من الوقت لتعتني بنفسها أيضًا». وأضافتْ أنّ هناك مزيجًا من العلاجات للمشاكل الطبيّة التي تعاني منها المرأة قبل الولادة وبعدها، كالاكتئاب والقلق، بما في ذلك العلاج الحديث، ومجموعات الدّعم، والأدوية الآمنة كذلك. واختتمتْ: «ما نحتاج إليه هو وجود أمّ صحيّة وسليمة تتفوّق على مخاطر استخدام الدواء».


ترجمة: مؤمنة حجازي
تدقيق: سيلڤا خزعل
المصدر