كشفت دراسات حديثة حول طريقة تفكير البشر بشأن أفراد من مجموعات بشرية أخرى حدوث التحيز بطريقة لا تخضع لتحكم الوعي أحيانًا، ويسمى الميل للشك والنفور من الأشخاص الذين نعدّهم غرباء أو مختلفين عنا «التحيز الضمني»، وقد تطور غالبًا لدى أسلافنا قديمًا عندما كانت المجموعات البشرية تتنافس ضد بعضها للحصول على الموارد الأساسية مثل الغذاء والماء. قد يؤدي هذا الميل الموروث في أدمغتنا اليوم إلى التمييز والظلم والنزاع، ما يدعو للتساؤل أيضًا عن إمكانية تغييره أو تغيير تأثيره على السلوك البشري.

نُشرَت دراسة مرجعية في مجلة Trends in Cognitive Science، وصف فيها الطبيب ألفارو باسكوال ليون وزملاؤه قدرة تقنية تنبيه الدماغ غير الباضع على كشف الأسس العصبية للتحيز الضمني، وقد اقترحوا استخدام التقنية لتقييم التداخلات السلوكية المحتملة التي تهدف إلى التقليل من التمييز وتشكيل الصور النمطية. أما عن كيفية إجراء تنبيه الدماغ غير الباضع فيُطبَّق تيار كهربائي على السطح الخارجي للجمجمة يؤثر في نشاط الخلايا الدماغية، ويستخدم علماء الأعصاب هذه التقنية لإجراء الأبحاث على المشاركين في أثناء أدائهم مهام عقلية (كحل الكلمات المتقاطعة) لتحديد إسهام منطقة دماغية محددة في النشاط.

قال باسكوال ليون: «يستطيع تنبيه الدماغ غير الباضع التأثير في النشاط الدماغي مباشرةً وتوفير أدلة قوية على ارتباط مناطق محددة من الدماغ بسلوكيات اجتماعية معينة بخلاف طرق تصوير الدماغ التقليدية. لقد طبقنا هذه التقنية في حالتنا على السلوكيات والصور النمطية الموجهة نحو مجموعات متباينة من ناحية الصفات الاجتماعية مثل العرق والإثنية. قد يؤدي تعديل النشاط الدماغي في هذه المناطق إلى نتائج متعلقة بمجتمعاتنا الحديثة التي تتصف بتنوع أكبر، فقد تتعارض فيها الولاءات الفطرية للمجموعة مع القيم الشخصية مثل تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة».

أخذ الباحثون في هذه الدراسة بعين الاعتبار دراساتٍ منشورة لباحثين أجروا اختبارًا موثوقًا لتقييم التحيز الضمني. اعتمد الاختبار على ربط المشاركين لكلمات متعلقة بالصفات الاجتماعية (مثل بدين أو نحيل) بسرعة مع كلمات توحي بالتقييم (مثل كسول أو جيد) في أثناء إجراء تنبيه الدماغ غير الباضع.

كشفت واحدة من هذه الدراسات أن تنبيه الفص الصدغي الأمامي للدماغ قلل من ربط المشاركين القائم على الصور النمطية بين كلمتي (عربي وإرهابي)، بينما قللت تجربة أخرى الربط المعرفي الضمني بين (ذكر وعلوم) وبين (أنثى والعلوم الإنسانية).

قالت مادالينا ماريني، المؤلفة الرئيسية للورقة البحثية: «تعكس المعتقدات الاجتماعية روابط راسخة في أدمغتنا، ويتطلب تغييرها تعديل العمليات الحيوية المسؤولة عنها غالبًا. لم ينتج أي من التداخلات التي صممت لتغيير المعتقدات الاجتماعية (مثل التدريب على التعاطف) آثارًا مهمة أو طويلة الأمد. توفر تقنية تنبيه الدماغ غير الباضع معلومات قد تساعدنا على فهم السلوك الاجتماعي بين المجموعات البشرية».

من جهة أخرى، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل نستطيع التأثير على آليات تشكيل الصور النمطية والتحيز الضمني في محاولة تغيير السلوك الناتج عنها؟

يعد التحيز الضمني في معظم الأحيان السبب الأول للتميز ضد المجموعات الاجتماعية (كالنساء والأقليات العرقية)، وقد كانت دراسته وفهمه وتعديل السلوك الناتج عنه هدفًا للراغبين في التعامل مع هذه المشكلات.

أجرى باتريك فورشر الأستاذ المساعد في علم النفس في جامعة أركنساس مع مجموعة من الباحثين دراسة مرجعية، وشملت 492 دراسة حول تغيير التحيز الضمني بمجموع 87418 مشارك. هدف الباحثون إلى دراسة طرق تغيير هذا التحيز، ووجدوا أن التغيير ممكن، لكن بحثت نسبة قليلة من الدراسات فقط استمرارية التغيير بمرور الزمن، أو إمكانية تأثيره في السلوك. نُشرت دراستهم في مجلة Journal of Personality & Social Psychology.

قال فورشر: «عندما يتحدث الناس عن التحيز الضمني في وسائل الإعلام يفترضون أنه بإجراء التدريب لتغييره ستبقى الآثار مدة طويلة، لكننا وجدنا أن كل الدراسات المتضمنة في دراستنا تقريبًا لم تحاول حتى تقييم التغيير بمرور الوقت».

أجرى ملايين الأشخاص المهتمين بتقييم تحيزهم الضمني اختبارات ذاتية مثل The Implicit Association Test المتاح على الإنترنت، فقد أنشأت العديد من الشركات برامجًا لمواجهة المشكلات الناتجة عن التحيز الضمني مثل التمييز القائم على الجنس في التوظيف والأجور.

أضاف فورشر: «توفر هذه الاختبارات حلًا فرديًا وسهلًا، فقد يظن الشخص الذي يجري الاختبار أن قدرته على تغيير السبب المؤدي لحصوله على النتيجة تعني أنه يحل المشكلة الأصلية».

لكن الباحثين وجدوا دليلًا ضعيفًا على إمكانية تغيير التحيز الضمني على المدى البعيد، ودليلًا أضعف حتى على حدوث تغييرات في السلوك بسبب هذا التغيير.

ختم فورشر حديثه بالقول: «لا أظن أن هذا البحث جاهز للتطبيق، وقد لا يكون للتحيز الضمني تأثير قوي على السلوك. لكن لا ينبغي استخدام هذا البحث بوضعه الحالي للتأثير في السياسات العامة».

اقرأ أيضًا:

التمييز العنصري يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية

نحن في مواجهة الاخر ، كيف يمكن للفلسفة العصبية ان تفسر سياسات التفرقة بين البشر ؟

ترجمة: حاتم نظام

تدقيق: طارق طويل

مراجعة: محمد حسان عجك

المصادر: 1 2