قد يؤدي انعدام التعاطف لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى عواقب كارثية، إذ أجرى المحامي روبرت فرانسيس تحقيقًا عن مؤسسة ميد ستافوردشاير التابعة لهيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة بين عامي 2005 و2009، وأظهر تقريره أن انعدام التعاطف تسبب بحدوث مئات حالات الوفاة التي كان يمكن تفاديها.

فضلًا عن ذلك، استهدف تحقيق أوكندن في الآونة الأخيرة الكشف عن سبب حدوث عشرات الوفيات لأمهات ورضع حدثت في مستشفيات شروزبيري وتيلفورد في المملكة المتحدة التي كان يمكن تجنبها، وبيّن التقرير أن انعدام التعاطف أدى إلى تفاقم المشكلة.

تبين دراسات أخرى في المقابل أن التعاطف لدى الأطباء قد يقلل احتمالية الموت المبكر عند المصابين بالنمط الثاني من مرض السكري.

يعد التعاطف مهارةً أساسيةً ينبغي أن يستخدمها طلبة الطب، إذ يفيد المجلس الطبي العام المسؤول عن تحديد معايير تعليم طلبة الطب وتدريبهم في المملكة المتحدة أن التعاطف جانبٌ جوهريٌ في استراتيجيتهم.

بيد أن «منهجًا خفيًا» في كليات الطب قد يقلل التعاطف لدى طلبة الطب. إذ أظهرت دراسة نُشرَت في مجلة BMC Medical Education سبب انخفاض التعاطف في أثناء التدريب الطبي وطرحت أسئلةً مهمةً حول أولويات التعليم الطبي في الوقت الراهن.

من المعروف أن التعاطف يقلل ألم المرضى ويعزز رضاهم عن الرعاية الطبية، إضافةً إلى أنه يحمي الأطباء من الإرهاق ويزيد فاعلية التكلفة، وذلك وفقًا لدراسة قارنت الاستشارات الطبية المتعاطفة والطويلة بالاستشارات الاعتيادية.

قد نظن أن التعاطف يزداد في المراحل المتقدمة من دراسة الطب نظرًا إلى أهميته، غير أن مستوياته تقل لدى طلبة الطب مع تقدمهم في التدريب.

حلل باحثون في مراجعة بحثية جديدة بياناتٍ من 16 دراسة نوعية و771 طالب طب، وتضمنت مراجعتهم كل الدراسات النوعية التي تناولت سبب تغير مستوى التعاطف خلال دراسة الطب.

وجد الباحثون أن طلبة الطب يواجهون منهجًا خفيًا غير نظامي عند انتقالهم من المرحلة الأولى من دراستهم التي تعتمد معظمها على المحاضرات إلى المرحلة الثانية التي تعتمد أغلبها على التعلم السريري والتعامل مع المرضى مباشرةً.

ينطوي ذلك المنهج على مؤثرات خفية وغير نظامية، مثل الاهتمام الزائد على النموذج الطبي البيولوجي للمرض الذي يعتبر جسم الإنسان آلة عوضًا عن النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي الذي يضع العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية في الحسبان.

فضلًا عن ذلك، تسبب الطريقة التي صُمم بها المنهج ضغطًا كبيرًا في العمل، وتعزز تأثير الأشخاص الذين يُحتذى بهم الذين قد يكونون بدورهم غير متعاطفين. يتأقلم الطلبة -الذين لا يدركون على الأرجح ما يشعره المريض- مع هذا المنهج الخفي، ويصبحون متشائمين ومنفصلين عاطفيًا وغير مبالين، ما يسبب انخفاض التعاطف.

يقر الباحثون بوجود أوجه قصور في مراجعتهم؛ نظرًا إلى أن الدراسات التي شملتها كانت صغيرة وأُجريَت معظمها في أوروبا وأمريكا الشمالية فقط، إضافةً إلى أن جودة العديد منها كانت محدودة. بيد أن وجود هذا النمط الثابت في ظروف مختلفة يستدعي بذل جهود قوية لعكس انخفاض التعاطف.

كيف يمكن إصلاح المشكلة؟

يرى الباحثون أن مراجعتهم تسلط الضوء على سبب انخفاض التعاطف، وهي بذلك تمهد السبيل نحو خطط تعليمية تعزز التعاطف لدى طلبة الطب وتضمن بقاءه.

لخص الباحثون اقتراحاتهم في النقاط التالية:

  1.  دفع طلبة الطب إلى وضع أنفسهم في محل المرضى، عبر قضاء ليلة في قسم الطوارئ مثلًا أو ارتداء بدلات محاكاة الشيخوخة، إذ قد يصبح الطلبة أكثر تعاطفًا عند تجربتهم شعور المرضى.. موازنة الاهتمام بالنموذج الطبي البيولوجي للمرض مع تعليم النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي للمرض، الذي يعد أكثر شمولًا. إذ ينبغي علينا مراعاة حقيقة أن مشكلات المرضى معقدة وذات جوانب جسدية ونفسية واجتماعية متداخلة، لذا يعد النموذج البيولوجي النفسي الاجتماعي أكثر ملاءمة لفهم مشكلاتهم ومعالجتها.
  2.  إدخال مرضى حقيقيين إلى قاعات التدريس خلال تعلم الطلاب حقائقَ عن جسم الإنسان، إذ يرى الباحثون أن دمج قصص المرضى مع حقائق الجسم يخفف حدة انتقال الطلبة من قاعة المحاضرات إلى المناوبات السريرية فيما بعد.
  3.  التدريب على التواصل الفعال والمتعاطف بأساليب مثبتة علميًا، ففي حين أن جميع كليات الطب تتضمن تدريباتٍ على مهارات التواصل، ولكن فعالية التدريب متباينة، وقد تبين أن مهارات التواصل التعاطفي فعالة، وهي تتضمن التفاؤل والتعبير عن التفهم وبعض تعابير لغة الجسد مثل الإيماء والميل إلى الأمام.
  4.  تعزيز الدعم بين الطلاب وتدريب الأشخاص الذين يعدونهم قدوةً، إذ لهؤلاء الأشخاص تأثير قوي في سلوك الطلبة، بيد أن تعبيرهم عن التعاطف متباين. يرى الباحثون أن تعاطف الأطباء الذين يتعامل معهم الطلاب سيؤدي بدوره إلى تعزيز تعاطفهم.
  5. يقول الباحثون إن تطبيق هذه الاقتراحات صعب بالنظر إلى ضغوطات المنهج الطبي المكثف، ولكنه مع ذلك أمر ممكن، إذ بدأ مركز ستوني غيت للرعاية الصحية التابع لجامعة ليسيستر بتطبيقها وتطويرها حاليًا بالفعل.

يفيد التعاطف المرضى والأطباء، ولكنه يقل مع تقدم المراحل الدراسية في كلية الطب، وبما أن الباحثين حددوا أسباب انخفاضه، فبإمكان كليات الطب الاهتمام بالجوانب التي تعززه.

اقرأ أيضًا:

التعاطف والشماتة: لماذا نشعر أحيانا بالرضا عند تضرر الآخرين؟

كيف كان تطور التعاطف سبب نهوض البشرية؟

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر