يدّعي بعض من المتحمسين لأسواق الأسهم بأنهم قادرون على التنبؤ بحركة الأسواق المالية بدقة كبيرة، ويؤكدون وجود أرباح كبيرة في متناول أيدينا، ولكن بالنظر إلى تعقيد سوق المال الدولي، فهل نأخذ بتوصياتهم ونقلد تصرفاتهم؟ هل من الممكن التنبؤ بحركة الأسواق المالية بدقة؟

يتحدث بينوا بيشار بوصفه خبيرًا في سيكولوجيا اتخاذ القرار ومختص في أبحاث التعقيد عن غوصه في عمق الإدراك البشري وقدرته على إدارة بيئة العالم الحقيقيّة المعقدة من حوله.

وفقًا للكثير من الباحثين في علم صناعة القرار فأن فهم التعقيدات وإدارتها هي أحد أعظم التحديات في عصر التكنولوجيا، ويشير مصطلح التعقيد هنا إلى طبيعة البيئات المضطربة التي نتخذ فيها قرارتنا كل يوم.

بينما تبدو معظم خياراتنا المالية بديهية وبسيطة، كادخار جزء من الدخل، ووضع خطط لميزانية المصروفات، ودفع الديون المترتبة علينا، فإن البيئة التي نتخذ فيها مثل هذه الخيارات لا يمكن التنبؤ بها.

فمعرفتنا لا تضمن لنا النجاح، والاستراتيجيات التي نتبناها غير عصية من الخطأ، وتأثير كل قرار نتخذه غير مؤكد وفريد، وهذا يفسر لنا لماذا البيئات التي نتخذ فيها قراراتنا اليومية معقدة جدًا، إذ توجد كثير من العوامل المترابطة التي تتغير باستمرار بتدخلنا أو بدونه، ناهيك بأن الأهداف التي نعتز بها غالبا ما تكون متناقضة بحد ذاتها، فكيف نستطيع مثلًا نزيد من عوائد استثماراتنا، بينما نخفض من تعرضنا لمخاطر تقلبات السوق؟

يميل الإدراك البشري عند مواجهة التعقيدات المالية إلى مقاربة الاختزال لمعالجة المعلومات، ما يسمى أحيانًا بالأنفاق المعرفية، يميل الإنسان نحو التركيز في جزء معين من المشكلة عند مواجهته مع الكثير من المعلومات الناتجة من التعقيد، وذلك بدلًا من التركيز على جميع المعلومات المتوفرة لأن الكثير من المعلومات يقتل المعلومات، وبعبارة أخرى نحن نسلك طرقًا مختصرة، وهذه الطرق المبسطة من التفكير قد تقودنا إلى قرارات متحيزة.

غالبًا ما نعزو الأداء السيء لمحفظاتنا المالية إلى حدث واحد بارز في عقولنا، نحن نؤمن أن استثماراتنا ستنمو تدريجيًا في حين أنها معرضة للتقلبات المتسارعة التي تسببها الأزمات والأحداث غير المتوقعة، ونتفاعل بصورة غير جيدة مع استثماراتنا الفاشلة بتركيز على العواقب التي قد تفسر صعوباتنا المالية، بدلًا من دراسة مطولة عن الأسباب التي جعلت الشركة التي وضعنا فيها ثقتنا العمياء (أو القطاع الذي تعمل فيه هذه الشركة) تواجه الصعوبات.

وأخيرًا نميل نحن البشر بطبيعتنا إلى وضع مسؤولية أخطائنا على عوامل خارجية خارجة عن سيطرتنا، فقد نلوم مثلًا الخسارات التي تكبدها قطاعات عمل معينة في قطاع السياحة على عوامل الجو السيئة في فصل الصيف، ولكن بفعل ذلك نتغاضى عن أهمية جودة المنتجات والخدمات التي تقدمها تلك الشركات، أو مدى رحابة موظفيها.

يشكل فهم التعقيد وإجادته تحديًا كبيرًا سواء أكنا خبراء أم مبتدئين، وهنا يأتي دور بحث بيشار في حل المسائل المعقدة.

يُظهر العديد من المتحمسين للسوق مهارة كبيرة في وضع الاستراتيجيات للاستثمار، أو إدارة المحفظات المالية أو القدرة على الوصول إلى استثمارات معينة.
ولكن، من الخطأ الافتراض أنهم قادرون على التنبؤ بحركة الأسواق المالية غير الثابتة، هذا الأمر ليس بالضرورة معرفة مالية بحتة، ولكنها طبيعة الإدراك البشري المحدود عند مواجهته مع التعقيد.

إذ يوجد كثير من التعقيد من الصعب التعامل معه عند ممارسة التعاملات الدولية، وجميعنا معرضون للتحيز والأخطاء.

كيف نتحكم في كل هذا إذن؟

مع إن التحديات كثيرة في التعقيدات المالية، فإن الأمل موجود شرط أن نعرف ماذا نفعل، فمع وجود الكثير من الدراسات التي بوسعنا أن نجريها، فإن الباحثين متفائلون بطرق محددة ساعدتنا مسبقًا في اتخاذ قرارات مدروسة.

 عليك أن تتعلم التفكير بصورة منظمة

نظم التفكير هي الطريقة التي تحافظ على الواقعية وتساعدنا على فهم بيئات العالم الحقيقي المعقدة بطريقة أفضل والعمل معها. وسواء أأردت أن تتعلم كيف تدير ميزانيتك بطريقة أفضل أو أن تستثمر بحكمة في أسواق الأسهم، عليك أن تعتاد على أن ترسم وسائل توضيحية لتحديات المالية التي تريد أن تتعامل معها.

تستخدم مخططات السبب والنتيجة رموزًا بسيطة (يظهر رمز a+ التغيير في نفس الاتجاه بين عاملين ويظهر رمز a- التغييرات المعاكسة)، وتساعدنا على توضيح نطاق المسألة بصورة سريعة بتمثيل العلاقات بين أجزاء النظام نفسه.

ولكن لا بد من التذكير أن بعض العوامل يصعب التنبؤ بها، وباختصار عليك أن تتعلم التفكير بعواقب عواقب خياراتك قبل أن تقدم على اتخاذ أي قرار.

 كن جريئًا وتحمل الشك

تعلم أن تتعامل مع الأمور التي تبدو للوهلة الأولى ليس لها حل واضح وتجعلك في موضع الشك. غالبًا ما تكون الأسواق المالية سيئة التنظيم ولا يمكن التنبؤ بها، وهو ما يخلق مشكلة عويصة.

يكون الغموض هو العرف السائد في مثل هذه البيئات. يسمح لنا احتضان الشك في تحويل المشكلات إلى فرص، بدلًا من اتخاذ قرارات متسرعة أو عدم اتخاذ أي قرار من الأساس. لا يوجد حل صحيح واحد لمشكلة مالية معقدة، عليك أن تأخذ وقتك لتقييم خياراتك.

 اختبر معتقداتك وتحيزاتك

لا تحاول أن تبحث وتفسر المعلومات المالية بناءً على افتراض تؤمن به بشدة، واجه أفكارك المسبقة باستخدام مصادر لا تستشيرها عادةً لأنها تتخذ موقف المعارض لك. ماذا سيقول صديقك أو زميلك الذي يعجبك، ولكن تختلف معه اختلافًا جوهريًا؟

 لا تثق فيما يأتي بسهولة للعقل

حضورك لمؤتمر ملهم عن الاقتصاد المستدام أو استماعك بانتباه شديد لتقرير متلفز عن أخلاقيات المالية لا يضمن لك أن المعلومات المقدمة ستساعدك على القرار الذي تحاول أن تتخذه.

فمع إن استحضار هذه المعلومات من الذاكرة سهل، فهي ليست بالضرورة ذات قيمة، ولا تبالغ في تقدير احتمالية وقوع حدث ما لمجرد أنه يمكنك تخيله بقدر كبير من التفصيل. احصل على معلوماتك من مصادر عدة وتأكد من مصداقيتها.

ماذا الآن؟

لا يمكن للمرء أن يصبح خبيرًا في أي مجال دون الحصول على الممارسة اللازمة، لذلك من الضروري أن تخوض تجربة عالم المال بنفسك. وستطور مهاراتك بالخبرة لتصبح قادرًا على فهم التعقيد بصورة أفضل. ولمساعدتك في فعل ذلك، من الأفضل طلب المساعدة من محترف مختص ليقودك خلال هذه العملية المعقدة جدًا، لكن تذكر شيئًا واحدًا: عندما يتعلق الأمر بالتعقيد، فأنت إنسان، مثلك مثل أولئك الذين يدعون أنهم قادرون على قراءة المستقبل.

اقرأ أيضًا:

ما الذي سيشعل سوق السلع عام 2024

دعوات لتطبيق ضريبة الثروة في أوروبا فهل ستنجح؟

ترجمة: عمران كاظم حسين

تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر