يُؤدي تغيّر المناخ إلى إبطاء الحزام الناقل لتيارات المحيط التي تجلب المياه الدافئة من المناطق الاستوائية إلى شمالي المحيط الأطلسي. يُلقي البحث الضوء على النتائج المترتبة على المناخ العالمي إثر انهيار ناقل تيارات المحيط الأطلسي كليًا.

وُجد أن انهيار هذا النظام، المسمّى بالتيارات التقلبية الجنوبية الأطلسية، يؤدي إلى تغّير في مناخ الأرض إلى ما يشبه حالة (لا نينيا). تعني هذه الحالة مزيدًا من السيول شرقي أستراليا، ومواسم جفاف، وحرائق أحراش في جنوب غرب الولايات المتحدة.

أدّى تغيّر المناخ إلى شحن الغلاف الجوي بهواء رطب، بينما رفعت حالة لا نينيا درجة حرارة المحيط شمالي أستراليا خلال فصل الصيف. تسبّب هذان الحدثان في أجواء تُعتبر الأعلى رطوبة على الإطلاق، وفيضانات وصلت إلى مستوى قياسي في نيوساوث ويلز وكوينزلاند.

على الجانب الآخر، سُجّل مستوى قياسي جديد حيث الجفاف، وحرائق الأحراش في الجنوب الغربي لشمالي أمريكا، شكّل هذان الحدثان ضغطًا كبيرًا على خدمات الطوارئ والزراعة. كلّفت تلك الحرائق ما يقارب 70 مليار دولار في عام 2021 وحده.

يُعد مناخ الأرض مناخًا متحركًا ومتغيرًا باستمرار، لكن النظام البيئي ككل سيتعرّض إلى عواقب لا تُحمد عقباها مع استمرار انبعاث غازات الاحتباس الحراري بلا انقطاع. تلك العواقب ستُعيد كتابة ووصف حركة المحيطات وما يترتب عليها من آثار.

ما التيارات التقلبية الجنوبية الأطلسية ؟

تشمل التيارات التقلبية اندفاع كميات هائلة من المياه الاستوائية الدافئة إلى شمال المحيط الأطلسي. تساعد هذه التيارات على اعتدال المناخ الأوروبي هناك، بينما تخفّف من حدة درجات الحرارة الزائدة في المناطق الاستوائية. تُلاحظ أيضًا تيارات تقلبية مكافئة في مياه أنتاركتيكا في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

خلال العصر الجليدي، قبل ما يقارب 120,000 سنة تقريبًا، سجّل المناخ توقفًا أو تراجعًا حادًا في التيارات التقلبية الأطلسية. ثم مع تغير مناخ الأرض ليكون أكثر دفئا، أعيد تشغيل تلك التيارات مجددا وأخذ المناخ الأوروبي في التحسّن في حقبة تُعرف بحقبة الأزمنة بين الجليدية.

التقلبات الأطلسية مستقرة إلى حد ما منذ بداية الحضارة الإنسانية من حوالي 5,000 سنة تقريبًا. لكن في العقود القليلة المنصرمة اكتشف تباطؤ في تلك التيارات، ما أثار قلقًا عند العلماء.

لماذا يحدث هذا التباطؤ؟

من العواقب الواضحة والجليّة لظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها في المناخ: ذوبان الغطاء الجليدي القضبي في جرين لاند وأنتاركتيكا.

إن ذوبان تلك الأغطية الجليدية يُخلّف وراءه كميات هائلة من المياه العذبة التي تتدفق إلى المحيط، ما يجعل المياه في المناطق القطبية أكثر قابلية لأن تطفو، ويُقلّل إمكانية تحرك المياه ذات الكثافة العالية. ذاب حوالي 5 مليار طن من الثلوج في العشرين سنة الماضية حول جرين لاند وحدها، وسيزيد معدل الذوبان هذا في العقود المقبلة إذا ما استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري بدون توقف.

أي انهيار في التيارات التقلبية في القطب الشمالي وأنتاركتيكا سيُحدث تغيرات كبيرة في شكل المحيطات ومكوّناتها. ستُصبح مياه المحيطات أكثر عُذوبة في الأعماق، وسيُستنزف الأكسجين منها، وسيُحرم سطح المحيط من المواد الغذائية المتحركة من أعماقه إلى سطحه. بالتالي فإنّ النتائج المترتبة على انهيار التيارات ستمسُّ الأنظمة البيئية البحرية بشكل ملحوظ.

مع ذوبان الجليد في جرين لاند حاليًا، يرى العلماء أن تقلبات الأطلسي في أدنى مستوياتها منذ ألف عام تقريبًا، مع توقع انهيار مستقبلي في القرون القادمة إذا ما تمّ أخذ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعين الاعتبار.

نتائج هذا التباطؤ في المناخ:

في دراستنا، عمدنا إلى دراسة شاملة من أجل معرفة ما سيؤول إليه المناخ في ظل هذا الانهيار. لقد أوقفنا التيارات التقلبية الأطلسية عن طريق تطبيق إذابة هائلة لجليد القطب الشمالي، وقارناها بنتائج أخرى حيث لا يوجد أي ذوبان للجليد.

كان تركيزنا يتعدّى نطاق أوروبا وأمريكا الشمالية إلى نظرة عامة على المناخ في المناطق البعيدة حيث أقصى الجنوب وأنتاركتيكا.

أول ما كشفت عنه هذه المحاكاة أنه من دون التقلبات الأطلسية ستتراكم كميات هائلة من الحرارة جنوبي خط الاستواء. ارتفاع الحرارة في المناطق المدارية للأطلسي يؤدي إلى دفع كميات أكثر من الهواء المشبّع ببخار الماء إلى التروبوسفير (حوالي 10 كيلومترات داخل الغلاف الجوي) ما يدفع الهواء الجاف إلى النزول فوق شرقي المحيط الهادئ. هذا الهواء النازل يُقوّي ويُعزز الرياح التجارية، التي بدورها تدفع المياه الدافئة نحو البحر الإندونيسي. هذا ما يجعل المناطق المدارية الأطلسية في حالة شبيهه بحالة لا نينيا.

قد يعتقد الأستراليون أن صيف لا نينيا بارد ورطب، لكن مع ارتفاع معدلات الحرارة على المدى الطويل، سيحدث ما هو أسوأ من أمطار كثيفة وسيول خاصةً ناحية الغرب.

علمنا أيضًا أن توقف التيارات التقلبية ستشعر بها مناطق في أقصى الجنوب حيث أنتاركتيكا، وأن زيادة الهواء الساخن فوق شرقي المحيط الهادئ سيعمل على تغيير الرياح المنتشرة حول أنتاركتيكا. سيعمّق هذا التغيير نظام الضغط الجوي المنخفض في منطقة بحر أموندسن، التي تقع غرب أنتاركتيكا. يعزّز نظام الضغط المنخفض هذا ذوبان صفائح الجليد، والجرف الجليدي، بالإضافة إلى تقلبات المحيط ومدى الجليد البحري الممتد أقصى الغرب حتى بحر روس.

نظام عالمي جديد:

لم يحدث على مر التاريخ أن أحدثت كويكبات عملاقة أو انفجار براكين قوية مثل ما أحدثه احتراق الوقود الأحفوري من تركيبات غازية أهلكت غلافنا الجوي وأثرت في المناخ.

تُعتبر المحيطات عجلة التوازن لمناخ الأرض، إذ تعمل على تخفيف وتيرة التغيير بامتصاص كميات هائلة من الحرارة والكربون. لكن من المتوقع خلال هذا القرن، أن ترتفع مستويات البحار، ويذوب الجليد، وتتباطأ التيارات التقلبية. بتنا نعرف أن هذا الإبطاء لن يؤثر فقط على منطقة شمال الأطلسي، ولكن سيشمل أستراليا وقارة أنتاركتيكا أيضًا.

يمكن تلافي حدوث هذه التغييرات بتبني اقتصاد جديد قليل الكربون. سيُحّول هذا للمرة الثانية مسار تاريخ المناخ في هذا القرن، لكن هذه المرة للأفضل.

اقرأ أيضًا:

الأمم المتحدة تُعلن ضرورة إيقاف أزمة تغير المناخ في أقرب وقت لتفادي دمار الكوكب

سقوط جرف جليدي ضخم في القارة القطبية الجنوبية قد يكون مؤشرًا على التغير المناخي

ترجمة: محمود سامي

تدقيق: فاطمة جابر

المصدر