إن مفهوم الثقوب السوداء يستحضر الرهبة في الأذهان؛ إذ تبتلع كل شيء، ولا شيء يفلت منها، ولا شيء يخرج منها أبدًا!

تتراوح دقة تلك المعتقدات بين قابل للمناقشة وخاطئ. وفقًا لـ زان فنغ ماي وران تشيو يانغ عالما الفيزياء في جامعة تيانجين في الصين، فقد حسبوا كيفية توليد الطاقة، نظريًا على الأقل، باستخدام ثقوب سوداء صغيرة جدًا.

تشير حساباتهم إلى أن هذه الأجسام فائقة الكثافة قد تعمل كبطاريات قابلة لإعادة الشحن ومفاعلات نووية موفرةً للطاقة على مقياس جيجا إلكترون فولت.

في الواقع، فإن الطاقة المستخرجة لا تأتي من داخل الثقب الأسود، بل من خارج الثقب الأسود مباشرة؛ حيث تكون أقوى تراكمات معروفة للجاذبية في الكون.

وفقًا لبعض الاعتقادات فإن الكون لديه ثقوب سوداء عدة، لكنها ليست دائما سهلة التحديد. يشير ما وجدناه إلى أن هذه الأجسام الغامضة تتراوح كتلتها من نحو خمسة أضعاف كتلة الشمس إلى عشرات المليارات من كتلة الشمس.

على الرغم من ذلك، توجد فئة أخرى من الثقوب السوداء من الناحية النظرية، وهي الثقوب السوداء البدائية، وقد تكون صغيرة جدًا من الناحية المكانية، وصولًا إلى الأحجام دون الذرية.

يُعتقد أن الثقوب السوداء البدائية تشكلت من الكثافة الزائدة في البلازما البدائية التي انتشرت في الكون بعد الانفجار الكبير؛ حيث تتكون الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية الفائقة من النوى المنهارة للنجوم الكبيرة الميتة.

لا نعلم بعد ما إذا كانت الثقوب السوداء البدائية موجودة أم لا، لكن إذا كانت موجودة، فإنها تفتح احتمالات كثيرة. أحد تلك الاحتمالات: المادة المظلمة، التي تعد الثقوب السوداء البدائية احتمالًا لافتًا للانتباه لها. لكن يبدو الآن أننا سنكون قادرين على تسخيرها بطريقة ما.

تحوِّل البطارية الطاقة غير الكهربائية إلى طاقة كهربائية، في حين يستغل المفاعل النووي قوة التفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، ويزعم ماي ويانغ أن ثقبًا أسود صغيرًا قد يُجري تلك التفاعلات نظريًا معًا.

أشار العلماء في ورقتهم البحثية إلى ما يأتي: «إضافةً إلى مراعاة حقيقة أن الثقب الأسود لديه قوة جاذبية قوية للغاية، يطرأ سؤال مثير للاهتمام: هل يمكننا استخدام القوة الجاذبية للثقوب السوداء في توليد الطاقة الكهربائية؛ أي استخدام الثقوب السوداء كبطاريات؟ نبحث في هذه الورقة نظريًا بإيجاد إمكانية استخدام الثقب الأسود شوارزشيلد كبطارية قابلة للإعادة الشحن».

توجد مشكلة الآن تتعلق بالثقوب السوداء الصغيرة جدًا، وهي إشعاع هوكينغ؛ إذ إنها الكتلة التي فقدها الثقب الأسود نتيجة للتفاعل بين أفق الحدث للثقب الأسود وحقول الكم في محيطه. كلما كان الثقب الأسود أصغر، زادت سرعة فقدان الكتلة من خلال إشعاع هوكينغ.

إذا كان الثقب الأسود صغيرًا بما فيه الكفاية، سيتبخر تمامًا بسرعة نسبيًا؛ إذ إنه من المتوقع أن يبتلع الثقب الأسود الصغير أيضًا المادة بسرعة كبيرة، ما سيجعل من الصعب استخراج أي شيء من المكان المحيط به.

عمل ماي ويانغ على في تجديد الثقب الأسود البدائي وإعادة شحنه فوق كتلة معينة بطريقة تؤدي إلى إنتاج طاقة كهربائية؛ إذ يجب أن يكون الثقب الأسود بحجم الذرة، وبكتلة تتراوح بين 1015 و1018 كيلوغرام قادرًا على إنتاج هذه الطاقة عند تجديده بجسيمات مشحونة.

وفقًا لحسابات الباحثين يمكن للثقب الأسود تحويل 25% من كتلة الإدخال إلى طاقة ما بحد أقصى؛ إذ إن نسبة الكفاءة بلغت 25%، في حين أن معظم الألواح الشمسية المتاحة تجاريًا نسبة كفاءتها أقل من 23%.

عطفًا على ما سبق، فقد حدد الفريق أيضا أن الثقب الأسود قد يحقق كفاءة مماثلة لمفاعل نووي؛ إذ أظهرت معادلاتهم أنه يمكن تحويل 25% من كتلة جسيم ألفا، الذي يتكون من تحلل إشعاعي إلى طاقة حركية في محيط الثقب الأسود البدائي.

على الرغم من أن ذلك ليس بالأمر الذي يسهل اختباره فعليًا، حتى لو كنا نعلم على وجه اليقين أنها موجودة، فإنه لا يمكننا الذهاب والتقاط ثقب أسود بدائي أو احتوائه والتحكم به. لكن التحليل يسلط الضوء على بعض الأفكار الجديرة بالاهتمام.

يقول الفريق إن نموذجهم لمفاعل الثقب الأسود يقع داخل النطاق الكتلي المقترح للمادة المظلمة، الأمر الذي يثير إمكانية جذب أحد أغرب أشكال المادة في الكون لتوليد الطاقة.

اقرأ أيضًا:

هل نشأ كوننا الحالي من ثقب أسود؟

ولادة ثقب أسود جديد تسبب حدوث انفجارات في الفضاء تعد الأكثر لمعانًا على الإطلاق

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر