اكتشف الباحثون صنفًا جديدًا بالكامل من المضادات الحيوية التي تستطيع أن تقتل الجراثيم المقاومة لمعظم الأدوية الحالية.

أثبت عقار زوسورابالبين فاعليته القوية في محاربة الجراثيم المقاومة للكاربابينيم والمعروفة باسم Acinetobacter baumannii Crab، التي صنفتها منظمة الصحة العالمية على أنها أحد العوامل الممرضة ذات الأولوية القصوى، وذلك نظرًا لانتشارها المتزايد في المستشفيات.

يقتل هذا النوع من الجراثيم نحو 60% من الأشخاص الذين يصابون به. تتمثل أعراض الإصابة به عادةً بالتهابات السبيل البولي والسبيل التنفسي ومجرى الدم، ما يؤدي إلى حدوث إنتان. يُعد هذا النوع من الجراثيم مسؤولًا عن نحو 20% من الإصابات التي تحدث في المستشفيات أو دور الرعاية الصحية.

تؤدي المضادات الحيوية دورها بعبورها للجدار الخلوي المحيط بالخلية الجرثومية الممرضة، وصولًا إلى العضيات والآليات الحيوية داخلها. تمنع المضادات الحيوية فور دخولها إلى الخلية الجرثومية هذه الآليات من استكمال عملها بطريقة ما يمنع الجرثومة من النمو أو حتى يسبب الموت الخلوي لها.

يمثل هذا النوع من الجراثيم تحديًا خاصًا، إذ يتكون جداره الخلوي من طبقة مضاعفة، وهي ميزة وجهت علماء الأحياء الدقيقة إلى تصنيفها على أنها جراثيم سلبية الغرام، ويعني ذلك أن على المضادات الحيوية اجتياز كلا الطبقتين للوصول إلى العضيات والآليات الحيوية داخل الجرثومة وقتلها لعلاج حالة العدوى.

شكّلت المضادات الحيوية المعتمدة على البنسلين استثناءً للقاعدة السابقة، إذ يتوضع هدف المضادات في جدار الخلية الجرثومية بحد ذاتها. تُعد هذه المضادات الحيوية المعروفة باسم الكاربابينيمات، من مشتقات البنسلين التي اكتُشفَت لأول مرة منذ 48 عامًا، وما تزال تؤدي عملها بالفاعلية ذاتها.

مع ذلك، خضعت تلك المضادات الحيوية إلى تعديل كيميائي مميز بهدف منع الجراثيم من التطور ومقاومة فاعليتها بنجاح. يُشكل ما سبق دورًا حيويًا هامًا في علاج العدوى مثل التي تسببها الجراثيم مثل Acinetobacter baumannii.

طورت الآفة الفائقة من النوع الجرثومي السابق المعروفة باسم Crab، قدراتها على تحطيم الكاربابينيمات، ما زاد من خطورتها وانتشارها في المستشفيات وسلط الضوء عليها أكثر.

أظهر الصنف الجديد من المضادات الحيوية الزوسورابالبين، فاعليته القوية في القضاء على فئة Crab من الجراثيم، سواء لدى الحيوانات المصابة بها أو في المخابر. اختبر الباحثون فاعلية زوسورابالبين وتأثيره في القضاء على 100 عينة من جراثيم Crab لدى المرضى المصابين بالعدوى بها.

وجد فريق البحث أن دواء زوسورابالبين تمكن من القضاء على جميع السلالات الجرثومية، بالإضافة إلى قتل الجراثيم التي تجول في المجرى الدموي للفئران المصابة بجراثيم Crab، ما ساعد على حمايتها من الإصابة بالإنتان.

تستطيع جراثيم Crab تصنيع نوع من السموم يسمى عديد السكاريد الشحمي، إذ تستعين به جزءًا من سلاحها الذي تستخدمه لإصابة الناس بواسطة اندماجها بالجدار الخارجي للخلية.

تتمثل آلية عمل المضاد الحيوي زوسورابالبين بمنع السبيل الجزيئي الذي يعمل على نقل سم عديد السكاريد الشحمي من داخل حاجز الجدار الخلوي إلى خارجه، إذ تعرف هذه الآلية باسم LptB2FGC. يسبب ذلك تراكم السموم داخل الخلية الجرثومية Crab مؤديًا إلى موتها. يمكن تشبيه الحدث السابق بأن الخلية الجرثومية تحاول سحب المسمار من قنبلتها، لكن دواء زوسورابالبين يمنعها من الانفجار.

تُعد آلية LptB2FGC مميزة لجراثيم Crab وحدها، وهو أمر له إيجابياته وسلبياته أيضًا. تتمثل السلبيات في أن المضاد الحيوي زوسورابالبين يستهدف جراثيم Crab دون غيرها من الجراثيم التي قد تكون هي السبب الكامن الفعلي وراء العدوى في الجسم، ما يعني ضرورة التشخيص الصحيح لإصابة المريض بهذا النوع من الجراثيم، لتحديد ما إذا كان إعطاء دواء زوسوربالبين هو الخيار الأمثل للعلاج.

تتمثل الإيجابية الكبرى بقلة احتمالية ظهور مقاومة حيوية ضده، وذلك نظرًا لأن مقاومة المضادات الحيوية يجب أن تطورها جراثيم Crab دون غيرها من أنواع الجراثيم، على أمل أن يزيد ما سبق من العمر الافتراضي للدواء.

قال الباحثون إنهم لاحظوا بالفعل وجود بعض الطفرات في الآلية LptB2FGC المستهدفة بالمضاد الحيوي. لكن تبين أن تأثير الطفرات السابقة اقتصر على تقليل فعالية زوسورابالبين، دون أن توقفها عن العمل بشكل تام.

تُعد هذه المرة الأولى التي أعلن فيها عن مضاد حيوي يعمل بهذه الطريقة، وهو خبر سار جدًا. يسمح ذلك لعلماء الأحياء الدقيقة باكتشاف طرق جديدة للقضاء على الجراثيم قبل أن يفتكوا بصحة الإنسان.

ما يزال المضاد الحيوي زوسورابالبين في المرحلة الأولى من التجارب السريرية لاستخدامه في علاج المرضى المصابين بجراثيم Crab. والاختبارات المبكرة التي تُجرى على المرضى تساعد الشركة التي تطور الدواء والمسماة Roche، على تحسين أية مضاعفات جانبية مرافقة للمضاد الحيوي، بالإضافة إلى تفادي السمية المحتملة له.

يجب أيضًا إثبات أن فاعلية المضاد الحيوي على البشر تماثل فاعليته على الفئران، وهو الهدف الأهم من الدراسة، ويُعد أيضًا الكشف عن ظهور أي مقاومة حيوية لدى المرضى المشاركين بالتجربة أمرًا ضروريًا.

ما يزال الوقت مبكرًا للحكم على فاعلية المضاد الحيوي، إضافة إلى أن معدل فشل تطويره عال.
مع ذلك، تتصاعد جهود الباحثين حتى تتطلع إلى هذا التحدي. يقدم الاكتشاف السابق فرصًا قيمة إلى ميدان العلم بتمهيده طريقًا مهمًا حيويًا للقضاء على العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.

اقرأ أيضًا:

يمكن أن تظهر مقاومة المضادات الحيوية في الأمعاء حتى من دون استخدام المضادات الحيوية!

مقاومة المضادات الحيوية أصبحت واقعًا، وهكذا علينا مواجهتها

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: نور حمود

المصدر