تستضيف باريس قمة (ميثاق التمويل العالمي الجديد) في قصر برونيار، في يومي 22 و23 يونيو. إذ يجتمع رؤساء الدول والمنظمات الدولية وممثلو المجتمع المدني لمناقشة سبل تعزيز التضامن تجاه الدول النامية (العالم الثالث)، وأيضًا المساهمة في جدول الأعمال الدولي للتنمية وتمويل المناخ، بعد أشهر قليلة من قمة المناخ للأمم المتحدة (COP27)، والتي تركت ردّات فعلٍ متفاوتة.

تأتي القمة في الوقت الذي قُوضت فيه هوامش الميزانية والقدرة على تحمل الديون في عدد من البلدان بسبب سلسلة من الأزمات مثل الأوبئة، والحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وما إلى ذلك.

باتت التنمية منخفضة الكربون، فضلًا عن التكيف مع زيادة الاضطراب المناخي، أمورًا ملحةً أكثر من أي وقت مضى، ويتعين على العديد من الدول النامية أن تتعامل مع عدد متزايد باستمرار من المخاطر الطبيعية، في وقت يتسم الوضع العام بضعف اجتماعي واقتصادي حاد.

ومع ذلك، فإن الأوضاع المالية في الدول النامية تختلف فيما بينها، فبعضها (مثل سريلانكا وغانا وسورينام)، لديها بالفعل ديون عامة لا يمكن تحملها وتحتاج إلى إعادة هيكلة، بينما ما يزال بإمكان الآخرين الوصول إلى النقد دون المساس باستدامتهم، مثل مصر.

كشفت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي (IMF) في عام 2022 على 128 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل عن وجود علاقة قوية بين التعرض لمخاطر المناخ والقدرة المحدودة في الميزانية. لقد اعتادت أزمة المناخ وأزمة الميزانية على تغذية بعضهما البعض فالتعامل مع الأزمة يضع ضغطاً على المالية العامة، وهناك حاجة إلى تمويل جديد للتكيف مع تغير المناخ.

إن تحمل المزيد من الديون يعني ديونًا بتكاليف أعلى. لذلك فإن الدول النامية معرضة لخطر الدخول في حلقة مفرغة.

إعادة هيكلة الديون تزداد تعقيدًا

بالإضافة إلى إعادة الهيكلة المخصصة للبلدان التي تواجه قيودًا معينة، أُطلقت العديد من مبادرات إعادة هيكلة الديون أو تعليقها في عام 2000 استجابةً لحالات الديون الأكثر انتشارًا. ومن الأمثلة البارزة مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)، التي أنشأها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1996، والمبادرة المتعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون (MDRI) لعام 2005.

وتهدف هذه المبادرات إلى إلغاء جزء من الدين العام مقابل الالتزام بأن المبالغ المحررة ستذهب نحو الأهداف الإنمائية للمستفيدين، في مجالات مثل الصحة والتعليم والحد من الفقر.

خلال جائحة كورونا (COVID-19)، تبنت دول مجموعة العشرين (G20) أيضًا مبادرة تعليق الديون (DSI)، والتي تهدف إلى تعليق سداد ديون 73 من أفقر دول العالم.

وبالحديث عن مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC) ومبادرة تعليق الديون (DSI)، أيضًا هناك نادي باريس (CDP)، والذي يتألف من مجموعة غير رسمية من 22 دائناً ثنائياً، معظمهم من البلدان المتقدمة، ويعمل النادي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لوضع قواعد لإعادة التفاوض بشأن الدين العام الخارجي للبلدان المثقلة بالديون. ومع ذلك، لم يعد دائنو النادي CDP أهم اللاعبين، فقد تضاءلوا أمام الدائنين الثنائيين (الجدد) غير الأعضاء، مثل الصين والهند.

وبعيداً عن الحديث عن قدرة الميزانية، فإن هيكل الدين العام للدول النامية هو الذي تغير تدريجياً. فعن طريق مضاعفة ديون الدول النامية خلال العقد الماضي، فتحت ديون الدول النامية أيضًا أمام دائنين جدد من القطاع الخاص والدول الناشئة مثل الصين والهند وروسيا وتركيا ودول الشرق الأوسط. وهكذا أصبحت عملية إعادة الهيكلة أكثر تعقيدًا.

واستجابة لهذا السياق الدولي الجديد، أنشأت دول مجموعة العشرين (إطارًا مشتركًا لمعالجة الديون)، مما يمكّن البلدان المؤهلة لمبادرة تطوير الديون من طلب إعادة هيكلة ديونها في حالة استمرار عجز التمويل. هذه الهيئة الجديدة تمهد الطريق لتنسيق أفضل بين الدائنين الثنائيين الأعضاء وغير الأعضاء في نادي باريس (CDP).

ومع ذلك، كان للجهد العالمي الرامي لإعادة هيكلة الديون تأثير ضئيل حتى الآن على قضايا المناخ.

الدول النامية الضعيفة وحاجتها الملحة

الأدوات المالية المبتكرة للجمع بين التمويل وتغير المناخ آخذة في الازدياد. عادت مقايضات الديون مقابل المناخ إلى دائرة الضوء في السنوات الأخيرة، مع التركيز ليس فقط على مكافحة الاحتباس الحراري، ولكن أيضًا على حماية الطبيعة. والفكرة في مثل هذه المبادلات هي أن تتعهد حكومة الدولة المدينة بإنفاق ما يعادل الدين الملغى على مشاريع مكافحة تغير المناخ، في ظل شروط متفق عليها بين الدائنين والدولة المدينة. يدافع عدد متزايد من مجموعات البحث ومجموعات المجتمع المدني، وبدرجة أقل المؤسسات الدولية، عن حلول مماثلة لمكافحة تغير المناخ والدين العام المتزايد.

أدت الصدمات العالمية الأخيرة إلى إجماع معين على أن النظام المالي الدولي ربما لم يعد مؤهلًا للتعامل مع التحديات العالمية الحالية، فلا يتأثر الكثيرون بالجهود المبذولة لتمويل إزالة الكربون من الاقتصاد والتكيف مع المناخ. ونتيجة لذلك، دعت عدة دول إلى إصلاح هذا الهيكل المالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2021، لا سيما من خلال المطالبة بربط إعادة هيكلة الديون بأهداف المناخ.

تردد صدى هذه الدعوة في قمة المناخ للأمم المتحدة (COP26) في غلاسكو في نوفمبر 2021، ولا سيما من قبل دول V20 (مجموعة العشرين الضعيفة).

تضم المجموعة الآن 58 دولة، وتمثل 5 ٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ومع ذلك فهي في الطرف المتلقي لتغير المناخ. وتدعوا المجموعة إلى تخفيف عبء الدين على نحو واسع وسريع.

قدم رئيس وزراء بربادوس أجندة بريدجتاون لإصلاح الهيكل المالي العالمي، بهدف توجيه الأموال العالمية نحو التنمية منخفضة الكربون والمقاومة للمناخ، بطريقة من شأنها أيضًا معالجة الديون السيادية لدى الدول النامية.

التعقيد في تزايد!

في نهاية الاجتماع السنوي السادس والسبعين للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر 2022، عرضت مجموعة الدول السبع، التي انضمت إليها أستراليا وهولندا وسويسرا، مقترحاتها لإصلاح البنك الدولي.

يشير الكثير إلى أن عام 2023 سيكون عام إصلاح تمويل التنمية، إذ من المقرر أن تنعكس العديد من الأحداث على هذه القضايا.

كانت الدعوات لإصلاح الإطار العالمي موجودة منذ عولمة الأسواق المالية، ومع ذلك، لا توجد مؤسسة واحدة مسؤولة عن الحركات المالية العالمية. المؤسسات، سواء الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، إلخ) والإقليمية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المفوضية الأوروبية، بنك التسويات الدولية، إلخ) عديدة، في حين أن القطاع الخاص آخذ في التوسع.

إلى جانب النقاش حول الدور الذي يجب أن تلعبه هذه المؤسسات وما إذا كان من المفيد إدخال معايير وضوابط دولية أم لا، سيكون من الحكمة أن نأخذ في الاعتبار أن أي مبادرة جديدة لتمويل التنمية ستظل عرضة للتغييرات في الهيكل المالي الدولي، والذي سيبقى إلى الأبد يخضع للتفاوض والتنظيم. ويتمثل التحدي أيضاً في ضمان ألا يؤدي إدخال أدوات جديدة إلى زيادة تعقيد إدارة ديون الدول النامية في الوقت التي هي غارقة به أساسًا.

اقرأ أيضًا:

ما هي اتفاقية سقف الدين الأمريكي الجديدة

هل نحن على أعتاب نموذج إنتاجي ثوري جديد؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر