ماذا لو غيرت المنتجات المصممة حول العالم طريقة علمنا واستهلاكنا وإنتاجنا تغييرًا جذريًا؟ تظهر أمثلة عديدة حول العالم أنه يمكن تحسين طريقة إنتاجنا واستهلاكنا للبضائع بالاعتماد على موارد رقمية يمكن مشاركتها حول العالم، مثل التصميم والمعرفة والبرمجيات، تعد هذه الفكرة أساس نموذج إنتاجي جديد.

تخيل تصميم يد صناعية من قبل علماء ومصممين من مناطق مختلفة حول العالم يتعاونون عن طريق الإنترنت، وأن تُنشر جميع المعلومات والبرمجيات المتعلقة بهذه اليد على الإنترنت، سيصبح بإمكان أي شخص حول العالم يمتلك المقدرة على التصنيع المحلي (مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد وآلات CNC وسواها) أن يصنع بمساعدة خبير يدًا مناسبة له، لا داعٍ لأن تتخيل، فهذا بالضبط مشروع شركة أوبن بايونيكس التي تنتج التصاميم للروبوتات والأعضاء الآلية.

تكمن أهمية هذا النموذج الإنتاجي في عدم إلزام المستفيد بدفع تكاليف متعلقة ببراءات الاختراع، وبقلة تكاليف نقل المواد اللازمة بما أن معظم التصنيع يتم محليًّا، وبأن الصيانة تصبح أسهل في هذه الحالة وأن المنتجات مصممة لكي تدوم لأطول فترة ممكنة، ما يجعل مجمل التكاليف أقل بكثير من الحالة التقليدية.

على سبيل المثال أيضًا، يحتاج أصحاب المزارع الصغيرة في فرنسا إلى آلات تخدمهم في أعمالهم الزراعية، ونادرًا ما تصنع الشركات الكبيرة آلات تستخدم في المساحات الصغيرة، وفي حال صنعت تلك الآلات ستكون تكاليف صيانتها باهظة وسيُفرض على المزارعين تكييف أساليبهم الزراعية لكي تتناسب مع تلك الآلات، فقد لا تكون التكنولوجيا مرنة.

لذلك قرر المزارعون تصميم الآلات الزراعية بأنفسهم وإنتاج آلات لتلبية احتياجاتهم وعدم بيعها في الأسواق، ويشاركون تصاميمهم مع العالم على أنها مشاع رقمي عالمي.

يتشارك صغار المزارعين في الولايات المتحدة الاحتياجات مع نظرائهم في فرنسا ويلجؤون إلى الحل ذاته، وبعد فترة من الزمن بدأ الطرفان بالتواصل والتعاون.

القصة السابقة هي قصة شبكة فارمهاك-FarmHack غير الربحية الأمريكية وجمعية لاتيليير بايزان-L’Atelier Paysan التعاونية اللتان تنتجان تصاميم مفتوحة المصدر للآلات الزراعية.

بعد استكشافنا ملامح نموذج إنتاجي جديد مبني على الدمج بين المشاعات الرقمية في مجالات المعرفة والبرمجة والتصميم مع تكنولوجيا التصنيع المحلي، أطلقنا على هذا النموذج اسم «التصميم الخارجي والتصنيع المحلي»، ونرى أنه قد يؤدي إلى أساليب مستدامة وشاملة في الإنتاج والاستهلاك، ويعتمد على جعل ما يسهل نقله (المعرفة والتصاميم) عالميًّا والإبقاء على ما يصعب نقله (المقدرات الصناعية) محليًّا، على أن يتم دمج ومشاركة النقطتين بنحو مثالي.

تنخفض درجة انتقال الماديات حول العالم في حال تشارك المعرفة ويتعاون الناس إثر حوافز متنوعة، لا يغيب حافز الربح عن هذه الفكرة ولكنه هامشي مقارنةً بغيره.

يمكن استخدام المصادر المفتوحة اللامركزية للتصاميم في مجالات متنوعة، مثل الأدوية والأثاث والأعضاء الصناعية والأدوات الزراعية والآلات الصناعية والكثير من المجالات الأخرى، وعلى سبيل المثال، ينتج مشروع ويكيهاوس-Wikihouse تصاميم للمنازل، وينتج مجتمع ريبراب-RepRap التصاميم للطابعات ثلاثية الأبعاد، ولا تحتاج المشاريع من هذا النوع إلى مقرات مادية بما أن المشاركين فيها منتشرون حول العالم.

الاستدامة في هذا النموذج الإنتاجي

أما فيما يتعلق بتمويل هذه المشاريع، فيمكن تمويلها حكوميًّا (مثل منح الأبحاث) والتبرعات الشخصية (التمويل الجماعي) أو الاتفاق مع مؤسسات وشركات كبيرة، ومن الجدير بالذكر أن إجراء المشاريع الموجهة للعموم وفق نماذج أعمال متعددة يكون للحفاظ على الاستدامة.

تتصف مجتمعات التصاميم المرتبطة حول العالم بأنها لا تستخدم أسلوب التقادم المقصود، وبإمكانها تكييف الأدوات التي تصممها لتلائم الاستخدام المحلي وتستفيد من التعلم المشترك.

وفق هذا السياق، يمكن مثلًا لأهالي المناطق الجبلية في الإكوادور التواصل مع المزارعين في جبال نيبال لتبادل الخبرات وإيقاف أية محاولة احتكار للمعرفة تقوم بها الشركات متعددة الجنسيات.

ما الرابط بين «المحلية العالمية» والنموذج الإنتاجي الجديد؟

أحد منابع فكرة المحلية العالمية هو الجدل القائم حول المواطنة العالمية (أو الكوزموبوليتانية) التي تقضي بأن المعايير الأخلاقية موحدة لدى جميع البشر، ولو كانت الدول تعامل الناس باختلاف.

تكمن المشكلة في معاملة النظام الاقتصادي السائد للموارد المادية وكأنها غير محدودة، وللموارد الفكرية وكأنها محدودة، ولكن الحقيقة هي العكس تمامًا، فنحن نعيش في عالم محدود الموارد المادية ويمكن فيه إعادة إنتاج الموارد غير المادية ومشاركتها رقميًّا بتكاليف لا تكاد تذكر.

لا يقارن الأثر البيئي لنقل الإلكترونات حول العالم بالضرر الناجم عن نقل الفحم والحديد والبلاستيك والمواد الأخرى، وعلى الصعيد المحلي، يمكن القول إن التحدي يكمن في تطوير أنظمة اقتصادية يمكنها الاعتماد على سلاسل التوريد المحلية.

تخيل أزمة ماء شديدة لدرجة أن أحد المدن ستنفذ من الماء في غضون عام واحد فقط، تعني الاستراتيجية المحلية العالمية في هذه الحالة أن الشبكات الموزعة عالميًّا ستعمل على حل هذه الأزمة.

بدأت على أرض الواقع مشاريع وفق هذا التوجه، مثل شبكة في كيب تاون اسمها ستوب ريسيت غو-STOP RESET GO تهدف إلى إدارة منصة محلية عالمية للتصميم حيث يمكن للناس التعاون والعمل بنحو مكثف لحل المشكلات الطارئة، وانطلق فريق هذه الشبكة بتجاربهم من التحديات التي يعيشونها، وكان عليهم إجراء التعديلات على حلولهم لكي تنجح الفكرة عالميًّا، وتوثيق ما يفعلون ونشر النسخة المعدلة من التصميم لكي تكون مفتوحة المصدر، وهكذا يصبح بإمكان سكان أي منطقة في العالم الحصول على التصميم الجديد وتعديله لكي يناسب ما يريدون.

أوجه القصور والأبحاث المستقبلية

يمكن القول إن أحد أوجه القصور لهذا النموذج الإنتاجي يكمن في ركيزتيه الأساسيتين، أي المعلومات والتواصل بالإضافة إلى تكنولوجيا التصنيع المحلي، أي ارتباطه بمشكلات متعلقة باستخراج الموارد واستغلال العمال واستخدام الطاقة أو تدفق المواد.

يجب أن يكون منظور البيئة السياسية محور التقييم الشامل للمنتجات والأساليب التي تطبق هذا النموذج الإنتاجي لكي يكون تقييمنا سليمًا، فما الأثر البيئي لمنتج صُمم عالميًّا وصُنع محليًّا؟ وإلى أية درجة سيشعر مستخدمو هذا المنتج بإحاطتهم بالتكنولوجيا والمعرفة اللازمة لاستخدامه والتعديل فيه؟

اقرأ أيضًا:

ما المقصود بإعادة جدولة الدين؟

ما إدارة المنتج؟ مسؤوليات المدير حسب الصناعة

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: لبنى حمزة

المصدر