حصلت سيريلانكا على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي في مارس وسط زيادة التضخم والدين، وإثر التخلف عن سداد ديون سيادية.

مقابل حصولها على 3 مليار دولار (2.4 مليار جنيه استرليني)، تعهدت الحكومة بخفض الإنفاق والشروع في إصلاحات نقدية وجبائية. حالت هذه الإصلاحات دون تعافي الأجور في سريلانكا، التي انخفضت قيمتها إلى النصف تقريبًا خلال الأزمة المالية الأخيرة، ما أدى إلى احتجاجات في شوارع كولومبو.

لم يكن لهذه الإجراءات نفس الأثر على جميع المواطنين في سريلانكا، إذ تُظهر الأدلة المستجدة أن الحكومة، بقيادة «رانيل ويكريمسينغه» الذي ينتمي إلى الأغلبية السنهالية البوذية، قد ألقت بالأعباء الاقتصادية بالدرجة الأولى على كاهل الأقليات العرقية، وهي الفئة الأفقر في سريلانكا، وهي داعمة للمعارضة عادةً.

سعت الحكومة إلى حماية النخب البوذية السنهالية أساسًا بتجنبها لفرض ضرائب على الثروة وزيادتها لضرائب الشركات بنسبة ضئيلة. حمّلت الحكومة الأشخاص ذوي الدخل المنخفض أعباء سياسة التقشف بمضاعفة الضريبة على القيمة المضافة لتصل إلى نسبة 15%.

ضاعفت الحكومة أيضًا من الضريبة المدفوعة على عوائد صناديق التقاعد، ما أثر سلبًا في الأقليات العرقية؛ لأنها غالبًا ما تجني مبالغ قليلة لا تمكّنها من دفع ضرائب على الدخل.

للأسف، هذه التجربة ليست إلا جزءًا من نموذج معمول به حول العالم. صدر كتاب حديثًا بعنوان «قروض صندوق النقد الدولي: التعنت، والعقوبات، والاحتجاج» يُظهر كيفية إلقاء الحكومة بأعباء التعديلات الاقتصادية على المساندين للمعارضة، في حين يحمون أنصارهم، أو بعبارة أخرى، توظف الحكومات برامج صندوق النقد الدولي لمكاسب سياسية.

برامج صندوق النقد الدولي والأبحاث السابقة:

ذكر الباحثون سابقًا أن برامج إعادة الهيكلة التي يفرضها صندوق النقد الدولي تفيد بعض الناس وتضر آخرين، لكن هذا التفاوت دائمًا يتعلق بقطاعات مختلفة من الاقتصاد. اتضح مثلًا أن البرامج التي تهدف إلى تعزيز الصادرات تفصل المزارعين وأصحاب المشاريع على موظفي الدولة من الطبقة الوسطى الساكنين في المدن مثل موظفي الخدمة المدنية.

تظهر مشكلة المقارنة القطاعية البحتة على نحو بارز عندما ننظر إلى تجربة المواطنين. تضمنت شريحة من البيانات التي استعملها الباحثون في بحثهم تسع بلدان إفريقية، وأظهرت أن ثلاثة من ضمن عشرة موظفين خدمة مدنية يعتقدون أن إصلاحات صندوق النقد الدولي جعلت حياتهم أفضل، في حين أبدت عينة مماثلة أنها لم تلحظ تغييرًا يُذكر.

باعتراف الجميع، سُجلت هذه البيانات بين 1999-2001، بما أن الاستطلاعات الحديثة التي استعملناها لم تطرح هذا السؤال، غير أنها تثير نقطة مهمة: إذا كانت إصلاحات صندوق النقد الدولي سيئة كليًا للخدمة العامة، فلماذا يتحمس الكثير من الموظفين لنتائجها؟ يُرجّح أن تكون السياسة هي القطعة الناقصة من الأحجية.

تُظهر السجلات الأكاديمية المُفصلة أن الحكومات غالبًا ما تستغل حريتها في التصرف لتقحم الحسابات السياسية في قروض التنمية، إذ وجدت دراسة جديدة أن المشاريع الممولة من الصين غالبًا ما تُنجز في مسقط رأس الزعيم السياسي الحاكم آنذاك.

أما قروض صندوق النقد الدولي، فكثيرًا ما يُفترض أنها تحد من الخيارات السياسية للحكومات المقترضة، غير أن ذلك غاية في التبسيط. بطبيعة الحال، لدى المقترضين حرية أقل في علاقتهم بالسياسات الاقتصادية، لكن يظل لهم هامش واسع من حرية التصرف في كيفية تنفيذ شروط القرض. تُعد هذه الدراسة الأولى التي تقدّر استعمالهم لهذه الحرية في التصرف وتبحث في النتائج بشأن الاحتجاجات في البلدان المعنية بالأمر.

لقد جمعت هذه الدراسة بيانات استطلاعات الرأي في أكثر من 100 بلد من أربعة مصادر مُستعملة بكثافة: «أفروبارومتر»، «أيجان بارومتر»، «لاتينو بارومترو»، «رابطة استطلاع القيم العالمية». تغطي البيانات مدة زمنية تمتد على 40 عامًا وتنتهي في أواخر العشرية الفارطة، مع اختلاف أزمنة البيانات من منطقة إلى أخرى.

في البداية، تحقق الباحثون من التجارب المختلفة لأنصار المعارضة ومساندي السلطة مع الإصلاحات. بطبيعة الحال، كانت تجربة الفئة الأولى سلبية أكثر.

لقد شكّ الباحثون أن سبب ذلك هو نزعة هؤلاء الأشخاص لنقد حكوماتهم بصفة عامة، لذلك قارنوا بين البلدان التي مرت ببرنامج إعادة هيكلة في وقت قريب ببلدان أخرى لم يحدث فيها ذلك، ووجدوا أن مشاعر الاستياء بين أنصار المعارضة أشد بكثير في الدول المقترضة.

التأثير في الحركات الاحتجاجية:

لقد توقع الباحثون أن هذا التعامل غير المتكافئ سيزيد من فرص اندلاع الاحتجاجات، خاصةً عندما يحرض عليها السياسيون في المعارضة، وتؤيد نتائج الاستطلاعات ذلك بشدة.

في إفريقيا، كان الأشخاص الذين ذكروا أن حالتهم ساءت بسبب برامج الإصلاح الهيكلي أكثر عرضةً للمشاركة في الاحتجاجات، خاصةً إذا مر البلد مؤخرًا بتجربة موجعة مع برنامج صندوق النقد الدولي.

مرة أخرى، سُجّلت هذه البيانات بين 1999-2001 . مع ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي الأخرى أن أنصار المعارضة أكثر ميلًا للاحتجاج، خصوصًا خلال الأوقات التي تكثر فيها الضغوطات لإجراء تعديل.

ما العمل؟

عادةً ما يرجع الخبراء تزايد التفاوت الاقتصادي المُنجر عن برامج صندوق النقد الدولي إلى شروط القرض، غير أن خيارات الحكومات وسياساتها تُعمق على نحو واضح من هذه الآثار. كيف يمكن تحسين هذه الوضعية؟ قد يضع صندوق النقد الدولي للبلدان المقترضة شروطًا تُنفذ بطريقة غير منحازة لطرف أو لآخر، لكنه على الأرجح سيمتنع بحجة أن لديه تفويضًا يمنعه من مراعاة السياسات الداخلية. على الأرجح، سوف يكون تطبيق هذه الشروط صعبًا ويستنزف الكثير من الوقت.

قد يكون البديل هو تعديل صندوق النقد الدولي لمطالبه من البلدان المقترضة. سيخفف هذا العبء على أنصار المعارضة. قد يُحذر الاقتصاديون أن هذا التمشي سيشجع الدول لكي تكون أقل مسئولية مع المالية. على كل حال، يُفترض أن يجعل ذلك برامج التعديل التي يطرحهاالصندوق أكثر قابلية للإنجاز، ما سيزيد من الصلابة الاقتصادية للبلدان المُقترضة في المستقبل. سيحول ذلك أيضًا دون حدوث ردود فعل في الأسواق المالية تُعادي البلدان التي تُخل بشروط القرض.

من الطرق الأخرى الممكنة إفساح المجال للمعارضة والمجتمع المدني للمشاركة في مفاوضات خطط الإنقاذ الاقتصادية. سيضمن هذا أن للجميع نصيبًا من خطة الإنقاذ، وقد يجعل استغلال الشروط من أجل مكاسب سياسية أصعب للحكومات الحالية.

اقرأ أيضًا:

ثلاث أولويات طرحها صندوق النقد الدولي لانتعاش الاقتصاد من جديد

هل يستطيع صندوق النقد الدولي حل المشاكل الاقتصادية العالمية؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر