تعدُّ الأشعة السينية وأشعة غاما مُسببات معروفة للسرطان لدى الإنسان. وتأتي أدلَّةُ تَسَبُّبُها السرطان من مصادر مختلفة، ومنها الدراسات التي أُجريت على الناجين من القنابل الذرية في اليابان، وعلى الأشخاص الذين تعرضوا للإشعاع خلال حادث تشيرنوبل، وعلى الذين يتلقون جرعات عالية من الإشعاع لعلاج السرطان، إضافةً إلى الأشخاص المُعرضين لمستويات عالية من الإشعاع في العمل، مثل عمال مناجم اليورانيوم.

تبحث معظم الدراسات التي تتعلق بالإشعاع ومخاطر الإصابة بالسرطان حالات الأشخاص المتعرضين لجرعاتٍ عالية من الإشعاع ضمن هذه البيئات. وبحسب معظم الدراسات، لم يربط بين زيادة احتمال الإصابة بالسرطان مع التعرض المنخفض للأشعة.

فمثلًا، يتعرّض الأشخاص الذين يعيشون في مناطق عالية الارتفاع إلى كمية أكبر من الإشعاع الطبيعي الكوني مقارنةً بالأشخاص الذين يعيشون على مستوى سطح البحر، ونع ذلك معدلات السرطان ليست مرتفعة لديهم.

لكن معظم العلماء يتفقون على أنَّ التعرض للأشعة السينية وأشعة غاما لجرعات صغيرة، يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، وقد تكون هذه الزيادة ضئيلة جدًا لكنها موجودة. وعمومًا، كلما كانت جرعة التعرض أقل قلّ خطر الإصابة بالسرطان. ولكن لا يوجد شيء مضمون يُظنُّ أنها آمن.

ماذا تُظهر الدراسات؟

الناجين من القنابل الذرية:

تستند الكثير من الدراسات المتعلقة بزيادة خطر الإصابة بالسرطانات الناجمة عن الإشعاع، على وضع الناجين من القنابل الذرية في ناغازاكي وهيروشيما.

بحسب الدراسات، كان لدى هؤلاء الناجين فرصة للإصابة ببعض أنواع السرطانات بنسبة أعلى من غيرها (ليس كلها).

صُنفت هذه السرطانات بحسب زيادة خطر الإصابة فيها من الأعلى إلى الأدنى:

  •  معظم أنواع سرطان الدم (باستثناء السرطان اللمفاوي المزمن).
  •  ورم نقوي متعدد.
  •  سرطان الغدة الدرقية.
  •  سرطان المثانة.
  •  سرطان الثدي.
  •  سرطان الرئة.
  •  سرطان المبيض.
  •  سرطان القولون (ليس سرطان المستقيم).
  •  سرطان المريء.
  •  سرطان المعدة.
  •  سرطان الكبد.
  •  اللمفوما.
  •  سرطان الجلد (باستثناء الميلانوما).

معظم هذه الأنواع من السرطانات تبين أن خطر الإصابة بها كان أعلى للذين تعرضوا للإشعاع وهم أطفال، وكان أقل مع زيادة عمر الأشخاص عند التعرض.

كان للأشخاص الذين تعرضوا للإشعاع في أثناء وجودهم في الرحم خطر أقل من الأشخاص الذين تعرضوا للإشعاع خلال فترة الطفولة.

استغرق تطور هذه الأنواع من السرطانات سنوات، ولكن بعض السرطانات ظهرت في وقت أقرب من غيرها.

وبدأت حالات الوفاة بسبب سرطان الدم المزمن في الارتفاع بعد 2 إلى 3 سنوات من التعرض، وقد استغرق تطور الأورام الصلبة وقتًا أطول، فبدأت حالات الوفاة بسبب سرطان الرئة في الظهور بعد 20 سنة تقريبًا من التعرض.

الناجين من حادث تشيرنوبل:

الأطفال والمراهقين الذين كانوا يعيشون بالقرب من محطة تشيرنوبيل في أثناء وقوع الحادث كان لديهم خطر متزايد للإصابة بسرطان الغدة الدرقية، لأنه مرتبط بالتعرض لليود المشع، ولم يرصد زيادة في خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية لدى البالغين الذين يعيشون في المنطقة.

كان لدى العمال الذين شاركوا في أعمال التنظيف منذ عام 1986 إلى عام 1990 خطر كبير للإصابة بسرطان الدم (جميع أنواعه)، لأن لديهم تعرضهم للإشعاع أعلى وأطول من الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من المحطة.

المتعرضين لاختبارات الأسلحة النووية:

تشير الدراسات إلى أنّ بعض الأشخاص ممن كانوا أطفالًا وقت تعرضهم لاختبارات الأسلحة النووية التي أُجريت في الهواء الطلق، قد يتطور لديهم سرطان الغدة الدرقية نتيجةً لتعرضهم لليود المشع الموجود في الحليب.

المتعرضين للعلاج الإشعاعي:

 لعلاج الحالات الحميدة:

يُستخدم العلاج الإشعاعي الآن لعلاج السرطان، ولكن في الماضي قبل أن تتوضح مخاطر التعرض للإشعاع، كان العلاج الشعاعي يُستخدم لتدبير بعض الأمراض الحميدة (غير السرطانية).

ساعدت الدراسات التي أُجريت على الأشخاص الذين تعرضوا للإشعاع لمعالجة هذه الحالات الحميدة، في فهم كيفية تأثيره في خطورة الإصابة بالسرطان.

أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين:

  •  استخدام الأشعة في علاج القرحة الهضمية وزيادة فرصة الإصابة بسرطانات المعدة والبنكرياس.
  •  استخدام الأشعة لعلاج السعفة في فروة الرأس (تنشأ عن عدوى فطرية) وزيادة فرصة الإصابة بسرطانات الخلايا القاعدية للجلد.
  •  حقن الراديوم المشع لعلاج التهاب الفقار المقسط (يعد مرض مناعة ذاتي) مع زيادة فرص الإصابة بسرطان الدم، وساركوما العظام، وأنواع أخرى من السرطانات.
  •  استخدام الأشعة لعلاج بعض الحالات الحميدة في الرأس والعنق، مع زيادة فرص الإصابة بسرطانات الغدة اللعابية، وأورام الدماغ والحبل الشوكي، وسرطان الغدة الدرقية.

لعلاج السرطان:

أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة تربط بين التعرض للأشعة من أجل علاج السرطان، مع زيادة فرص الإصابة بسرطان الدم، وسرطان الغدة الدرقية، وسرطان الثدي المبكر، وبعض أنواع السرطانات الأخرى في وقت آخر من العمر.

تعتمد زيادة خطر التعرض على عدة عوامل، وهي:

  •  جرعة الإشعاع.
  •  جزء الجسم الذي يخضع للعلاج.
  •  عمر الشخص (الأشخاص الأصغر سنًا يكونون أكثر عرضة للخطر).
  •  استخدام علاجات أخرى، مثل العلاج الكيميائي بالتزامن معه، أو قربه.

توجد عوامل أخرى قد تؤدي دورًا في زيادة احتمالية تطور السرطان عند الأشخاص المعرضين للإشعاع. فمثلًا، بعض الحالات الجينية تجعل خلايا الأشخاص أكثر عرضة للضرر الإشعاعي، ما قد يزيد من خطر تعرضهم للأشعة أكثر من الأشخاص الذين لا يحملون هذه الاختلافات الجينية.

إذا تطور السرطان بعد العلاج الشعاعي، فإنه لا يحدث على الفور، إذ تتطور مثلًا معظم حالات سرطان الدم بعد 5 إلى 9 سنوات تقريبًا من التعرض.

بالنسبة لمعظم أنواع السرطانات الأخرى، فلا تظهر إلا لمدة تزيد عن 10 سنوات بعد العلاج الإشعاعي، وقد تشخص بعضها بعد مرور أكثر من 15 سنة.

عند النظر بضرورة معالجة السرطان شعاعيًّا، فإن الفوائد تفوق مخاطر التعرض لهذه للأشعة، فالعلاج الإشعاعي وحده لا يُعد سببًا قويًا للإصابة بسرطانات أخرى.

يركز أطباء الأشعة على خلايا السرطان قدر الإمكان، ويقللون من تعرض الخلايا العادية المجاورة للإشعاع، ويبذلون قصارى جهدهم لضمان تدمير الخلايا السرطانية من دون تطور سرطان ثاني فيما بعد.

اختبارات التصوير الطبي:

قدرت بعض الدراسات مدى خطر التعرض للأشعة الناتجة عن اختبارات التصوير الطبي، وذلك استنادًا إلى الدراسات المتعلقة بالتعرض لكميات مماثلة من الإشعاع لدى الناجين من القنبلة الذرية.

استنادًا إلى هذه الدراسات، تقدر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، أنّ التعرض لـ 10 ميلي سيفرت (mSv) من اختبارات التصوير الطبية يزيد من خطر الوفاة بالسرطان بنسبة واحد لكل 2000 حالة.

من الصعب دراسة خطر الإصابة بالسرطان من اختبارات التصوير الطبي التي تستخدم الأشعة. فمن أجل العثور على زيادة صغيرة في نسبة الخطر (1 لكل 2000 شخص)، يجب أن تكون الدراسة على عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص، ويجب أيضًا جمع معلومات عن العوامل الأخرى التي قد تزيد فرصة الإصابة به لكل شخص، وذلك لضمان أن أي زيادة فيه تأتي من التعرض للإشعاع وليس من شيء آخر، ونظرًا لأن السرطانات التي تسببها الأشعة تستغرق سنوات كثيرة لتظهر، يجب متابعة هذه الدراسة لعقود.

لذلك غالبًا ما يستخدم العلماء أنواعًا أخرى من الدراسات التي يستطيعون إجراءها بسرعة أكبر وتتطلب موارد أقل.

أشارت الدراسات، أنّ النساء اللواتي صُوِّروا عدة مرات باستخدام الفلوروسكوبي (عندما كانوا مراهقات أو شابات) من أجل علاج السل، ازداد لديهم خطر الإصابة بسرطان الثدي بعد عدة سنوات.

وقد لوحظ أيضًا وجود زيادة في خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى المراهقات والشابات اللواتي خضعن لصور أشعة سينية على العمود الفقري لمراقبة انحرافه.

وتبيّن أن الأشخاص الذين يعانون من الورم السحائي (هو ورم في المخ يكون أغلب الأحيان حميدًا) يجرون الكثير من أنواع صور الأشعة السينية الخاصة بالأسنان سنويًا.

أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة تربط بين زيادة التعرض للأشعة الناتجة عن فحوصات التصوير المقطعي المحوسب عند الأطفال، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الدم وأورام المخ، مع إن الخطر العام ما يزال منخفضًا.

اقرأ أيضًا:

هل تؤذي الأشعة السينية الأم الحامل أو الجنين؟

تصوير الصدر بالأشعة السينية

ترجمة: قيثارة درويش

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر