يُقال عادةً إن المال لا يستطيع شراء ما يحبه الإنسان، ولكن هل يستطيع شراء الوقت؟ هذا ما يأمل الملياردير الأمريكي بريان جونسون اكتشافه في أبحاث العمر البيولوجي.

ينفق جونسون البالغ من العمر خمسة وأربعين عامًا الملايين كل سنة لمحاولة عكس عملية التقدم بالعمر واستعادة جسده عندما كان يبلغ ثمانية عشر عامًا، ولتحقيق ذلك التزم جونسون بنظام غذائي قاسٍ وبرنامج تدريبي، ويتناول جونسون مكملات كثيرة ويجري اختبارات دورية لتحليل أداء أعضائه وعملها، وقد جرّب أيضًا بعض الإجراءات الجديدة لتجديد شباب جسده، كحقن جسده ببلازما دم مأخوذة من ابنه البالغ سبعة عشر عامًا.

ولم يكن طلب جونسون وحده الذي حظي بالاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ جعل كثيرًا من الناس يتساءلون إلى أي مدى يستطيع تحقيق الهدف النهائي: هل يمكن للجسم أن يكون أصغر من عمره الحقيقي؟

توجد طريقتان غير مترابطتان لحساب العمر، تعتمد الطريقة الأولى على العمر الزمني وهي الأسهل للفهم فهي ببساطة حساب المدة التي بقي فيها الإنسان على قيد الحياة، وأفضل تقدير لحساب العمر بهذه الطريقة هو التاريخ والوقت على شهادة الميلاد.

توجد طرائق مختلفة لتقدير العمر الزمني في بعض الحالات التي تكون فيها الوثائق قليلة، مثل حالات الطب الشرعي أو الآثار. وبوسعنا القول إن أفضل طريقة لتقدير العمر البيولوجي هي التحقق من الأسنان، وبالتحديد الخطوط الملاطية السنوية التي تنمو كالحلقات على الشجر، إلى جانب التغيرات في العاج الذي يوجد أسفل الميناء ويدعم بنية السن.

كيفية حساب العمر الحقيقي

يعكس العمر البيولوجي الزيادة التي تزيد فرص الموت والإصابة بالمرض للكائن الحي مع مرور الوقت، ويعني ذلك معدل خسارة الجسم لقدرته على أداء الوظائف.

ومع إن معظم الأحياء تتقدم بالعمر، فإن بعض الأنواع النادرة تبدو وكأنها لا تكبر، مثل إحدى محارات المحيط المعروفة باسم محار كواهوج، وتملك هذه الكائنات معدل وفيات منخفض والبعض منها قديمة قدم القرن السادس عشر.

لا يفقد الشخص وظائف الأعضاء بمعدلات ثابتة مع تقدمه بالعمر، إذ تنخفض القدرة الوظيفية للأعضاء بسرعات مختلفة ما يجعل الشخص يملك عمرًا بيولوجيًا أكبر أو أصغر من العمر الزمني الحقيقي، ومثال ذلك عداء ماراثون أمريكي يبلغ سبعين عامًا، كسر الرقم القياسي سنة 2018 لفئته العمرية مقارنةً مع أقرانه الذين في صحة دقيقة أو رعاية طويلة الأمد، ويظهر ذلك أنه قد يختلف العمر البيولوجي للشخص عن عمره الزمني الحقيقي.

توجد طرق مختلفة لتقدير العمر البيولوجي وأفضل الطرق وأبسطها في حسابه هي استخدام الأعين.

يظهر البحث أنه بالإمكان تقدير العمر البيولوجي بالنظر إلى شخص ما فقط، وتُعد طريقة جيدة توازي طرقًا معقدة تستخدم في قياس العمر البيولوجي.

وجدت دراسة أخرى أن التدخين والبدانة والحالة الصحية السيئة عوامل تجعل الشخص أكبر سنًا لعمره البيولوجي مقارنًة مع أقرانه المماثلين له بالعمر الزمني الحقيقي، وتزيد هذه العوامل بالفعل من العمر البيولوجي، ما يظهر الدقة في التقدير من النظر إلى الشخص.

طريقة أخرى بسيطة ولكن جيدة في تقدير العمر البيولوجي هي قياس قوة قبضة الشخص التي تميل للتناقص مع التقدم بالعمر بسبب خسارة الكتلة العضلية.

وقد تؤثر عوامل أخرى في تقدير العمر البيولوجي مثل المرض والبدانة وقلة الرشاقة.

تشير قوة القبضة المنخفضة إلى أن العمر البيولوجي في الغالب أكبر من العمر الزمني الحقيقي.

وتتضمن الطرق الأخرى الأكثر تعقيدًا والمستخدمة في تقدير العمر البيولوجي اختبار وظائف الأعضاء المتعددة والبحث عن الالتهاب العقيم الذي يقيس عدد الجزيئات الالتهابية الموجودة في الجسم، فالكمية الأكبر تعني أخبارًا غير جيدة.

بالوسع أيضًا البحث عن التغيرات الجينية في تسلسلات الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين DNA وحساب طول نهايات الصبغيات وحساب عدد الخلايا الهرمة التي يملكها الشخص لقياس عمره البيولوجي، ولكن تقدم الطريقتان الأخيرتان تقديرًا تقريبيًا فقط للعمر البيولوجي.

البقاء شابًا

أفضل طريقة للعودة بالزمن وقلب عملية التقدم بالعمر هي التركيز على نوعية الحياة التي يعيشها الشخص، فأداء التمارين المنتظمة والإقلاع عن التدخين والشرب باعتدال ومراقبة الوزن وتناول الكثير من الخضار والفواكه كلها أشياء بسيطة تحدث تغيرًا كبيرًا في العمر البيولوجي، إذ يوجد اختلاف نحو خمسة عشر عامًا في الحياة المتوقعة بين شخصٍ يلتزم بأربعة أو خمسة من تلك الأمور المفيدة وشخص لا يلتزم بشيءٍ منها.

ويوجد أيضًا علاجات قيد التطوير تستطيع عكس التقدم بالعمر بسرعة وبفعالية إذا تُرجمت من الفئران إلى البشر، فمثلًا وجد العلماء أن تراكم الخلايا الكهلة في الأنسجة يُعد سببًا أوليًا للتقدم بالعمر عند الفئران، ونتج عن إزالتها تحسنًا في الصحة ومدة الحياة.

وقارنت هذه الدراسات بين تأثير إزالة الخلايا الكهلة خلال حياة الحيوان مع السماح لها بالتراكم ثم إزالتها من الجسم عندما يصبح الفأر بالغًا، وحسّنت كلا الطريقتين الصحة ومدة الحياة للفئران، ويمكن وصف هذه الأخيرة بعملية عكس التقدم بالعمر.

تحاول كثير من الدراسات الحالية مضاعفة هذه التأثيرات في البشر بينما تُدرَس عدة تقنيات أخرى لتحسين صحة الإنسان في السنوات المتأخرة من عمره، فالنجاح في هذا المجال قد يُخفض التكاليف الصحية كثيرًا ويحسّن الطريقة التي يقضي بها الإنسان سنواته الأخيرة.

وتعد محاولات جونسون لعكس عملية التقدم بالسن مزيجًا من الأمل والواقعية، ولكن يبدو أن تحقيق هدفه بعيد الأمد في البقاء على قيد الحياة حتى عمر المئتين أمرًا لا يملك الكثير من الأمل.

اقرأ أيضًا:

هل نحن مدينون لكبار السن بإطالة عمر الإنسان الحالي؟

قد لا يكون طول العمر بسبب جيناتك !

ترجمة: ميلاد أبو الجدايل

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر