قد يُفسر الشعر المجعد كيف ظل البشر الأوائل محتفظين ببرودة أجسادهم بتقليل حاجة الجسم إلى التعرق ما يؤدي إلى بقاء الجسم باردًا.

وفقًا للباحثين الذين درسوا دور قوام الشعر في تنظيم درجة حرارة الجسم، أشاروا إلى أن النتائج قد تسلط الضوء على التكيف التطوري الذي مكّن الدماغ البشري من النمو للأحجام الحالية في العصر الحديث.

صرحت نينا جابلونسكي، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة إيفان بوغ في ولاية بنسلفانيا: «لقد تطور البشر في أفريقيا الاستوائية؛ حيث تكون الشمس مسلطة على رؤوسهم أطول مدة خلال اليوم وعامًا بعد عام؛ إذ تتلقى فروة الرأس مستويات ثابتة ومرتفعة من الإشعاع الشمسي المتمثل بالحرارة، لذلك أردنا فهم تأثير ذلك في تطور شعر البشر، ووجدنا أن الشعر المجعد ساعد الناس بالفعل على بقاء أجسامهم باردة ومحتفظة بالرطوبة».

استخدم الباحثون دميةً حراريةً على هيئة إنسان تستخدم الطاقة الكهربائية لمحاكاة حرارة جسم الإنسان لدراسة كيفية تأثر جلد الإنسان بالبيئة المحيطة به وانتقالها إليه، واستعملوا أيضًا شعرًا مستعارًا مجعدًا مصنوعًا من شعر الإنسان لتفسير تأثير قوام الشعر المتنوع في اكتساب الحرارة من الإشعاع الشمسي.

برمج العلماء الدمية على درجة حرارة ثابتة تبلغ 35 درجة مئوية مماثلة لمتوسط درجة حرارة جلد الإنسان ووضعوها في مجرى رياح محكوم بالمناخ.

سجل الفريق القياسات الأساسية للحرارة المفقودة بمراقبة كمية الكهرباء التي تحتاجها الدمية للحفاظ على درجة حرارة ثابتة، من ثم سلطوا المصابيح على رأسها لمحاكاة الإشعاع الشمسي على فروة الرأس بحالاتها الأربع: من دون شعر، وشعر أملس، وشعر متوسط التجعد، وشعر شديد التجعد.

أوضح جورج هافينيث مدير مركز أبحاث البيئة في جامعة لوفبرا في المملكة المتحدة الذي قاد التجارب على الدمية، أن العلماء حسبوا الفرق في إجمالي فقد الحرارة بين قياسات المصباح والقياسات الأساسية لتحديد تدفق إشعاع الشمس على الرأس، إضافة إلى حساب فرق الحرارة حين تكون سرعة الرياح مختلفة بعد ترطيب فروة الرأس لمحاكاة التعرق؛ إذ أجروا نتائجهم بواسطة دمية لمعرفة تأثير قوام الشعر المتنوّع في اكتساب الحرارة عند درجة حرارة تبلغ 30 درجة مئوية ورطوبة نسبية تبلغ 60% مثل طبيعة البيئة في أفريقيا الاستوائية.

وفقًا للنتائج التي توصل إليها العلماء في أبحاثهم التي نُشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في 6 يونيو المنصرم، فقد لاحظوا أن كل أنواع الشعر تقلل من تأثير الإشعاع الشمسي في فروة الرأس، لكن الشعر المجعد هو الأفضل في الحماية من حرارة الشمس، ما يقلل حاجة الجسم إلى التعرق ليبقى باردًا.

قالت تينا لاسيزي التي أجرت الدراسة جزءًا من أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في ولاية بنسلفانيا: «يعد المشي باستقامة أساسًا صحيًا، ويُعزى نمو الدماغ إلى فروة الرأس».

أوضحت لاسيزي أن تطور طريقة مشي البشر الأوائل في أفريقيا الاستوائية باستقامة زاد من تعرضهم لخطر أشعة الشمس على نحو متزايد، فالدماغ حساس للحرارة، وكلما زاد حجم الدماغ زادت الحرارة التي يولّدها؛ وقد تسبب الحرارة الزائدة إصابات خطرة في الدماغ مثل الإصابة بضربة شمس.

نظرًا إلى أن البشر فقدوا كثيرًا من شعر أجسامهم، فقد طوروا غددًا عرقية فعالة في الحفاظ على برودة أجسامهم، لكن زيادة التعرق يسبب فقدان الماء والشوارد؛ إذ إنه من المحتمل أن يكون شعر الرأس قد تطور إلى شعر مجعد بوصفه وسيلة لتقليل كمية الحرارة المكتسبة من الإشعاع الشمسي، وبالتالي الحفاظ على برودة جسم الإنسان دون أن يضطر الجسم إلى تبديد موارد إضافية.

وأضافت لاسيزي أيضا: «قبل مليوني سنة كان للإنسان منتصب القامة (هومو إريكتوس) بنيتنا الجسدية الحالية ذاتها لكن بدماغ أصغر. وقبل مليون سنة كان حجم الدماغ البشري يماثل حجم الدماغ في العصر الحديث، يزيد أو ينقص، لكن شيئًا ما حرر قيودًا جسدية سمحت لأدمغتنا بالنمو. ونعتقد أن لفروة الرأس والشعر المجعد آلية غير مباشرة على نمو الدماغ من خلال تقليل كمية الحرارة المكتسبة من الإشعاع الشمسي وهذا ما لم تستطع الغدد العرقية فعله».

أوضحت جابلونسكي أن البحث متعدد التخصصات قد وفر نتائج أولية مهمة تحسن فهمنا لكيفية تطور شعر الإنسان من دون تعريض البشر لحالات خطرة.
تظهر الدراسة أن علماء الأنثروبولوجيا التطورية لديهم أداة إضافية في الدمية الحرارية لقياس البيانات البشرية التي يصعب التقاطها.

أكدت لاسيزي على أن البحث الذي أُجري على لون البشرة وكيف يحمينا الميلانين من أشعة الشمس قد يؤثر في قرارات الشخص المتعلقة بكمية واقي الشمس اللازمة لوضعها في بيئات معينة. وتعتقد أن اتخاذ قرار مماثل قد يكون مجديًا أيضًا فيما يتعلق بتسريحة الشعر، فعندما نفكر في العساكر أو الرياضيين الذين يمارسون الرياضة في بيئات مختلفة فإن النتائج تجعلنا نفكر مليًا في تسريحة الشعر المُثلى للشخص؟ وهل الشعر المجعد أكثر حماية من الحرارة؟

اقرأ أيضًا:

لماذا فقد الإنسان شعر جسمه على عكس باقي الثدييات؟

لماذا فقد الإنسان الحديث الفرو الذي كسا أسلافه؟

ترجمة: سمر مقصود

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر