مرت الصين بسنوات قليلة زاخرة في استكشاف الفضاء، وطموحاتها ستكبر. أصدرت وكالة الفضاء الوطنية الصينية مخططًا عامًّا لخططها المستقبلية خلال السنوات الخمس القادمة، ومما تتضمنه إطلاق مركبة روبوتية إلى كويكب، وبناء تلسكوب فضائي ينافس تلسكوب هابل، وتأسيس (كاشف الموجات) الفضائي.

خُطط لتلك المهام على ورقة فارغة، وحملت الخطط اسم: (برنامج الفضاء الصيني: نظرة 2021)، وصدرت الخطة في يناير 2022. تندرج تلك الخطط تحت محاولة الصين في التوسع في مجالات العلوم في العمق بدلًا من الاقتصار على تطوير التكنولوجيا وتطبيقاتها، ويقول عالم الفضاء شوانغ نان تشانغ بالمعهد العالي للفيزياء في بكين: «هذه علامة جيدة جدًا، وتوسع استثماري في استكشاف الكون».

زيارة كويكب

تهدف الصين إلى إطلاق مسابر كويكبات لأخذ عينة من كويكبات قريبة من الأرض، وتدرس المذنبات الثلجية التي تمتلك مدارات تشبه الكويكبات. على الأغلب أن المهمة ستحمل اسم «تشينغهي» تيمنًا بمستكشف صيني من سلالة مينغ، وستكون الأولى من نوعها، ومن المفترض أن تبدأ قريبًا بحلول 2024. ستتابع المهمة ما حققته مهمة اليابان الكويكبية الناجحة التي حملت اسم هايابوسا، وكذلك مهمة ناسا أوزيريس-ريكس التي يفترض بها أن تعيد الصخور الفضائية إلى كوكب الأرض السنة المقبلة.

ستحلق مهمة تشينغهي في الفضاء مدة 10 أعوام، وستهبط أولًا على كويكب معروف باسم HO3 (أو Kamo‘oalewa) الذي يدور حول الأرض مثل قمر صناعي أو (كصخرة أليفة). يأمل العلماء أن تمدهم تلك الدراسة بحالات النظام الشمسي الأولى. ستثبت مهمة تشينغهي نفسها على كويكب أولًا قبل أن تكبر العينات وفقًا لنيتشر في العام الماضي. ستعود المهمة إلى الأرض في 2026 لتلقي ما حملته على الأرض بالمظلة. وبعد ذلك ستعود المركبة مرةً أخرى لتدور حول الأرض والمريخ وتسافر إلى المذنب 311P/PANSTARRS في عمق الفضاء.

بناء قاعدة قمرية

لم تكتفِ الصين بإعادة العينات القمرية الأولى إلى الأرض منذ سبعينيات القرن الماضي، ولكنها وافقت على 3 بعثات أخرى إلى القمر في ديسمبر 2021، وكلها تركز على القطب الجنوبي للقمر بهدف بناء قاعدة قمرية هناك.

من المفترض أن تنطلق المركبة الفضائية Chang’e-7 في 2024، وستعمل على استطلاع مفصّل عن القطب الجنوبي للقمر، ليتضمن رسم خرائط للتوزيع الجليدي في الحفر المظلمة. بعد ذلك ستأتي مركبة Chang’e-6 إلى البعثة بهدف إعادة عينات التربة القطبية. يعد الجليد كنزًا دفينًا للعلماء لأنه يمكنهم من دراسة تاريخ القمر، إضافةً إلى إمكانية استخدامه كوقود للصواريخ وتزويد القواعد القمرية أيضًا.

سيبدأ العمل أيضًا على مركبة Chang’e-8 التي ستنطلق عام 2030 على أقرب تقدير؛ وسيختبر هذا التقنيات الأساسية لمحطة أبحاث دولية مأهولة وفقًا للمخططات لتركيز محور برنامج الصين القمري بعد عام 2025. وحسب نائب مدير إدارة الفضاء الوطنية الصينية CNSA وو يان هوا، ستوقع الصين وروسيا اتفاقية دولية حكومية بهدف بناء قاعدة بحثية في أقرب وقت ممكن من هذا العام.

وأضاف أيضًا أن الصين تريد أن توسع نطاق التعاون الدولي وتعميقه، ويتضمن هذا استكشاف القمر في محطة الفضاء الصينية تيانجونج التي تعد قيد الإنشاء، إضافةً إلى استكشاف الكواكب الأخرى.

المريخ وما وراءه

بدأت الصين وثبتها الأولى في استكشاف الفضاء وكواكبه باستخدام مركبة تيان وين-1 التي أسقطت على المريخ مركبة هبوط تحتوي على مركبة زورونغ في مايو 2021. وسترسل الصين مركبة إلى المريخ لأخذ عينات من الصخور وإعادتها إلى الأرض. من الممكن أن تنطلق هذه المهمة في 2028.

في 2021، جمعت المركبة المتجولة التابعة لناسا صخور المريخ وتأمل وكالة الفضاء إعادتها إلى الأرض كجزء من مهمة مشتركة مع وكالة الفضاء الأوروبية ESA التي ستنطلق في 2026.

وأيضًا تقترح المخططات أن الصين ستذهب بعيدًا عن النظام الشمسي. ستشهد السنوات الخمس الأولى اكتمال مهمة أساسية لاستكشاف المريخ والنظام القمري المليء بالمحيطات. وتشير التقارير الصحفية إلى أن هذه المهمة قد تبدأ في وقت مبكر من 2029، ما يعني بدوره أنها ستنضم إلى مهمة JUICE التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية وبعثته التابعة لناسا، ومن المفترض أن تنطلق المهمة خلال عامي 2023 و2024. ويقول تشانغ :«يعد عمق الفضاء مكانًا ترى فيه الصين الكثير من الفرص للإنجازات العلمية بكل تأكيد».

وقد حددت الصين رؤيتها لاستكشاف حدود النظام الشمسي، لكن ما زال تأكيد وكالات التمويل الصينية لهذه المهمة أو مهمة المشتري قيد الانتظار، يقول عالم الفضاء تشان هو، من المراصد الفلكية الوطنية في بكين: «إن ذكر هذا بالخطة أمر مفيد بالتأكيد».

تلسكوب هابل الجديد

تخطط الصين أيضًا لإطلاق تلسكوب جديد يسمى شينتيان، ويعني هذا الاسم (المسح الشامل للسماء). وسيمتلك هذا التلسكوب أطوالًا موجية للتصوير بالأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء والضوء المرئي، مثل التي يمتلكها تلسكوب هابل الخاص بناسا.

لن يكون التلسكوب الصيني الجديد بنفس جودة تلسكوب هابل، وحتى أنه سيكون أصغر منه حجمًا، ولكن في المستقبل من المتوقع أن يلتقط صورًا للسماء أكبر ب 300 مرة من هابل، ما سيمكّنه من فحص مساحات أكبر بكثير للكون مما يفحصه هابل.

سُتخصص السنوات العشر الأولى لفهم تاريخ الكون وتطوره وذلك بمسح شامل للسماء. ومن المقرر أن يلتحم التلسكوب الجديد بمحطة الفضاء الصينية- تيانغونغ، لكي تزوده بالوقود. يقول زيان إنه من المفترض أن يسلم الفريق التلسكوب بحلول 2023، وسيكون جاهزًا للانطلاق في 2024، وأكد أن الجدول الزمني ضيق جدًا.

تحديد موجات الجاذبية في الفضاء

تخطط الصين أيضًا إلى تطوير خطط لإطلاق كاشف موجات الجاذبية الفضائي المسمى تايجي في أوائل 2030. وإذا أُطلق حينها فسيكون الأول من نوعه.

وستقابل مهمة مثل هذه موجات بترددات منخفضة عن تلك التي ترصدها الكواشف الموجودة في الأرض مثل كاشف ليغو المتقدم، ما سيسمح لذلك الكاشف الجديد برصد الثقوب السوداء ذات الكتل العملاقة، ومنها الثقوب السوداء التي وُجدت في بدايات الكون.

المشكلة أن اكتشاف الموجات سيكون أمرًا معقدًا لأنه سيعني اكتشاف التحولات الحادثة من رتبة ترليون جزء من المتر في المسافات بين ثلاث مركبات فضائية تشكل مثلثًا تبعد عن بعضها مسافة 3 مليون كيلومتر.

في 2019 أُطلق قمر صناعي أولي باسم تايجي 1 وأكمل مهمته بنجاح، ويأمل الباحثون الآن بإطلاق مهمة ذات قمرين صناعيين في 2024- 2025 لكي يختبروا التقنيات الضرورية، ما سيزيل كل العوائق التقنية لمهمة تايجي الكبيرة وفقًا للفيزيائي يو ليانغ وو من الجامعة الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين.

منذ فترة طويلة ووكالة الفضاء الأوروبية تخطط لإطلاق راصد الموجات ليسا LISA الخاص بها، وقد أنجزت بفضله إحدى المهمات الناجحة بالفعل، ولكن من غير المقرر له إطلاق ليسا حتى 2037. وعندها، يمكن للشبكتين أن تقيسا معًا -بدقة أكبر بكثير من الكواشف الموجودة في الأرض- ثابت هابل المُستخدم لوصف التوسع الحادث في الكون، وهذا وفقًا للباحثين الذين عملوا على هذه المهمة.

اقرأ أيضًا:

برنامج الفضاء الصيني

التلسكوب الصيني الضخم المصمم لرصد الحياة في الفضاء يجتاز مرحلة الاختبار

ترجمة: أحمد صفوت

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر