في أوائل ستينيات القرن العشرين، خريج جامعة ميشيغان، الباحث مارشال نيرنبرغ وثُلّة من علماء آخرين فكوا سر الشفرة الجينية للحياة؛ إذ حددوا طريقة عمل الحمض النووي وكيفية ترجمته إلى بروتينات تُمثّل المحرك الرئيسي للخلايا الحية.

وضّح نيرنبرغ أن تسلسل الحمض النووي يتكوّن من أحرف؛ كل مجموعة من ثلاثة أحرف تكوّن وحدة تسمى الكودون-codon التي بدورها تحدد الحمض الأميني، من بين عشرين حمضًا أمينيًا آخر، يُترجم هذا الحمض الأميني لاحقًا إلى بروتين. حاز نيرنبرغ فيما بعد على جائزة نوبل سنة 1968، بفضل هذا الاكتشاف مع باحثين آخرين.

تحدث بين الحين والآخر، أخطاء على مستوى حرف واحد في الشفرة الجينية، تُعرف باسم الطفرات النقطية- point mutation. تسمّى الطفرات النقطية طفرات غير مترادفة إذا غيّرت تسلسل البروتين المترجم، بينما تسمّى الطفرات التي لا تُغيّر تسلسل البروتين الطفرات الصامتة أو الطفرات المترادفة.

تمثّل الطفرات الصامتة من ربع إلى ثلث الطفرات النقطية في تسلسل الحمض النووي. منذ أن تم فك الشفرة الجينية، والعلماء ماضون في فرضية أن هذه الطفرات محايدة. لكن حسب دراسة نُشرت في الثامن من شهر يونيو في مجلة Nature، تضمّنت تلاعبًا جينيًا في خلايا الخميرة داخل المختبر. أوضح علماء أحياء من جامعة ميتشيغان، أن معظم الطفرات المترادفة ضارة للغاية.

يعتقد واضعو الدراسة أن اكتشافهم، إن تمّ تأكيده على جينات أخرى وعلى كائنات حية عدة، سيكون له تأثير كبير على دراسة آلية الأمراض البشرية، وعدد الأحياء وحفظهم، وعلم الأحياء التطوري.

يقول الأستاذ الجامعي في قسم الإيكولوجيا وعلم الأحياء التطوري والزميل السابق لنيرنبرغ، جورج تشانغ: «نظرًا لأن العديد من الاستنتاجات البيولوجية تعتمد على افتراض أن الطفرات المترادفة محايدة، فإن إثبات عكس ذلك سيكون له تأثير هام. على سبيل المثال، تُتجاهل الطفرات المترادفة في دراسة الطفرات المسببة للأمراض، لكنها قد تكون آلية شائعة ومُستهانًا بها».

في العقد الماضي، أشارت الأدلة التاريخية إلى أن بعض الطفرات المترادفة غير محايدة. عندها أراد الأستاذ تشانغ وزملاؤه معرفة ما إذا كانت مثل هذه الحالات هي الاستثناء أم القاعدة.

للإجابة عن هذا التساؤل اختار فريق البحث دراسة الخميرة الناشئة Saccharomyces cerevisiae ذلك لأن وقت تكوّنها قصير (حوالي 80 دقيقة) وصغيرة الحجم، ما يسمح لهم بقياس عدد كبير من الطفرات المترادفة بسرعة ودقة وشكل ملائم.

استخدم الباحثون طريقة كريسبر/كاس9 – CRISPR/Cas9 لبناء أكثر من ثمانية آلاف سلالة من الخميرة، تحمل كل منها إمّا طفرة مترادفة، أو طفرة غير مترادفة أو طفرة غير قابلة للترجمة في واحد من 21 جينًا استهدفها الباحثون.

ثم حددوا “لياقة” كل سلالة متحوّلة بقياس سرعة تكاثرها بالنسبة إلى السلالة غير المتحولة.

تشير اللياقة الداروينية – Darwinian fitness ببساطة إلى عدد النسل الذي يمتلكه الفرد. في هذه الحالة، أظهر قياس معدلات التكاثر لسلالات الخميرة ما إذا كانت الطفرات مفيدة أم ضارة أم محايدة.

وجد الباحثون أن 75.9٪ من الطّفرات المترادفة كانت ضارة بوضوح، بينما كانت 1.3٪ فقط مفيدة.

قال الطالب والواضع الرئيسي للدراسة، تشيكانغ شان: «لقد تبين أن الدراسات السابقة للطفرات المترادفة غير المحايدة هي قمة جبل الجليد فقط. لقد قمنا بدراسة الآليات التي تؤثر من خلالها الطفرات المترادفة على اللياقة الداروينية. وجدنا أن أحد الأسباب هو أن الطفرات المترادفة وغير المترادفة تغيران مستوى التعبير الجيني، وهو ما يؤثر على اللياقة».

أكّد الأستاذ تشانغ أن الباحثين كانوا على معرفة سابقة، بناءً على التقارير التاريخية، أن بعض الطفرات المترادفة من المحتمل أن تكون غير محايدة. قال: «لكننا صُدمنا بالعدد الكبير لهذه الطفرات. تشير نتائجنا إلى أن الطفرات المترادفة لها نفس أهمية الطفرات غير المترادفة في التسبب بالأمراض. لذلك ندعو إلى تعزيز الجهود من أجل تنبؤ وتحديد الطفرات المترادفة المسببة للأمراض».

اعترف الباحثون أنهم بحاجة لتأكيد هذا الاكتشاف لدى الكائنات الحية المتنوعة للتحقق من عمومية النتائج التي توصلوا إليها.

اقرأ أيضًا:

الطفرات الجينية، أسبابها وآليات حدوثها

الشيفرة الوراثية أو الكود الجيني Genetic Code

ترجمة: محمد سامي القطوفي

تدقيق: فاطمة جابر

المصدر