بعد أن فشلت جميع الأدوية المضادة في علاجها نجح العلماء أخيرًا بعلاج فتاة عانَت 700 يوم من إصابةٍ بعدوى جرثومية شرسة وذلك بفضل العلاج بالعاثيات ويأمل الباحثون أن يتطور العلاج أكثر لمواجهة خطر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

واجهت المريضة العديد من المضاعفات الطبية على مدى ثلاث سنوات وعانت بشكلٍ مأساوي من إصاباتٍ تهدد حياتها أثناء الهجمات على مطار بروكسل في 22 مارس 2016، إذ أُصيبَ جرحها الناتج عن الكسر ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية أو ما تُعرف باسم superbugs.

وفي مواجهةٍ للتقدم الضئيل قرر الأطباء اللجوء إلى مزيجٍ من المضادات الحيوية والعلاج بالعاثيات المتخصصة، وهو علاج جديد يستخدم فيروسات متخصصة تُصيب البكتيريا وتقتلها، وبعد نجاح العلاج سُجِّلَت حالتها الفريدة والناجحة في مجلة نيتشر.

أصبحت عدوى البكتيريا المُقاومة مشكلة صحيّة خطيرة بصورةٍ متزايدة إذ أصبح العلاج بالعاثيات من بين أكثر الأدوات الجديدة الواعدة في ترسانتنا.

عادةً، تُصيب العاثيات مجموعة فرعية من سلالات البكتيريا التي تنتمي إلى نوعٍ بكتيري واحد ومع ذلك، كان الأطباء يعملون على أشكالٍ مخصصة من العلاج بالعاثيات، إذ إن إنتقاء العاثيات يكون من بنكٍ مُجهّز بواسطة تحليل السلالات البكتيرية المعزولة من العدوى البكتيرية للمريض.

شهد العقد الماضي زيادة في أبحاث العلاج بالعاثيات
ويمكن للأطباء عندما يتوفر الوقت والموارد الكافية انتقاء طفرات العاثية المعدلة مسبقًا التي لديها قدرة متزايدة على إصابة نوع معيّن من البكتيريا لدى المريض أو قد يكون لها قدرة منخفضة على إثارة المقاومة البكتيرية.

يشرح الأطباء الذين عالجوا حالة هذهِ المريضة أن معظم أنواع العلاجات بالعاثيات التي طورتها الدول المتقدمة هي خليط معمّم لا يأخذ بالحسبان المعركة التطورية بين البكتيريا والعاثيات التي تجعلها غالبًا خاصة جدًا ببعضها البعض.

أظهر خليط العاثيات الثابت في التجارب العشوائية الحديثة نتائج مُخيبة للآمال، على عكس دراسات الحالة المتزايدة التي تُستخدم العاثيات فيها علاجًا مساعدًا، أو العاثيات المعدّلة مسبقًا أو حتى تلك التي يتم تصميمها تكون أكثر فاعلية ضد البكتيريا المُسَبِبة للعدوى.

وفي هذه الحالة بالذات كانت عدوى المريضة المقاومة للأدوية ناتجة عن مقاومة الكلبسيلة الرئوية – Klebsiella pneumoniae، وهي بكتيريا مقاومة معقدة بشكلٍ خاص، تشكل بيوفيلم -biofilms بصورةٍ مستمرة يمكنها من الإنتعاش بعد العلاجات المتكررة بالمضادات الحيوية.

ويُعرّف البيوفيلم على إنهُ بنية طورتها التجمعات البكتيرية الموجودة على سطح الغرسات أو شظايا الأنسجة عديمة الأوعية وتُشَكِل الخلايا المستديمة مجموعة فرعية للخلايا الهاجعة أيضيًا ضمن البيوفيلم، التي تؤدي دورًا رئيسيًا في نجاةِ البيوفيلم وبقائه حيًا وانتعاشه بعد العلاج بالمضادات الحيوية.

في الوقت الحالي، ما يزال هناك نقص في كمية البيانات حول الفاعلية الشاملة لاستخدام العاثيات لعلاج العدوى البكتيرية المقاومة فضلًا عن احتمال حدوث أي تأثيراتٍ جانبية قد تظهر على المرضى.

ولهذا السبب اتخذ الأطباء خطوات احترازية فقد طبّقوا العاثيات موضعيًا على المناطق المصابة بدل الحقن بالوريد، إضافةً إلى ذلك، اختِيرَ كورس قصير من العلاج بالعاثيات مدتهُ ستة أيامٍ فقط لتقليل فرصة الاستجابة السلبية لجهاز المريضة المناعي.

ومع ذلك، فبعد ثلاثة أشهر من العلاج بالعاثيات تحسّنت حالة المريضة بشكلٍ كبير مع التغلب على العدوى البكتيرية في نهايةِ المطاف.

يعتقد المؤلفون أن الجمع بين العلاج بالعاثيات المخصصة إلى جانب استخدام كورس علاجي أطول من المضادات الحيوية بعد ذلك يشكّل نوعًا ما ضربة قوية إذ كانت العاثيات قادرة على تحطيمِ البيوفيلم الدّفاعي، ما أتاح للمضادات الحيوية مسارًا واضحًا للقضاء نهائيًا على العدوى البكتيرية.

تشيرُ البيانات المختبرية إلى أن توليفة العاثيات مع المضادات الحيوية كانت أكثر فاعلية في تقليل تعداد بكتيريا الكلبسيلة الرئوية في البيوفيلم الناتج من استخدام المضادات الحيوية أو العاثيات لوحدها. ولحسن الحظ لم تُلحظ نتائج سلبية مرتبطة باستخدام العاثيات للمريضة، فبعد ثلاثة أشهرٍ من بدء العلاج بتوليفة المضادات الحيوية مع العاثيات، تحسّنت حالة الفتاة كثيرًا والتأم جرحها أخيرًا كما ينبغي.

وبذلك قد يتمكّن الأطباء أخيرًا وبعد 798 يومًا من الإصابة إيقاف العلاج بالمضاداتِ الحيوية لأنهُ لم تكن هناك أيّ علامةٍ على عودة العدوى بعد ذلك، واستعادت المريضة حركتها ببطء.

وكتب المؤلفون: «يُمكن أن تَفتَح دراسة الحالة الحاليّة طريقة جديدة للتفكيرِ في العلاج بالعاثيات لاستخدام توليفات المضادات الحيوية مع العاثيات المعدّلة بصورةٍ فردية».

اقرأ أيضًا:

العاثيات: الفيروسات الآكلة للجراثيم

فيروسات ضخمة آكلة للبكتيريا تغلق الفجوة بين الحياة واللاحياة

ترجمة: رنا بدر أبوعباس

تدقيق: حسين الجُندي

المصدر