اكتشف الباحثون أول دليل قاطع على أن القمر ورث الغازات النبيلة الأصلية من قاع الأرض. يقدم هذا الاكتشاف معلومات مهمة تساعد على فهم كيفية تشكل القمر وربما الأرض والأجرام السماوية الأخرى.

ظل القمر وكل ما يتعلق به يثير اهتمام البشر كثيرًا ولفترة طويلة. لكن لم يدرس البشر القمر بجدية إلا بعد محاولات غاليليو لفهمه في عصره. وعلى مدى خمسة قرون، وضع الباحثون نظريات لا تعد ولا تحصى حول كيفية تشكل القمر.

مؤخرًا، سلّط الجيوكيميائيون، وخبراء الكيمياء الكونية، وخبراء البترول بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ ETH Zurich الضوء على معلومات جديدة حول أصل القمر.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Science Advances، يتحدث فريق البحث عن نتائج جديدة تُظهر أن القمر يحتوي على غازات نبيلة أصلية مثل الهيليوم والنيون ورثها من قاع كوكب الأرض.

يضع هذا الاكتشاف قيودًا إضافيةً على النظرية الشائعة المُسماه (الاصطدام العملاق) التي تنص على أن القمر تشكل نتيجة حدوث اصطدام هائل بين الأرض وجرم سماوي آخر.

شهب تسقط من القمر على قارة أنتاركتيكا

خلال فترة إجراء بحثها لرسالة الدكتوراة، حللت بتريزيا ويل 6 عينات من شهب مصدرها القمر سقطت على القطب الجنوبي جمعتها ناسا.

تتكون هذه الشهب من صخور بركانية تشكلت عندما تدفقت الحمم المنصهرة من جوف أرض القمر وبردت بسرعة.

بقيت هذه الصخور محمية بطبقات بركانية إضافية بعد تشكلها، ما ساهم في حمايتها من الإشعاعات الكونية وبالتحديد من الرياح الشمسية. نتج عن مرحلة التبريد تشكل جسيمات قمرية زجاجية بالإضافة إلى مواد أخرى عُثر عليها بين الحمم المنصهرة.

وجدت ويل وفريقها أن هذه الجسيمات القمرية الزجاجية حافظت على البصمة الكيميائية (بصمة النظائر) للغازات الشمسية داخل جوف القمر، تحديدًا الهيليوم والنيون الموجود مثلها على كوكب الأرض. تُشير هذه الاكتشافات إلى أن القمر ورث الغازات النبيلة الأصلية الموجودة على كوكب الأرض.

تقول ويل: «كانت نتيجة العثور على غازات شمسية للمرة الأولى مصدرها المواد البركانية التي لا علاقة لها بأي إشعاع يتعرض له سطح القمر أمرًا مثيرًا جدًا».

لولا حماية الغلاف الجوي للقمر، لأمطرت الكويكبات على سطحه. تطلب إخراج الشهب من الطبقات الوسطى للحمم المتدفقة اصطدامًا عالي الطاقة على الأرجح، وذلك شبيه بالسهول الممتدة التي تُسمى البحار القمرية Lunar Mare. مع مرور الوقت، وصلت بقايا هذه الصخور إلى الأرض على شكل شهب.

تُجمع عينات من الشهب إما من صحاري جنوب أفريقيا، وإما من الصحراء الباردة في القطب الجنوبي، إذ تُلاحظ بسهولة بفضل طبيعة الأرض هناك. استُخدمت عينات جُمعت من الصحراء الباردة لإجراء هذا البحث.

يوجد في مختبر الغازات النبيلة في معهد ETH Zurich مطياف لتحليل الغازات النبيلة فائق التطور يُسمى توم دولي Tom Dooley. حصل المطياف على هذا الاسم عندما علق الباحثون سابقًا هذه الأداة شديدة الحساسية في سقف المختبر لكيلا يُعرقل عملها الذبذبات القادمة من المحيط. باستخدام أداة توم دولي، استطاع العلماء قياس الجسيمات الزجاجية من الشهب على مستوى أقل من الملليمتر واستبعاد احتمال الرياح الشمسية مصدرًا للغازات المُكتشفة. وجدوا بعد ذلك كميات من الهيليوم والنيون أكثر بكثير من المتوقع.

تُعد أداة توم دولي حساسة للغاية لدرجة أنها الأداة الوحيدة في العالم القادرة على الكشف عن تراكيز هيليوم ونيون بهذا الصغر. استُخدمت للكشف عن الغازات النبيلة الموجودة في الحبيبات العائدة إلى سبعة مليارات سنة المُستخرجة من شهاب ميرشيسون – وتعد تلك الحبيبات أقدم مادة صلبة مُكتشفة حتى اليوم.

البحث عن أصول الحياة

إن هذا التقدم في البحث عن عينات الشهب المناسبة ضمن مجموعة ناسا الزائد عددها عن 70,000 عينة سيكون خطوةً عظيمةً في حل لغز أصل القمر.

يقول الأستاذ هنر بسمان من معهد ETH Zurich، وأحد العلماء الأوائل في مجال جيوكيمياء الغازات النبيلة الفضائية: «أنا واثق جدًا أن العلماء سيتسابقون لدراسة الغازات النبيلة والنظائر الموجودة داخل الشهب».

يرى بسمان أن العلماء سيلتفتون لدراسة الغازات النبيلة الأخرى مثل الزينون والكريبتون التي يصعب تحديدها. سيبدأ العلماء أيضًا بالبحث عن العناصر غير المستقرة الأخرى مثل الهيدروجين أو الهالوجينات الموجودة في الشهب القمرية.

ويعلق بسمان: «قد لا تكون هذه الغازات ضرورية للحياة، لكن من الجميل معرفة كيف نجت هذه الغازات خلال مرحلة تشكل القمر العنيفة. قد تُساعد هذه المعرفة علماء كيمياء الأرض على ابتكار نماذج جديدة تُفسر كيفية نجاة مثل هذه العناصر غير المستقرة في أثناء مراحل تشكل كوكب ما، سواء ضمن نظامنا الشمسي أو خارجه».

اقرأ أيضًا:

كيف وصل الماء إلى القمر؟

مشروع سري يقترح تفجير القمر بالصواريخ النووية

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: حسام التهامي

المصدر