كانت السنوات ما بين نهاية الحرب الأهلية الأمريكية وبداية القرن العشرين فترة التصنيع السريع والتقدم التكنولوجي، وعُرفت باسم العصر الذهبي، وقد كوّنها إلى حد كبير الأمريكيون ممن عملوا فوق طاقتهم وتقاضوا أجورًا منخفضة، والمهاجرون الوافدون حديثًا الذين ملؤوا مصانع البلاد والمدن النامية، وعاشت معظم الطبقة العاملة تحت مستوى خط الفقر بينما انتفع ثلة من الصناعيين من الفوائد المالية وزادت ثروتهم بما يفوق التصور.

خلال حقبة الترف هذه وجدت العائلات حديثة الغنى -كما العائلات قديمة الغنى- طرقًا جديدة للتفاخر بثرواتهم باستمرار، غالبًا في محاولات لتسلق الهرم الاجتماعي أو للاحتفاظ بموقعهم في قمة نخبة المجتمع.

تكون العصر الذهبي بالمجمل من العوائل البيضاء المتأصلة من أوروبا الغربية مثل آستورز وفاندربيلتس وروكفيلرز، لكن كانت هناك أيضًا مجتمعات صغيرة مزدهرة من عوائل النخبة السوداء مثل غينونز ووايتس في مدينة نيويورك وايستونز في سينسيناتي، وكذلك الأمريكيين-الصينيين الأثرياء مثل عائلة هينغ في كاليفورنيا.

لكن بغض النظر عن أمكنة معيشة هذه العائلات الثرية، فبخصوص منازل العصر الذهبي والأشياء التي تملؤها فقد كان «المزيد هو » بحسب قول غاري لورانس، المهندس المعماري والمؤرخ المتخصص في العصر الذهبي والمشارك في تأليف كتاب منازل هامبتونز 1880-1930، ويضيف «لم يكن للناس حدًا لكفايتهم». فيما يلي 11 أمرًا لإلقاء الضوء على شكل حياة نخبة العصر الذهبي.

1- نظارات الأوبرا

كانت الأوبرا خلال العصر الذهبي مكانًا للمشاهدة وللظهور، حيث كان أغلب روادها مهتمين بتسلق الهرم الاجتماعي أكثر من اهتمامهم بالموسيقى. استكمل الحضور ملابسهم الرسمية بزوج من نظارات الأوبرا، ويوضح لورانس «على قدر ثراء الشخص، كانت تُرصع بالألماس، التي كانت مصنوعة من الذهب وغيره من المواد النادرة، كما أي قطعة مجوهرات أخرى».

2- خزائن كبيرة للفضيات

احتوت موائد أي عائلة ثرية من العصر الذهبي على أدوات فضية، واختارت الأسر الأكثر ثراءً الفضة الإسترلينية من شركات تيفاني وشركاه أو ستار فروست وبلاك أو الشركات المصنعة المماثلة بحسب ما يذكر لورنس. ونظرًا لغلاء الفضة الإسترلينية كان شائعًا أن تحتوي قصور تلك الحقبة على خزائن كبيرة كالغرف لحفظ الفضيات والأشياء الثمينة الأخرى. تذكر ليندا روك المتحدثة باسم قصر فينتفورت هول ومتحف العصر الذهبي في لينوكس، ماساتشوستس: «استُخدمت الخزائن غالبًا لحفظ ما للعائلة من فضة مُستخدمة للترفيه، كذلك لحفظ الأوراق من الحريق والمخاطر الأخرى».

لكن امتلاك مجموعة فضية كبيرة لم يكن فقط لإبهار الضيوف بأشياء منزلية كثيرة وغير ضرورية، إذ يضيف لورنس الذي يشارك بانتظام صورًا من العصر الذهبي على الانستغرام: «لم يكن العديد من هذه الأشياء بحد ذاتها رموز الثروة، بل تعلقت أيضًا بامتلاك المال والخدم اللازمين للعناية بها»، ما يعني امتلاك الكادر اللازم لإبقاء الفضة لامعة وخالية من البقع.

3- نخيل الغرف

مع شيوع علم النبات بين الطبقات العليا الأمريكية والبريطانية غالبًا ما تميزت العقارات على جانبي المحيط الأطلسي بالحدائق الفخمة، فضلًا عن البيوت الزجاجية والبيوت البلاستيكية المصممة لعرض مجموعة العائلة من النباتات الغريبة، لكن لم يكن هذا كافيًا، إذ أرادت نخبة العصر الذهبي أيضًا دمج النباتات في ديكوراتهم الداخلية.

لكن ذلك كان سهلًا نظريًا لا عمليًا، إذ جعلت الستائر الثقيلة العصرية آنذاك هذه المنازل مظلمة تمامًا من الداخل، ما أدى إلى شعبية نبات منزلي واحد على وجه الخصوص وهو نخيل الغرف. يقول لورنس: «يستطيع نخيل الغرف العيش بقليلٍ من الضوء أو العناية، ووُجِدَ في جميع أنحاء المنزل من حاملات النباتات ذات الأسطح الرخامية، وعلى رف الموقد، وعند أرضية الدرج».

4. المصابيح الكهربائية

مع إن الكهرباء تُعد أمرًا بديهيًا اليوم، فإنها أثارت الحماس والخوف على حد سواء في العصر الذهبي. رأى بعض الناس ومنهم الرأسمالي جي بي مورغان فرصًا غير محدودة في مصدر الطاقة الحديث، بينما شكك أثرياء نيويورك الآخرون في إمكانية استخدامها بأمان.

ابتداءً من العام 1881، لم يهدر المنتهزون الأوائل مثل مورغان وقتًا في مد مساكنهم ومكاتبهم بالكهرباء بواسطة مولدات بخارية خاصة. وممن كانت لديهم الكهرباء أرادوا التباهي بها، يقول لورنس: «أحيانًا في صور -التصميمات الداخلية لمنازل العصر الذهبي- يبدو أنهم لم يضعوا أغطية المصابيح على أجهزة الإضاءة، ولكن هذا كان عمديًا، إذ كانت المصابيح الكهربائية أشياء باهظة الثمن، وإن امتلكتها فسوف تريد التباهي بها لإثارة إعجاب الناس».

5- اكسسوار الشاتولين

كانت الشاتولين اكسسوارات شهيرة للنساء عبر مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، وغالبًا ما توصف بأنها «سكين الجيش السويسري» للنساء في العصر الفيكتوري. يذكر لوك: «كانت الشاتولين أحزمة مزخرفة مع كلّابات أو مشابك تلبس عند الخصر، مع مجموعة من السلاسل المتدلية منها، واحتوت كل سلسلة على شيء منزلي مفيد مثل المقص والمفاتيح». في حين أن الخادمات والخياطات ارتدين الشاتولين لأغراض عملية تمامًا، فإن سيدات المنزل ممن وظفنهن ارتدين شاتولين مصنوعًا من الفضة والذهب اشتروه من صائغ كزينة للأزياء».

6- نظام استدعاء الخادم

سواء أكانوا يقيمون في قصورهم الرحبة في المدينة، أو في منازلهم الصيفية واسعة المساحة، اعتمدت عوائل الطبقة العليا في العصر الذهبي على خدمها في كل شيء من ارتداء الملابس، إلى الحصول على مشروب منعش في الحديقة، ولضمان تلبية هذه الاحتياجات فورًا، امتلكت الكثير من المنازل نظام استدعاء للخدم. يقول لورنس: «كان هناك عادةً قماش منسوج بجوار المواقد، مربوطًا بخيط في الجزء العلوي يؤدي عند سحبه إلى سحب سلك من شأنه أن يُشغل زرًا في صندوق الاتصال في القبو، ما يُعلم الخدم أن سيدة المنزل تريد الشاي في غرفة الرسم مثلًا، أو في غرفة الرسم الصفراء المقابلة لغرفة الرسم الزرقاء».

7- العربات

ربما كان التقدم التكنولوجي غير المسبوق في هذه الفترة أكثر وضوحًا في مجال النقل، يقول لورنس: «كانت العربات التي تجرها الخيول وسيلة النقل الرئيسة في بداية العصر الذهبي، عربة المليونير كانت لامعة وبراقة جدًا، وربما حملت شعار العائلة عليها». ملكت الكثير من العائلات أيضًا مقطورات القطارات الخاصة والمزينة بزخرفة لأغراض السفر بالقطار، خصوصًا العائلات ذات العلاقة بمجال السكك الحديدية مثل فانديربيلتس وغولدز. شهدت نهاية العصر الذهبي ظهور أول عربات بدون أحصنة، بأول سيارة تعمل بالغاز سُجلت براءة اختراعها في العام 1886، وكشف هنري فورد النقاب عن سيارته الأولى كوادريسايكل ذات الأربع عجلات عام 1896. كانت عربات هذا العصر سواء بمحرك أو بدونه طريقة أخرى للعائلات لعرض ثروتها ومكانتها.

8- لوحات العائلة

بقيت اللوحات المرسومة شائعةً بين نخبة العصر الذهبي، مع إن التصوير الاحترافي كان متاحًا منذ عقود آنذاك وصولًا لتسجيل براءة اختراع كاميرا كوداك المحمولة عام 1888. يذكر لورنس: «كانت هناك لوحات للعائلة ولوحات لسيدة أو لرجل المنزل، وأحيانًا رُسمت الكثير من اللوحات لهم لغرف مختلفة ولمنازل مختلفة في أوقات متفرقة من حياتهم بواسطة فنانين مختلفين. كانت اللوحات علامة على الثروة، خاصة تلك المرسومة من فنانين مشهورين مثل جون سينغر سارجنت وفيليب دي لازلو».

9- الدش الخصوصي

كان هناك 136 مصدرًا من إمدادات المياه العامة في الولايات المتحدة، إلى جانب شبكة متوسعة من أنظمة الصرف الصحي في مدن مختلفة بحلول نهاية القرن التاسع عشر، ولكن في البداية كان الأثرياء فقط من يستطيعون الاستفادة من هذه التطورات في الصحة العامة. يقول لورنس: «كان امتلاك أنابيب المياه الداخلية والحمام داخل المنزل مكلفًا جدًا في العصر الذهبي».

أولئك الذين اختاروا تحويل غرفة ما إلى حمام أو إضافة واحدًا إلى منزلهم قاموا بتركيب كحد أدنى مغسلة ومرحاضًا وحوض استحمام (ما لم تكن غرفة هندمة للسيدات في الطابق الأرضي ففي هذه الحالة لن يوجد حوض استحمام). أضاف الآخرون المزيد بتركيبات مثل حوض الجلوس وحوض حمام القدم أو حوض العناية بالأسنان.

لكن أولئك الذين أرادوا إنشاء منتجع صحي شخصي في منازلهم اتجهوا لاقتناء دش قائم مشابه للقفص الصدري، معروف أيضًا بحمام الإبرة. أشاد الخبراء الطبيون آنذاك بكثير من الفوائد الصحية المفترضة لهذه الحمامات، زاعمين أن تيارات المياه المتعددة المرشوشة على الجسم تستطيع معالجة أمراض الكبد والأرق والإمساك وضعف الدورة الدموية والتعب والآثار المدمرة لحياة المدينة. استفاد ممن تمتعوا بصحة جيدة من الاستحمام في الدش أيضًا، إذ قيل إن هذا النوع من المعالجة المائية ينشط ويبعث على الاسترخاء.

10- البيانو وأورغن الأنابيب

في وقت ما قبل التلفزيون والراديو كان الترفيه المسائي في المنزل يشتمل عادةً على شخص يعزف على آلة موسيقية. يشير لورنس إلى أنه: «كل أسرة لديها بنت امتلكت غالبًا بيانو، إذ كانت مهمة الفتيات الصغيرات آنذاك أن يتعلمن كيف يصبحن أمهات جيدات وربات منازل وكيفية الترفيه، لذا عزفت الكثير من الفتيات على البيانو».

نخبة العصر الذهبي الذين لم يفوتوا أبدًا فرصة لبذخ أموالهم امتلكوا أفضل آلات البيانو الكبيرة من شركات مصنعة مثل ستاينواي وأولاده، وميسون وهاملين، وبالدوين. كان بعضها مطليًا بالذهب أو مزخرفة بالزينة الفخمة، يذكر لورنس أنه: «كانت الكثير من آلات البيانو آنذاك تحتوي على لوحات لمشاهد فرنسية، مثل الشيروبيم، أو لأرستقراطيين في الحدائق».

بقدر ما كانت آلات البيانو مثيرة للإعجاب، كان أورغن الأنابيب الآلة الموسيقية المتكاملة بوصفها رمزًا للثروة. يذكر لورنس: «كانت كبيرة جدًا ومكلفة جدًا، غالبًا ما كان يتعين وضع هذه الآلات في أثناء بناء المنزل». وحتى لو كان أحد أفراد العائلة يعرف كيفية العزف على الأرغن، كان يوظف عازفي الأرغن المحترفين عادة للعزف من أجل العائلة، ونمت شعبية العازفين بعد نهاية القرن.

11- الهاتف

سُجلت براءة اختراع الهواتف في الولايات المتحدة عام 1876، ثَمَّ أصبحت محور مكونات منازل النخبة في العصر الذهبي، يذكر لورنس: «احتوت معظم المنازل على غرفة هاتف صغيرة، لكن من كانوا أكثر ثراءً امتلكوا هواتف في عدة غرف، غالبًا في غرف النوم، وكان وضع هاتف في الحمام أمرًا راقيًا جدًا».

اقرأ أيضًا:

تسعة عشر اختراعًا غيرت مجرى التاريخ

أحد عشر اختراعًا غيرت مجرى التاريخ

ترجمة: صفا روضان

تدقيق: يوسف صلاح صابوني

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر