تزداد موجات الجفاف حدة وانتشارًا في جميع أنحاء العالم. لكن ليس تغيّر أنماط هطول الأمطار وحده هو السبب، فالغلاف الجوي أيضًا يزداد عطشًا.

في دراسة جديدة منشورة في مجلة (Nature)، تبين أن نحو 40٪ من الزيادة في شدة الجفاف خلال العقود الأربعة الماضية تُعزى إلى ارتفاع «الطلب التبخري الجوي»، اختصارًا (AED).

يصف طلب التبخر الجوي مقدار المياه التي يمكن للغلاف الجوي سحبها من السطح، وهو يتأثر بدرجة الحرارة، والإشعاع الشمسي، وسرعة الرياح، والرطوبة الجوية.

كلما زادت هذه التأثيرات، تزداد الحاجة إلى كمية الأمطار وإن لم تتناقص.

لتبسيط الفكرة، يمكننا تخيل هطول الأمطار مثل الدخل، وطلب التبخر الجوي مثل النفقات. حتى إذا ظل الدخل -أي المطر- ثابتًا، فإن الميزانية تصبح في عجز إذا زادت النفقات، أي العطش الجوي. هذا ما يحدث تمامًا في حالة الجفاف: يطلب الغلاف الجوي من الأرض ماءً أكثر مما يمكنها تحمّله أو فقده.

يزداد الطلب مع ازدياد حرارة الكوكب، ما يؤدي إلى سحب المزيد من الرطوبة من التربة، والأنهار، والبحيرات، وحتى من النباتات.

يجعل هذا «العطش» المتزايد الجفاف أشد، وإن لم تتناقص كمية الأمطار.

يؤدي ارتفاع طلب التبخر الجوي إلى تسريع فقدان الرطوبة من التربة والنباتات، ما يضاعف شدة الجفاف ويُوسع من رقعة المناطق المتأثرة، بصرف النظر عن تغير كميات الأمطار. كان التأثير بارزًا في مناطق مثل أوروبا وشرق إفريقيا، حيث تسبب ارتفاع طلب التبخر الجوي في تفاقم الضغوط على قطاعات المياه والطاقة والزراعة.

في أوروبا، كان للجفاف واسع النطاق عواقب كبيرة: انخفضت تدفقات الأنهار ما أعاق إنتاج الطاقة الكهرومائية، وتراجعت غلال المحاصيل بسبب الضغط المائي، كما واجهت العديد من المدن نقصًا في المياه. أدى ذلك إلى ضغط غير مسبوق على قطاعات المياه والزراعة والطاقة، مهددًا سبل العيش والاستقرار الاقتصادي.

بدمج بيانات مناخية عالمية عالية الجودة مع مؤشرات الجفاف التي تشمل كلًا من الهطول وطلب التبخر الجوي، خلصت الدراسة إلى أن عام 2022 كان الأكثر جفافًا عالميًا خلال أكثر من 40 عامًا، حيث تعرض أكثر من 30٪ من اليابسة العالمية لظروف جفاف معتدلة إلى شديدة. كما ارتفعت المساحة العالمية المتأثرة بالجفاف بنسبة 74٪ بين 2018 و2022، وتُعزى 58٪ من هذه الزيادة إلى طلب التبخر الجوي.

باستخدام مؤشر جفاف معتمد عالميًا يشمل كلًا من هطول الأمطار وطلب التبخر الجوي، تتبّع الباحثون متى تزداد شدة الجفاف وأين ولماذا. بواسطة هذا المؤشر، تمكنوا من حساب النسبة التي تعود من هذه الشدة المتزايدة إلى العطش الجوي المتصاعد.

تشير نتائج الدراسة إلى أن طلب التبخر الجوي كان مسؤولًا عن أكثر من 60٪ من شدة الجفاف خلال العقدين الماضيين في مناطق مثل جنوب غرب الولايات المتحدة وغرب أستراليا وشرق إفريقيا.

قد تقلل الحكومات والمجتمعات من تقدير حجم الخطر الحقيقي الذي يواجهونه إن لم يتم إدماج طلب التبخر الجوي مع الجفاف.

مع توقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يمكننا أن نتوقع مزيدًا من موجات الجفاف المتكررة والشديدة. لذا، يجب علينا الاستعداد لذلك، ويبدأ ذلك بفهم هذا العطش الجوي المتنامي والتخطيط له.

فهم دوافع الجفاف:

إن معرفة الأسباب المحددة للجفاف في كل منطقة على حدة أمر حاسم من أجل تكيّف ذكي مع المناخ. ويجب أن يكون طلب التبخر الجوي عنصرًا أساسيًا في كيفية رصدنا ونمذجتنا وتخطيطنا للجفاف.

فالتعرّف على المحركات الدقيقة للجفاف يُعد أساسيًا لوضع استراتيجيات فعالة للتعامل معه. فإذا كان الجفاف ناتجًا أساسًا عن انخفاض الأمطار، فينبغي التركيز على تخزين المياه والحفاظ عليها. أما إذا كان طلب التبخر الجوي هو المحرك الأساسي -كما هو الحال في العديد من المناطق الآن- فيجب أن تركز الاستراتيجيات على تقليل الفاقد التبخّري -أي كمية المياه التي تُفقد من سطح الأرض والنباتات إلى الغلاف الجوي- ومعالجة الضغط المائي على النباتات.

يشمل ذلك زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، وإنشاء أنظمة ري أكفأ في استخدام المياه، وتحسين صحة التربة، أو استعادة المواطن البيئية للحفاظ على رطوبة الأرض.

كما تُظهر أبحاثنا، فإن الزيادة في طلب التبخر الجوي -المدفوعة بالاحتباس الحراري العالمي- تؤدي إلى تفاقم شدة الجفاف حتى في الأماكن التي لم تنخفض فيها الأمطار. تجاهله يعني الاستهانة بالخطر.

اقرأ أيضًا:

حقن الألماس في الغلاف الجوي قد يحل مشكلة التغير المناخي!

رصد موجة حر يعادل حجمها 10 أضعاف كوكبنا في الغلاف الجوي للمشتري!

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر