في حدث غريب وغير منطقي، اُكتشفت عوالق نباتية تحت سطح المحيط في كلتا المنطقتين القطبيتين للأرض، وذلك حسبما كشفت دراستان جديدتان غير مرتبطتين ببعضهما. تعيش هذه العوالق النباتية الغريبة التي تنمو بالقرب من قاع البحر في القطب الشمالي وتحت الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية ضمن نظم بيئية مخفية لا يعرف العلماء شيئًا عنها.

العوالق النباتية هي طحالب دقيقة تقوم بعملية التركيب الضوئي -تحويل ضوء الشمس إلى طاقة متاحة عضويًا-، وتنتج نحو نصف الطاقة في محيطات الأرض وتساعد على دعم شبكة الغذاء البحري. تُحدث العوالق النباتية، التي غالبًا ما تكون مرئية من الفضاء، دوامات خضراء جميلة على سطح المحيط، وذلك عندما تتكاثر بسرعة بسبب وفرة العناصر الغذائية المتاحة. تتطلب العوالق النباتية أيضًا ضوء الشمس، ما يجعلها تتكاثر في الطبقة العليا من المحيط، حيث يكون ضوء الشمس أقوى.

تعد المنطقة القطبية الشمالية والقارة القطبية الجنوبية موطنًا لبعض أكثر المياه غنى بالمغذيات في العالم، ما يدعم ازدهار العوالق النباتية الهائلة خلال أشهر الصيف، فيكون الجليد البحري قليلًا نوعًا ما ويمكن لأشعة الشمس أن تصل إلى أعماق أكبر ضمن المحيط. لكن مع تراكم الجليد البحري في فصل الشتاء، لا يمكن لأشعة الشمس الوصول للعمق، فتبدأ الأزهار بالذبول والموت.

مع ذلك، فقد كشفت دراستان جديدتان نشرهما فريقان بحثيان مختلفان أن بعض هذه الأزهار، إمّا تعيش في المياه العميقة بعد تراكم الجليد البحري، كما هو الحال في القطب الشمالي، أو بدأت في التفتح تحت الجليد البحري قبل أن يبدأ ذوبانه الموسمي، كما رأينا في القارة القطبية الجنوبية.
تشير الدراستان إلى أن تغير المناخ قد يلعب دورًا رئيسًا في ظهور هذه الأزهار السفلية، بسبب رقة الجليد البحري، وزيادة الفترة الزمنية التي تكون فيها المحيطات خالية من الجليد وتزيد فيها كمية ضوء الشمس التي تصل إلى المياه العميقة.

العوالق النباتية في القطب الشمالي

في عام 2016، وجدت بعثة علمية أجرت دراسة روتينية على عينات من الماء في القطب الشمالي في بحر تشوكشي، بين سيبيريا وألاسكا، وفرة من العوالق النباتية في المياه بالقرب من القاع. عادة ما تموت العوالق النباتية في هذا العمق وتصبح غير نشطة تقريبًا، لكن هذه الطحالب كانت ما تزال تقوم بعملية التركيب الضوئي بمعدل طبيعي، ما يشير إلى أنها لا تزال في حالة إزهار.

بعد هذا الاكتشاف الغريب، عاد تاكوهي شيوزاكي، وهو عضو في البعثة وعالم المحيطات الميكروبي في جامعة طوكيو، مع فريق جديد من الباحثين لأخذ المزيد من العينات. أجروا في وقت لاحق سلسلة من التجارب المعملية لمعرفة كيف تمكنت الطحالب من البقاء على قيد الحياة في هذا العمق.

كشفت النتائج، التي نُشرت في 27 سبتمبر في مجلة بيولوجيا التغير العام Global Change Biology، أن العوالق النباتية التي تعيش في القاع كانت قادرة على البقاء حتى عندما كان ضوء الشمس لا يمثل سوى 1% فقط مما هو عليه على السطح.

يعتقد الباحثون أنه نظرًا إلى أن الجليد البحري يتشكل في وقت مختلف من العام نتيجة تغير المناخ، فإن العوالق النباتية التي في قاع البحر يمكن أن تتلقى ما يكفي من الضوء لمواصلة التفتّح.

مع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من العينات من القطب الشمالي للوصول إلى الفهم الكامل لهذه الزهور السفلية في المنطقة.

قال شيوزاكي لمجلة الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي، Eos: «ما زلنا لا نعرف كمية بذور العوالق النباتية ومستوى تكاثرها في قاع البحر والتي قد تكون هي أساس تلك الأزهار التي ظهرت في ذلك العمق».

العوالق النباتية في القارة القطبية الجنوبية

في الآونة الأخيرة، كشفت دراسة نُشرت في 17 نوفمبر في مجلة عالم البحار Frontiers in Marine Science أن العوالق النباتية يمكن أن تزدهر أيضًا تحت الجليد البحري في القطب الجنوبي.

اعتقد العلماء سابقًا أن الجليد البحري في القطب الجنوبي -تمامًا مثل جليد القطب الشمالي- سيكون سميكًا جدًا، الأمر الذي لا يسمح بمرور كمية كافية من الضوء للحفاظ على تكاثر الطحالب. ولكن بعد الحصول على بعض النتائج الأولية من دراسة القطب الشمالي، اشتبه فريق منفصل من الباحثين في أن الطحالب في القارة القطبية الجنوبية قد تكون قادرة أيضًا على الازدهار تحت الجليد البحري قبل أن يبدأ الجليد بالذوبان في الصيف.

استخدم الفريق عوامات للغطس العميق لقياس كمية الكلوروفيل-أ في الماء، وهي الصبغة التي تستخدمها الطحالب والنباتات الأخرى في أثناء عملية التركيب الضوئي. قاموا أيضًا بقياس كمية الضوء المنتشر عبر الماء العميق، وهو مؤشر آخر على وجود العوالق النباتية.

قال المؤلف الرئيسي للدراسة كريستوفر هورفات، وهو عالم محيطات رياضي في جامعة براون في رود آيلاند، في بيان: «لاحظنا في جميع الأمثلة تقريبًا التي تدل على وجود نظم بيئية تحت الجليد البحري في القطب الجنوبي ازدياد العوالق النباتية قبل تراجع الجليد البحري. في كثير من الحالات، لاحظنا ازدهارًا كبيرًا».

الباحثون واثقون من انتشار هذه الأنواع من العوالق في المنطقة. قال هورفات: «وجدنا أن 50% أو أكثر من مناطق القطب الجنوبي الجليدية قد تكون بيئة مناسبة لهذا الانتشار تحت الجليد».

النظم البيئية المخفية

تشكل العوالق النباتية أساس الشبكة الغذائية البحرية، لذلك إذا كان من الممكن أن تزدهر في مناطق افترض العلماء سابقًا أنها لا تستطيع ذلك، فقد تكون هناك مجموعات أخرى غير معروفة من الكائنات البحرية في هذه المناطق تتغذى عليها.

قال هورفات: «تهاجر الكائنات الموجودة في المستويات الغذائية العالية إلى حيث توجد الإنتاجية، وإذا كانت تحت الجليد، فيمكن أن نتوقع أنها تتبع أماكن الغذاء»، مؤكدًا على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث للتأكد من ذلك.

يمكن أن تلعب هذه الأزهار السفلية أيضًا دورًا رئيسيًا في دورة الكربون المحلية، لأن العوالق النباتية تمتص الكربون من الماء في أثناء عملية التركيب الضوئي.

قال شيوزاكي: «التحقيقات في قدرة هذه الكائنات على عزل الكربون في المحيط المتجمد الشمالي ركّزت -حتى الآن- على العمليات السطحية، ولكن إذا افترضنا أن الكربون يُستخدم من قِبل العوالق النباتية في الأعماق، فيجب أن تُؤخذ هذه العملية في الاعتبار».

اقرأ أيضًا:

جبل جليدي عملاق تعرض للانقسام بفعل التيارات المحيطية القوية

الثلوج في جبال الألب تتعرض للذوبان بتسارع

ترجمة: أحمد عضيم

تدقيق: دوري شديد

المصدر