في غضون نحو خمسة مليارات سنة، ستصبح الشمس عملاقًا أحمر، ستتمدد وتتحول إلى كرة متوهجة لتأتي على كل من عطارد والزهرة والأرض وحتى المريخ وتلتهمهم.

إذن، هل ستتمكن البشرية من النجاة من مرحلة العملاق الأحمر للشمس؟ ربما قد سبق للحضارات الخارجية، الفضائية، أن واجهت هذا التهديد الوجودي.

أمن الممكن أن يكونوا قد نجوا منه بالهجرة إلى نظام نجمي آخر دون استعمال السفن الفضائية؟

نحن على دراية كافية بصعوبات السفر بين النجوم، فأقرب جار لنا من الأنظمة النجمية هو نظام ألفا سينتوري أو ما يسمى رجل القنطور.

إذا تحتم على البشرية الفرار من تهديد وجودي في نظامنا الشمسي، وإذا استطعنا تحديد كوكب صالح للعيش في نظام ألفا سينتوري، فسنحتاج إلى أكثر من أربع سنوات للوصول إلى هناك، طبعًا إن استطعنا السفر بسرعة الضوء.

أما بخصوص المستوى التكنولوجي الحالي، فما زالت عملية إيصال عربة مدارية إلى المشتري تأخذ منا خمس سنوات، وتدور الكثير من الأحاديث عن جيل من السفن الفضائية يستطيع البشر العيش فيها عدة أجيال بينما تقطع طريقها نحو كوكب بعيد صالح للعيش. لن تحتاج هذه السفن إلى الاقتراب من سرعة الضوء، بدلًا من ذلك ستعيش وتموت فيها أجيال كاملة من البشر في رحلة تستغرق مئات أو آلاف السنوات. من المسلي التفكير في شيء كهذا، لكنها في هذه المرحلة لا تعدو كونها محض خيال.

هل هناك طريقة أخرى تمكن البشر أو الحضارات الأخرى من الهرب من مواطنها المحكوم عليها بالهلاك؟

تقول مؤلفة مقال بحثي جديد في مجلة إنترناشيونال جورنال أوف أستروبيولوجي أن الحضارات الفضائية قد لا تحتاج سفنًا فضائية للفرار من التهديدات الوجودية والسفر إلى نظام نجمي آخر. يمكن بدلًا من ذلك استعمال الكواكب العائمة بحرية، التي تعرف أيضا بالكواكب الرحالة.

عنوان المقال المُتناول هو «هجرة الحضارات الفضائية والاستعمار بين النجوم: آثار SETI (البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض) وSETA (البحث عن آثار كائنات ذكية خارج الأرض)». للكاتبة إيرينا رومانوفسكايا، أستاذة الفيزياء والفلك في كلية هوستون المتوسطة.

كتبت رومانوفسكايا: «أقترح أن الحضارات الفضائية قد تستعمل الكواكب الرحالة وسيلة نقل بين النجوم للوصول إلى الأنظمة الكوكبية واستكشافها واستعمارها». وعندما يتعلق الأمر بالبحث عن حضارات أخرى، قد تترك جهودها هذه آثارًا وتوقيعات تقنية.

قالت: «أتوقع وجود آثار وصناعات تقنية محتملة أنتجتها حضارات فضائية في أثناء وجودها على الكواكب الرحالة للهجرة بين النجوم واستعمارها، وسأقترح استراتيجيات للبحث عن آثارهم وصناعاتهم التقنية».

قد تحمل الكواكب الرحالة، سواء في مجرة درب التبانة أو في مئات المليارات من المجرات الأخرى، حياتها الخاصة معها في محيطاتها الجوفية التي تحافظ على دفئها بفضل التحلل الإشعاعي، ثم إن التقت بنجم ما وارتبطا بفعل الجاذبية، فإن هذه الحياة ستكون قد استعملت كوكبًا رحالًا بفاعلية لنقل نفسها إلى مكان ما، آملةً أن يكون أكثر ضيافة.

لماذا لا تستطيع حضارة قائمة أن تقلد هذا؟

نفكر في الكواكب العائمة بأنها مظلمة وباردة وغير صالحة للعيش، باستثناء وجود محيطات جوفية دافئة فيها، لكنها توفر بعض الامتيازات أيضا.

كتبت رومانوفسكايا: «توفر الكواكب العائمة جاذبية ثابتة وكمية هائلة من المساحة والموارد، إضافة إلى المياه في تلك الكواكب العائمة ذات المحيطات السطحية والجوفية، إذ يمكن جعل المياه موردًا قابلًا للاستهلاك، والحماية من الإشعاعات الكونية أيضا».

أضف إلى ذلك أن بإمكان حضارة متقدمة ما هندسة الكوكب للحصول على امتيازات أعظم بكثير بتنسيقه وتطوير مصادر الطاقة، فإن كنا على مشارف استعمال الاندماج، حسب رومانوفسكايا، فلعل الحضارات المتقدمة قد بدأت مسبقًا في استعمالها، ما يسمح بتحويل كوكب رحّال شديد البرودة إلى كوكب داعم للحياة.

تضع المؤلفة أربعة سيناريوهات قد تفيد الحضارات الفضائية في الحياة على الكواكب الرحالة.

يتضمن السيناريو الأول مرور كوكب رحّال قرب موطن حضارة فضائية، ويرتبط احتمال حدوث ذلك بعدد الكواكب الرحالة عمومًا.

لا نعرف عددها حتى الآن، لكن وجودها مؤكد، ففي سنة 2021، أعلن فريق من الباحثين اكتشاف ما بين 70 و170 كوكبًا رحالًا في منطقة من درب التبانة، كل منها بحجم كوكب المشتري، وفي سنة 2020 اقترحت دراسة احتمال وجود نحو 50 مليارًا منها في مجرتنا.

من أين أتت كلها؟ من الوارد أن أغلبها طُردت من أنظمتها الشمسية بسبب أحداث الجاذبية، لكن بعضها قد يتشكل بالتراكم كما يحدث مع النجوم.

سحابة أورت في نظامنا الشمسي مصدر آخر للكواكب الرحالة، وإن احتوت الأنظمة الأخرى سحابة كهذه، فقد تكون مصدرًا غزيرًا للكواكب الرحالة المطرودة بسبب النشاط النجمي.

كتبت رومانوفسكايا: «تستطيع النجوم التي توازي كتلتها مرة إلى سبع مرات كتلة الشمس، الخاضعة لتطور ما بعد التتابع الرئيسي، بالإضافة إلى السوبرنوفا التي تتراوح كتلة منشئها بين سبع مرات وعشرين مرة كتلة الشمس، طرد أجسام سحابة أورت من أنظمتها لتصبح مستقلة عن نجومها المضيفة».

لكن كم مرة يمكن أن تتوقع الحضارات الفضائية أو حضارتنا مرور كوكب رحال بالقرب منها بمسافة تكفي للسفر إليه والعيش فيه؟ أظهرت دراسة أجريت عام 2015 أن النجم الثنائي W0720 المعروف بنجم شولز قد مر عبر سحابة أورت لنظامنا الشمسي منذ نحو 70000 سنة.

وبما أنه نجم وليس كوكبًا، فإنه يبين أن الأجسام تمر على مسافة قريبة نسبيًا. وإذا كانت الدراسات التي تتوقع وجود مليارات الكواكب الرحالة صحيحة، فيحتمل أن بعضًا منها قد مر قرب سحابة أورت أو عبرها قبل مدة طويلة من حيازتنا وسيلة تمكننا من رصدها.

صحيح أن سحابة أورت بعيدة جدًا، لكن حضارة متقدمة بما فيه الكفاية يمكنها رؤية كوكب رحال وهو يقترب والذهاب لملاقاته.

أما السيناريو الثاني فيتضمن استخدام التكنولوجيا لتأهيل كوكب رحال قريب من موطن حضارة ما، إذ يمكن باستعمال التكنولوجيا اختيار جسم من سحابة أورت في نظامهم الشمسي، على افتراض أنهم يمتلكون واحدة، واستعمال نظام الدفع لتوجيهه نحو مدار آمن قرب كوكبهم، لتتكيف أجسامهم خلال مدة كافية معه أو يمكن بناء ملاجئ تحت أرضية وبنيات تحتية أخرى، وباستعمال التكنولوجيا المناسبة أيضًا، قد يعدلون المجال الجوي أو يصنعون واحدًا.

السيناريو الثالث مشابه للثاني، فهو أيضا يتضمن جسمًا من النظام الشمسي الخارجي للحضارة المعنية، وقد استعملت رومانوفسكايا الكوكب القزم سِدنا في نظامنا الشمسي مثالًا.

لكوكب سدنا مدار يفتقر للتمركز، إذ يأخذه من مسافة 76 وحدة فلكية عن الشمس إلى 937 وحدة فلكية في غضون 11000 سنة. مع تكنولوجيا ومهلة زمنية كافيتين، يمكن لجسم مثل سدنا أن يُحوَّل إلى سفينة نجاة.

تشير المؤلفة: «ستكون الحضارات القادرة على فعل هذا حضارات متقدمة قد سبق لها استطلاع أنظمتها الكوكبية على مسافة تصل على الأقل إلى 60 وحدة فلكية من نجومها المضيفة».

لكن كثيرًا من المشاكل تبقى محتملة، فقد يسبب إحضار كوكب قزم من الأماكن البعيدة عن النظام الشمسي إلى داخله بلبلة مدارات الكواكب الأخرى، مؤديًا بذلك إلى كل أنواع المخاطر، لكن الأخطار ستكون أخف إذا كانت هذه الحضارة تعيش حول نجم يخضع لما بعد التتابع الرئيسي، وقد سبق لها وهاجرت وغيرت منطقة السكن. تناقش رومانوفسكايا الطاقة والوقت اللازمين بتفاصيل أكثر في مقالها.

يتضمن السيناريو الرابع أيضًا أجرامًا مثل سدنا، فعندما يغادر نجم ما التتابع الرئيسي ويتمدد فإن هناك مسافة حرجة حيث تُطرد الأجسام من النظام بدل بقائها مرتبطة جاذبيًا مع النجم المحتضر.

إذا تمكنت حضارة فضائية من أن تحدد بالضبط متى ستُطرد هذه الأجسام وتنطلق على شكل كواكب رحالة، فستتمكن من إعدادها مسبقا وركوبها خارج النظام الشمسي الهالك.

يتضمن هذا السيناريو أخطاء فائقة، إذ تخلق فترات الفقدان العنيف للكتلة بواسطة النجم مخاطر هائلة.

لا يعد الكوكب الرحال أو أي جسم آخر في كل هذه السيناريوهات موطنًا دائمًا، إنما قارب نجاة.

تشرح المؤلفة: «ليست الكواكب العائمة في كل السيناريوهات المذكورة أعلاه وسيلةً مستديمةً للنجاة من التهديدات الوجودية بسبب تناقص الإنتاج الحراري داخلها إذ ستفشل هذه الكواكب مع الوقت في الحفاظ على محيطات من الماء السائل، إن كان هذا النوع من المحيطات موجودًا».

الكواكب العائمة معزولة أيضًا ولديها موارد أقل من الكواكب التابعة لنظام شمسي، فليس هناك وقود أحفوري لاستخراجه مثلًا، ولا طاقة شمسية مجانية، لا توجد فصول ولا ليل ولا نهار، ولا نباتات ولا حيوانات أو حتى بكتيريا، إنها ببساطة مجرد وسيلة لبلوغ هدفنا.

كتبت رومانوفسكايا: «لذا بدلًا من جعل الكواكب الرحالة موطنًا دائمًا، سوف تستعملها الحضارات الفضائية للانتقال بين النجوم والوصول إلى الأنظمة الكوكبية الأخرى واحتلالها».

افترضت الأستاذة رومانوفسكايا في مقالها ما قد تقود إليه هذه السيناريوهات، فتصورت حضارة تنتقل عبر الكواكب الرحالة أكثر من مرة، ليس للنجاة من نجم محتضر، إنما للانتشار في المجرة واحتلالها، وقد كتبت: «قد تخلق الحضارة الأم بهذه الطريقة عدة حضارات فرعية مميزة ومستقلة تسكن مختلف الكواكب والأقمار ومناطق أخرى من الكون. ستتصرف حضارة المسافرين الكونيين المتطفلين بصفتها حضارة أم تنشر بذورها المتمثلة في حضارات فرعية على شكل مستعمرات لها في الأنظمة الكوكبية. وينطبق هذا على كل من الأنواع البيولوجية وما بعد البيولوجية».

ما زالت البشرية في المستويات المبكرة من الحماية ضد التأثيرات الكارثية للكويكبات، ولا يمكننا بعد إدارة مناخ كوكبنا بأي درجة من الاستقرار، لذا يبدو التفكير في استعمال الكواكب الرحالة للحفاظ على حياة البشر تدبيرًا بعيد المنال، لكن بحث رومانوفسكايا لا يتمحور حولنا، فهو يتناول استكشاف الحضارات الأخرى.

قد تخلق كل هذه الأنشطة آثارًا وتوقيعات تقنية تبين وجود حضارة فضائية. يختصر المقال البحثي ما قد تكون عليه هذه الحضارات وكيف يمكننا اكتشافها. قد تخلق الكواكب الرحالة المستخدمة قوارب نجاة توقيعات تقنية كالانبعاثات الكهرومغناطيسية أو ظواهر أخرى.

قد تستعمل حضارة فضائية الأشرعة الشمسية للتحكم في كوكب رحال، أو تستخدمها على سفينة فضائية مُطلقة من كوكب رحال بمجرد وصولها إلى وجهتها. وفي كلتا الحالتين، تنتج الأشرعة الشمسية توقيعًا تقنيًا هو الإشعاع السيكلوتروني.

سواء كانت مركبة فضائية أو كوكبًا رحالًا بأشرعة شمسية فإنه سينتج إشعاع سيكلوتروني ناجم عن تفاعل الوسط بين النجمي مع الشراع المغناطيسي.

زد على ذلك أن الأشعة تحت الحمراء المنبعثة في هيئة حرارة ضائعة من حضارة فضائية على كوكب رحال قد تعد توقيعًا تقنيًا آخر، فيمكن اعتبار أي كمية زائدة من الأشعة تحت الحمراء أو تغيرات غير طبيعية في كميتها توقيعًا تقني.

قد تشير الأشعة تحت الحمراء المنبعثة بشكل غير مستو من سطح الكوكب إلى هندسة تحتية أو تكنولوجيا، ويمكن أن يكون مزيج من الأطوال الموجية من الطاقة الكهرومغناطيسية أيضا توقيعًا تقنيًا.

يمكن للغلاف الجوي نفسه، إذا وجد، أن يحتفظ بتوقيعات تقنية، فاعتمادا على ما رُصد، يمكن أن يتضمن علامات واضحة لاستصلاح مناخي.

لا يعرف علماء الفلك حتى الآن عدد الكواكب الرحالة الموجودة أو إذا كانت تتركز في مناطق معينة من المجرة، فنحن مازلنا في بداية الطريق عندما يتعلق الأمر باستكشاف هذه الأشياء، لكننا قد نكوّن فكرة أفضل قريبًا.

من المفروض أن يرى مرصد فيرا روبين أول ضوء بحلول عام 2023. سيصور هذا المرصد العظيم السماء كاملة كل بضع ليال بتفاصيل دقيقة، إذ يحتوي على أفضل كاميرا صُنعت على الإطلاق: 3.2 غيغابايت CCD.

سيكون فيرا روبين جيدًا خصوصًا لاكتشاف عابري السبيل، أي شيء يغير موضعه أو لمعانه خلال يومين، وستتاح له فرصة جيدة لاكتشاف أي جسم خارجي -مثل الكواكب الرحالة- يقترب من نظامنا الشمسي.

يوجد احتمال قوي أن تظهر بعض هذه الكواكب الرحالة انبعاثات غير اعتيادية أو ظواهر غامضة، وقد يحتار العلماء بشأنها كما احتاروا بشأن الجسم الفضائي أومواموا.

لعل حضارة أكثر تقدمًا منا قد سبق لها وأن واجهت تهديدًا وجوديًا من نجمها المحتضر، ولعلها بذلت مجهودًا جبارًا لالتقاط كوكب رحال وهندسته ليتوافق مع احتياجاتها.

لعلهم قد سبق وركبوه ووجهوه نحو نجم أصفر بعيد مستقر ذي حياة طويلة، وكواكب صخرية في منطقته الصالحة للعيش، ربما يتساءلون إذا كانت هناك أي حياة في وجهتهم المقصودة، وكيف قد يُستقبلون بعد رحلتهم الطويلة.

نشر المقال في الأصل بواسطة Universe Today

اقرأ أيضًا:

هل السفر عبر النجوم ممكن؟

فلكيون يرصدون 170 من الكواكب الرحالة

 

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر