الضوء الذي ظهر للمرة الأولى بعد 380,000 سنة من الانفجار العظيم، أصبح مشوهًا بفعل المادة المظلمة، تمامًا كما تنبأ آينشتاين.

توصل العلماء إلى الخريطة التفصيلية الأدق للمادة المظلمة الغامضة، باستخدام أول ضوء ظهر للكون، إذ يمكننا القول إن آينشتاين كان على حق مجددًا.

الصورة الجديدة التي أُنشئت باستخدام الضوء المسافر عبر الزمن مدة 14 مليار سنة ضوئية بعد الانفجار العظيم، تُظهر مدى ضخامة ثنيات المادة بعد الانفجار العظيم، التي يمكن تشبيهها بالمحلاق وهو نوع من النباتات المتسلقة. أشكال تلك المحاليق تشبه بصورة ملحوظة ما تنبأ به آينشتاين باستخدام نظريته النسبية العامة.

تتعارض النتائج الجديدة مع خرائط المادة المظلمة، التي تقترح أن الشبكة الكونية العملاقة التي يتقاطع فيها غاز الهيدروجين والمادة المظلمة أقل تكتلًا مما تنبأت به خرائط آينشتاين.

قدم علماء الفلك نتائجهم في 11 أبريل في مؤتمر مستقبل العلوم مع CMB x LSS التابع للمعهد الياباني للفيزياء النظرية.

وفقًا لماتيو مادهافاشيريل، عالم الكونيات التابع لجامعة بنسلفانيا: «لقد أوجدنا خريطة جديدة للكتلة باستخدام اتجاهات الضوء الناتج من الانفجار العظيم، من المثير أنها توفر قياسات تعرض كلًا من تكتل الكون ومعدل نموه خلال 14 مليار عام من التطور، وهي تقارب توقعات نموذجنا المعياري لعلم الكونيات المعتمد على نظرية الجاذبية لآينشتاين».

يفترض العلماء أن الكون الذي تكون نتيجة الانفجار العظيم يعج بجسيمات المادة والمادة المضادة، التي تطابق المادة المناظرة لها تمامًا ولكن مع شحنة معاكسة.

ولما كانت المادة والمادة المضادة تفني بعضها بعضًا فور التصادم، إذن لفنى الكون بالكامل إذا كانت كمياتهما متساوية، ومن ثم لن ينشأ كوننا من الأساس. مع ذلك فإن «زمكان» كوننا يتوسع بسرعة، مع وجود التقلبات الكمومية التي ساعدت على الحفاظ على بعض من بلازما الكون.

وفقًا لقواعد النسبية العامة لآينشتاين، فإن الجاذبية ضغطت وسخنت تلك البلازما، ما ترتب عليه إرسال موجات صوتية –تُسمى التذبذات الباريونية- تتموج باتجاه الخارج بعيدًا عن التكتلات، بسرعة بلغت نصف سرعة الضوء.

عملت تلك التموجات العملاقة على دفع المادة التي لم تفنى جراء التصادم إلى الخارج، ما خلق شبكة كونية وليدة تكونت من سلاسل رفيعة من الشرائط تحيط بعدد لا يُحصى من الفراغات الكونية، مثل تجمعات من فقاعات الصابون في الحوض.

فور أن تبرد تلك المادة، تتجمع لتنشأ النجوم الأولية، التي بدورها كُدست في مجرات غنية بالمادة التي تقابلت على نقاط خيوط الشبكة المتداخلة.

سابقًا، درس علماء الفلك تلك الشبكة الكونية التي أظهرت تناقضًا كبيرًا، إذ كانت المودة موزعة بتساو بدرجة أكبر، وأقل تكتلًا من المتوقع، وكان ذلك نذيرًا يخبرنا بأن نماذجنا الكونية الحالية تفتقر إلى فيزياء مهمة.

للبحث بعمق في ذلك التناقض الواضح، استعان باحثون بلتسكوب أتاكاما لعلوم الكونيات التابع لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية في تشيلي، إذ مسح ربع السماء الليلية بالكامل بين عامي 2007 و2022، باستخدام كاشف الأمواج الميكروية فائق الحساسية.

يلتقط التلسكوب الضوء من خلفية الإشعاع الكوني الميكروي المخلف من الانفجار العظيم -أول ضوء تحرر من الكون، بعد 380,000 سنة من الانفجار العظيم- وباستخدام عملية تسمى العدسات التثاقلية، رُسمت خريطة لتركيزات المادة في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي.

تحدث ظاهرة العدسات التثاقلية عندما يمر الضوء بالقرب من منطقة شوهت في الزمكان بسبب وجود حقول جاذبية قوية تسببها الكتل الضخمة، حينئذ يُشوه الضوء ويلتف ويتكرر -كأنه ينعكس في مرآة ترفيهية- حتى يظهر مثل قوس ممتد للخارج، يُسمى حلقة آينشتاين.

يمكن للعدسات التثاقلية الكشف عن وجود المادة المظلمة، التي تُكوّن أكثر من 85% من مادة الكون ولا يمكن رصدها مباشرةً.

تتناقض الخريطة الجديدة مع سابقتها التي صُنعت بواسطة الضوء المرئي الصادر عن المجرات، وأظهرت أن نظرية آينشتاين الأصلية كانت أدق بكثير مما يُظن.

إذن ماذا يعني ذلك فيما يتعلق برؤيتنا لتطور لكوننا؟ ما زال مبكرًا أن نجزم بشيء.

اقترح الباحثون إضافة خرائط جديدة صنعت باستخدام بيانات مرصد أتاكاما، والملاحظات التي يزودنا بها مرصد سيمونس، وهو تلسكوب قيد الإنشاء بصحراء أتاكاما يمكنه مسح السماء أسرع بعشر مرات مقارنةً بمرصد أتاكاما، يمكنه في النهاية حل اللغز الكوني المحير.

اقرأ أيضًا:

قد توجد كواكب كاملة مصنوعة من المادة المظلمة. كيف نجدها؟

اكتشافات مذهلة قادمة لتلسكوب جيمس ويب حول المادة المظلمة والكواكب الخارجية

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: تسبيح علي

المصدر