لا تتشابه بصمات الأصابع بين الأشخاص أبدًا. حتى في حالة التوائم المتطابقة، فإن لكل فرد نمط دائري خاص به على أطراف يديه وقدميه مختلف عن الآخر.

كان لدى العلماء شكوكهم حول العوامل التي تُكوّن النمط الفريد للبصمات عند كل شخص، وحاولوا تحديد هذه العوامل والآليات بدقة.

بذل فريق دولي من الباحثين جهدًا كبيرًا لدراسة الأسباب المباشرة والدقيقة التي تؤدي إلى ظهور هذه التموجات المميزة في البشرة، بتطبيق مجموعة متنوعة من الإجراءات على الفئران والأنسجة البشرية والخلايا المزروعة والجينات.

تبدأ النتوءات وأخاديد الجلد الصغيرة الموجودة على أطراف أصابع الإنسان بالتكون في الأسبوع الثالث عشر من عمر الجنين. عند الولادة، تتوقف عملية تكون هذه الخطوط وتبقى كما هي بقية العمر، ولا تتأثر بأي نوع من تآكل البشرة أو تلفها في مرحلة الشيخوخة.

تتشكل التوائم أحادية الزيجوت من بويضة ملقحة واحدة. وبحلول وقت الولادة، يتعرض كل فرد لمجموعة من الطفرات الجينية المختلفة في الرحم، ما يجعل التوءمين غير متطابقين بنسبة 100%.

تبلغ فرصة تطابق بصمات أصابع التوائم عند الولادة نحو 1 لكل 64 مليار، وهو احتمال نادر للغاية، ولم تُسجل أي حالة من هذا القبيل حتى الآن.

قد يكون سبب اختلاف بصمات أصابع التوائم هو أن جيناتهم مختلفة قليلًا. لكن توجد أيضًا مجموعة من العوامل الدقيقة الأخرى التي تؤدي دورًا في اختلافهم، مثل المسارات الجزيئية التي تشارك المعلومات وتوجه التعليمات بين الجينات.

تُعرف هذه العوامل باسم مسارات الإشارات، وهي حساسة جدًا وتتأثر بالمحددات الرئيسية لنمو الجنين داخل الرحم، ما يعني أن كل شخص يُترجم هذه الإشارات بطريقة مختلفة عن الآخر، حتى التوائم المتطابقة.

المحددات الرئيسية لنمو الجنين داخل الرحم هي العوامل الوراثية والتغذوية والبيئية والجنينية.

الدراسة الحالية أجراها باحثون من جامعة إدنبرة. تحدد الدراسة ثلاث سلاسل مختلفة من الإشارات يُعتقد أنها مسؤولة عن تكوين بصمات الأصابع، وهي:

  •  مسارات (Wnt).
  •  البروتين المكون للعظام.
  •  مستقبلات إشارات خلل التنسج الخارجي.

حُددت هذه السلاسل من الإشارات بمراقبة تطور الخلايا البشرية في المختبر، وتحقق الباحثون من دورها على نطاق أكبر بدراسة نماذج الفئران.

لا تمتلك الفئران بصمات أصابع مثلنا، لكن لديها حواف عرضية من الجلد على أصابعها تتطور بطريقة مشابهة لتطور أظفار البشر، مع درجة أقل من التعقيد.

لوحظت التغيرات التالية عند كل من الفئران والبشر:

  •  تحفز مسارات (Wnt) نمو النتوءات في الطبقة الخارجية من جلد الأصبع.
  •  مسار البروتين المكون للعظام هو المسؤول عن إيقاف تكوين هذه النتوءات.
  •  تساعد مستقبلات إشارات خلل التنسج الخارجي على تشكيل الجلد وحجمه وتباعد حوافه.

لوحظ أنه عند إيقاف التعبير عن نشاط مستقبلات إشارات خلل التنسج الخارجي في نماذج الفئران، لم تُظهر أصابعها حوافًا عرضية، بل نمطًا شبيهًا بنمط البولكا.
«نمط البولكا هو مجموعة من النقاط المستديرة الكبيرة التي تتكرر لتشكل نمطًا منتظمًا على القماش».

قد يُفسر «نمط تورينج» للتفاعل والانتشار أن بصمات أصابعنا تبدو مختلفة تمامًا عن الآخرين، إذ يشرح هذا النمط كيفية تشكيل حواف الأصابع عبر ما يُسمى طريقة الدفع والسحب.

نمط تورينج هو مفهوم رياضي طوره آلان تورينج عام 1952 لشرح كيف تُظهر الخطوط والبقع في الطبيعة اختلافات دقيقة وعشوائية في بنيتها.

يوضح نموذج تورينج أنه عند اصطدام مادتين قابلتين للانتشار، لا تكون النتيجة هي نفسها دائمًا. إذ تهتز كلا المادتين بطريقة عشوائية وتتصادم بطرق مختلفة، ما يؤدي إلى فوضى يصعب التنبؤ بها.

الأمر مشابه لخطوط الحمار الوحشي، إذ يعتقد العلماء أن هذا التعقيد هو أيضًا جزء من هذه البنية الدقيقة الغنية بالتفاصيل في كل بصمة لدينا.

عند البشر، تميل هذه النتوءات إلى التكون أولًا في أطراف الأصابع وأسفلها ووسطها، قبل أن تنتشر في سائر الجسم.

منطقيًا، إذا تكونت العديد من الخطوط الدائرية في فترة زمنية صغيرة، فيجب أن تتشكل متقاربةً. إذا التقت مجموعة من الخطوط والدوائر بخطوط أخرى في أجزاء مختلفة من اليد، فقد تُشكل دوامات وأقواسًا وحلقات حول بعضها.

الأمر يشبه ما يحدث عند التقاء عدة تيارات متقاطعة في المحيط، ما يجعل الموج يظهر أنماطًا معقدة. أيضًا، تؤثر العديد من العوامل الدقيقة في تشكيل بصمات الأصابع، مثل العمر الذي يبدأ عنده تشكل هذه الخطوط، وموقعها وزاويتها.

كتب المؤلفون: «يُحدد التقاء الخطوط -المُشكّلة للبصمات في عدة مواقع عشوائية- نمط بصمات الأصابع، إضافةً إلى العشوائية المتأصلة في نمط تورينج، التي تعطي تفردًا خاصًا لكل بصمة».

أيضًا، قد تؤدي الاختلافات التشريحية الدقيقة دورًا في تشكيل بصمات أصابعنا. يمكن تشبيه ثنايا الأصابع، التي تشكل حدودًا وتمتزج بها الخطوط الأخرى، مثل صخرة في مجرى النهر.

وتتكون في كل من أجنة البشر والفئران غدد عرقية عند أطراف الأصابع، تؤدي إلى المزيد من تمايز البصمات.

يقول الباحثون:«كل هذه العوامل هي جزء معقد من عملية التطور، وتُنشئ نظامًا ديناميكيًا يؤدي إلى تباين غير محدود في أنماط بصمات الإنسان التي نراها اليوم».

اقرأ أيضًا:

بعد هذه الدراسة أصبح الغرض من بصمات الأصابع موضع تشكيك لدى العلماء

هل سمعت يومًا عن بصمة الحمض النووي؟ فلنتعرف عليها

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر