في مجرة تبعد 250 مليون سنة ضوئية، وتسمى AGC 114905، لم يتمكن علماء الفلك من العثور على أي أثر للمادة المظلمة، حتى بعد 40 ساعة من المراقبة الدقيقة والتحاليل المتتالية، وقد زاد هذا الاكتشاف الجديد من حيرتنا تجاه المجرات الخالية من المادة المظلمة.

إن النتيجة -التي ستُنشر في الملاحظات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية والمتاحة على خادم ما قبل الطباعة arXiv- تؤيد نظرية المجرات التي تفتقر على نحو غامض إلى المادة المظلمة، على الرغم من أنها محورية في نماذجنا الخاصة بتطور المجرات.

قال عالم الفلك بافيل مانسيرا بينيا من جامعة جرونينجن وأسترون في هولندا: «هذا بالطبع ما فكرنا به، ونأمله، لأنه يؤكد قياساتنا السابقة».

وأضاف: «إن المشكلة حاليًا أن النظرية تتنبأ بوجود مادة مظلمة في AGC 114905، ولكن ملاحظاتنا تقول أن تلك المادة المظلمة غير موجودة. في الواقع، الفرق بين النظرية والملاحظة يزداد اتساعًا باستمرار».

المادة المظلمة هي واحدة من أكبر ألغاز الكون. لا نعرف ماهيتها لأننا لا نستطيع رصدها مباشرةً، ولكننا نعلم أن هنالك كتلة تسبب مجموعة من التأثيرات في الكون لا يمكن تفسيرها بالمادة الطبيعية وحدها.

النجوم، مثلًا، تدور حول مجراتها بسرعة أعلى مما يمكن تفسيره من طريق مجال الجاذبية للمادة العادية. والطريقة التي ينحني بها مسار الضوء في أثناء انتقاله عبر حقول الجاذبية الهائلة في الفضاء بين المجرات هي طريقة مختلفة.

يعتقد علماء الفلك أن المادة المظلمة تساعد على تكوين المجرات. هنالك شبكة من المادة المظلمة غير المرئية تمتد عبر الكون، والجاذبية التي تولدها تساعد المادة العادية على التجمع في مجرات. ووفقًا لنماذجنا، تساعد المادة المظلمة أيضًا هذه المجرات على التماسك معًا، فهي إذن عامل من عوامل الارتباط الكوني.

لكن علماء الفلك وجدوا ما يدل على وجود مجرات دون مادة مظلمة في السنوات الأخيرة، ما يتعارض مع اعتقادنا عن كيفية وجود الكون. لذلك، عندما وجد مانسيرا بينيا وزملاؤه ست مجرات تبدو خالية من المادة المظلمة، كما وُصف في بحثهم عام 2019، قرروا إلقاء نظرة فاحصة.

AGC 114905 هي ما نسميه بالمجرة القزم الفائقة الانتشار. إنها بحجم مجرة درب التبانة، ولكنها أقل إضاءة بكثير، وتحتوي على عدد أقل بكثير من النجوم (أقل بنحو ألف مرة)، ونظرًا إلى أن لديها القليل جدًا من المادة الطبيعية، يُعتقد أن هذه المجرات يجب أن تتماسك معًا بوساطة المادة المظلمة.

لذلك ألقى الباحثون نظرة فاحصة على AGC 114905 باستخدام نظام NRAO الكبير جدًا في نيو مكسيكو، وحصلوا على ما مجموعه 40 ساعة من بيانات المراقبة بدقة مكانية أعلى بكثير من المعتاد. بعد ذلك، رسموا بعناية منحنى دوران المجرة (السرعة المدارية للأجسام في المجرة، بدلالة المسافة التي تفصلها عن مركز المجرة).

وهذه إحدى أكثر الطرق شيوعًا لحساب كمية المادة المظلمة في المجرة، يمكن تفسير الأجسام التي تدور في مدار سريع جدًا عن طريق إضافة المادة المظلمة، ويؤثر مقدار المادة المظلمة في السرعة المدارية الإضافية.

لكن منحنى الدوران لمجرة AGC 114905 لا يحتاج إلى وجود المادة المظلمة، ويمكن تفسيره ببساطة بوساطة كمية المادة العادية وحدها. هذا يعني أن كمية المادة المظلمة في هذه المجرة تبدو ضئيلة.

ويمثل هذا مشكلة كبيرة لأنه لا يبدو أن أيًا من تفسيرات الافتقار إلى المادة المظلمة مناسب. أحد هذه التفسيرات هو أن هنالك مجرة ضخمة قريبة قد تكون جردت AGC 114905 من مادتها المظلمة، كما يبدو في حالة مجرة أخرى اكتُشفت ولا تحتوي على مادة مظلمة، DF4.

قال مانسيرا بينيا: «لكن لا يوجد شيء من هذا». «وفي إطار تكون المجرات الأكثر شهرة، هنالك ما يسمى بنموذج المادة المظلمة الباردة، سيتعين علينا تقديم قيم متغيرات تتجاوز المجال المعتاد. أيضًا، مع ديناميكيات نيوتن المعدلة (نظرية بديلة للمادة المظلمة الباردة)، لا يمكننا إعادة إنتاج حركات الغاز داخل المجرة».

في حالات المجرات الأخرى التي تحتوي على كميات غير طبيعية من المادة المظلمة، يمكن أن نكون ببساطة قد أخطأنا في تقدير المسافات. قال الباحثون إن المسافة إلى AGC 114905 مقيدة جيدًا.

يعترف الباحثون أنه من الممكن أن تكون زاوية الملاحظة المقدرة خاطئة، وهو ما قد يمكن من تفسير النقص الواضح في المادة المظلمة، ولكنهم قالوا إن مثل هذا النقص يحتاج إلى هامش خطأ ضخم جدًا.

إضافةً إلى ذلك، أظهرت جميع المجرات الست من دراساتهم الأولية سلوكًا مشابهًا في مجموعة من الانحناءات المختلفة. وقال الباحثون إن هذا يشير إلى أن السلوك ليس نتيجة خطأ منهجي. إنهم يجرون حاليًا متابعة مفصلة لمجرة ثانية فائقة الانتشار لمحاولة الوصول إلى عمقها.

قد تترك هذه النتائج إذا تأكدت آثارًا مهمة جدًا في مدى فهمنا لتطور المجرات.

وكتب الباحثون: «لقد عززنا ووضحنا النتائج السابقة حول الطبيعة والديناميكيات المذهلة للمجرات فائقة الانتشار والغنية بالغاز. ومع ذلك، ما يزال أصلها ومساراتها التطورية الدقيقة لغزًا كبيرًا».

أظهر العمل الحالي أيضًا أن المجرات فائقة الانتشار والغنية بالغاز هي مجموعة واعدة لدراسة المادة المظلمة، إذ يمكنها توفير أدلة هامة لفهم طبيعتها.

اقرأ أيضًا:

وجد العلماء مجرةً دون أي مادة مظلمة تقريبًا.. إليك ما يعنيه ذلك

توصل علماء الفلك إلى حل لغز المادة المظلمة، محتفظين بنماذج تكون المجرات

ترجمة: آدم عابد

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: حسين جرود

المصدر