بدأ العمل على بناء مختبر جين بينغ الصيني تحت الأرض (CJPL) -وهو الآن أكبر وأعمق منشأة تحت الأرض في العالم- بعد ترقية المشروع إلى CJPL-II للكشف عن ألغاز المادة المظلمة.

ظلت هذه المادة غير المرئية -التي تمثل أكثر من 80% من مادة الكون- بعيدة المنال حتى مع الجهود الحثيثة التي بذلها العلماء في العقود المنصرمة.

يقع CJPL-II أسفل جبل جين بينغ في مقاطعة ليانغشان يي ذاتية الحكم في سيتشوان -وهو مدفون تحت صخرة مذهلة يبلغ ارتفاعها 2400 متر(1.49 ميل)- ما يحمي المنشأة من الأشعة الكونية ومؤثرات أخرى تحيط بها قد تتسبب بتشويه البيانات المجموعة عن المادة المظلمة.

تتميز المنشأة -التي تبلغ مساحتها 330 ألف متر مكعب- بإمكانية الوصول الأفقي الاستثنائي، ما يسمح ببناء مرافق كبيرة تحت الأرض بكفاءة، وهذا ما أشار إليه ويك هاكستون أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي.

كيف يكتشف المختبر جسيمات المادة المظلمة؟

يتمثل الهدف الأساسي لـ CJPL-II باكتشاف جسيمات المادة المظلمة، التي يُعتقد أنها تمر عبر المادة العادية دون التفاعل مع الضوء.

يضم المختبر كاشفين محدثين للمادة المظلمة لتحقيق ذلك، وهما PandaX وCDEX.

يستخدم PandaX الزينون السائل للكشف عن جزيئات المادة المظلمة المحتملة. تلتقط أجهزة الاستشعار ومضات ضوئية عندما تصطدم هذه الجسيمات بذرات الزينون، ما يوفر بيانات مهمة للعلماء.

يعمل CDEX كاشفًا للجرمانيوم عالي الحساسية، ويسجل الإشارات الكهربائية عندما تتفاعل جزيئات المادة المظلمة معه.

يُعزز الجمع بين نتائج الكاشفين فرص التقاط جسيمات المادة المظلمة الصعبة، حتى لو كانت نادرة جدًا.

تُركز أجهزة الكشف في المقام الأول على تحديد الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs)، وهي مرشح رئيسي للمادة المظلمة.

لم تُرصد هذه الجسيمات -التي تنبأ بها العلماء منذ أكثر من ثلاثة عقود- على نحو ملموس بعد، مثلما يتضح من النتائج التي توصلت إليها أجهزة كشف WIMP الأكثر حساسية في العالم في عام 2021.

مع ذلك، لا تقتصر أبحاث المادة المظلمة على الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs)، إذ إن البدائل الأخرى -مثل الأكسيونات- أيضًا قيد الدراسة.

يترقب العلماء مساهمة مختبر جينبينج المحدث في استكشاف هذه البدائل بشدة، بما في ذلك إمكانيات المادة المظلمة ذاتية التفاعل (SIDM)، التي تتفاعل فيها جزيئات المادة المظلمة مع بعضها.

تُمكّن القدرات الفريدة لـ CJPL-II من الإجابة عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالمادة المظلمة، مثل طبيعة تركيبها.

تُشير النظرية السائدة في الوقت الراهن إلى أن المادة المظلمة تتكون من جسيمات دون ذرية لم تُكتشف بعد، مع تعدد النظريات البديلة التي تتحدى هذه الفكرة.

قد يُساعد المختبر المحدث على اكتشاف تفاعل جسيمات المادة المظلمة، وحل هذه المعضلة المتعلقة بالمادة المظلمة.

أكد عالم الفيزياء الفلكية ماثيو ووكر من جامعة كارنيجي ميلون على أهمية مهمة CJPL-II، مشيرًا إلى أن اكتشاف جسيم المادة المظلمة سيكون إنجازًا هائلًا.

أعرب عن ترقبه قائلًا: «لقد انتظرنا وقتا طويلًا لمعرفة ماهية المادة المظلمة».

تمتد أهمية CJPL-II إلى ما هو أبعد من أبحاث المادة المظلمة، إذ ستكون مرافقها المحدثة عونًا للعلماء الذين يسعون وراء اكتشاف أسرار الكون.

يستمر العلماء في الاعتماد على قدرات المختبر الفريد من نوعه في مجال أبحاث المادة المظلمة وغيرها، وسيساعد تحديثه على تسليط الضوء على أحد أكثر ألغاز الكون إرباكًا.

اقرأ أيضًا:

الساعات الذرية قد تكشف أخيرًا عن المادة المظلمة وتراقبها

خريطة اللاشيء: علماء ينجحون برسم خريطة لتوزيع المادة المظلمة!

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: ميرڤت الضاهر

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر