يؤمن علماء الفلك أن أقدم المجرّات تشكلت حول هالات عملاقة من المادة المظلمة. إلا أن مجرة حديثة الاكتشاف يعود تاريخ تشكلها لما يقارب 13 مليار سنة ظهرت بشكل فجائي على أنها تشكَّلت بزمن أبعد كثيرًا مما كنا نبني عليه أبحاثنا.
توصّل تلسكوب جيمس ويب مؤخرًا إلى الكشف عن مجرة ضخمة جدًا في الكون المبكر، لم تكن متوفرة في أبحاثنا، تُشكِّل تحديًا كبيرًا للنموذج المعياري لعلم الكونيات وفقًا لمؤلفي الدراسة.
أطلق العلماء على المجرة اسم ZF-UDS-7329، عدد نجومها أكبر من عدد نجوم درب التبانة، مع أنها تشكلت بعد 800 مليون سنة فقط من عمر الكون الذي يمتد إلى 13.8 مليار سنة. وهذا يعني أنها تشكلت بطريقة ما من دون تدخُّل المادة المظلمة، على عكس لوائح النموذج المعياري لنشوء المجرات.
لم يتضح بعد كيفية حدوث أمر كهذا، ولكن يشبه كثيرًا اكتشافات سابقة لتلسكوب جيمس ويب لمجرات ضخمة أخرى مبهمة التشكل نشأت في الكون المبكر، وهذا يهدد بتغيير فهمنا حول كيفية تشكل المادة الأولية أو ربما النموذج القياسي لعلم الكونيات بحد ذاته.
نشر الباحثون نتائجهم المستحدثة في 14 فبراير 2024 في مجلة Nature.
قالت الباحثة المشاركة كلوديا لاغوس بروفيسورة مشاركة في علم الفلك في المركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي،: «وجود تلك المجرات الشاسعة المواكِبة للمراحل المبكرة من تشكل الكون، تثير إشكاليات كبيرة تؤثر في النموذج المعياري لعلم الكونيات لدينا».
تضيف لاغوس: «ذلك لأن البنى الضخمة للمادة المظلمة التي يُعتقد أنها تُشكِّل عناصر ضرورية للحفاظ على المجرات في وقت مبكر من تكوينها، لم تكن قد تشكلت بعد في هذا الوقت المبكر من تاريخ الكون».
تَشكُّل هذه المجرة المكتشفة حديثًا يفضي إلى أنها تكونت قبل زمن بعيد من تشكُّل المادة المظلمة وخارج إطار النماذج البحثية التي وضعها علماء الفلك.
ينتقل الضوء بسرعة ثابتة في الفراغ الفضائي، وكلما نظرنا بعمق في الكون، زاد عدد الأشعة الضوئية التي نلتقطها، وكلما تقدمنا في الرصد، توجهنا إلى الوراء في الزمن. وهذا ما مكَّن الباحثين من استخدام تلسكوب جيمس ويب لرصد مجرة ZF-UDS-7329 التي يصل عمرها تقريبًا إلى 11.5 مليار سنة.
بعد دراسة الأطياف الضوئية القادمة من نجوم هذه المجرة البعيدة للغاية، اكتشف الباحثون أن النجوم وُلدت قبل 13 مليار سنة تقريبًا.
إن علماء الفلك غير متأكدين متى بدأت تتجمع وتتراكم أولى كريات النجوم في المجرات التي نراها اليوم، ولكن تقديرات علماء الكونيات أن تلك المرحلة من التشكُّل بدأت ببطء خلال مئات الملايين من السنين الأولى بعد الانفجار الكوني العظيم.
تشير النظريات الحالية إلى أن هالات المادة المظلمة (مادة غامضة وخفية يُعتقد أنها تشكِّل ما يقارب 25% من الكون الحالي) تقترن مع الغاز لتشكِّل أولى بذور المجرات. بعد مرور مليار إلى ملياري عام من بدء التكوُّن، بدأت تتشكَّل أولى المجرات وكانت صغيرة متناثرة وبدأت في دورة نمو قد نصفها بأنها مبكرة لتشكِّل مجرات قزمة، تتداخل مع بعضها في عمليات اندماج مجرّاتية وتتَّسق في مساراتها لتغدو مثل مجرتنا.
إلا أن الاكتشاف الجديد فنَّد هذا الرأي القائل: «لم يكن تبلور المجرة يحدث دون وجود كمية كافية من المادة المظلمة المتراكمة التي تشكل جزءاً أساسيًا من عملية التكوين. وبعد فترة قصيرة من تكوين مفاجئ للنجوم، توقفت المجرة فجأةً عن النشاط، ما يعني أن تكوين النجوم فيها توقف.
تقول الباحثة ثيميا ناناياكارا المشاركة في الدراسة، وهي عالمة فلك في جامعة سوينبورن للتكنولوجيا في أستراليا: «هذا يدفع حدود فهمنا الحالي لكيفية تشكُّل المجرات وتطورها».
وتضيف: «السؤال الرئيسي الآن هو كيف تشكَّلت المجرات بسرعة هائلة وفي وقت مبكر جدًا في الكون؟ وما الآليات الغامضة التي تؤدي إلى توقف تكوين النجوم فيها فجأة، بينما تستمر هذه العملية بصورة معتادة في باقي أنحاء الكون؟».
تقتضي الخطوات الجديدة للباحثين أن يبحثوا عن المزيد من المجرات المشابهة لهذا النمط. إذا وجدوا ايًا منها فقد تتعارض جديًا مع أفكار سابقة حول تشكُّل المجرات، وهذا ما أعلنه الباحثون.
اقرأ أيضًا:
تلسكوب جيمس ويب الفضائي يرصد أبعد أربع مجرات شوهدت على الإطلاق
اكتشافات مذهلة قادمة لتلسكوب جيمس ويب حول المادة المظلمة والكواكب الخارجية
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: ريم الجردي
