قادت ميزة غريبة في ميكانيكا الكم الباحثين إلى ابتكار بلورة بيريليوم قادرة على كشف الحقول الكهرومغناطيسية الضعيفة للغاية، وقد تُستخدم في الكشف عن جسيمات المادة المظلمة الافتراضية التي تسمى الأكسيونات. ابتكر الباحثون بلورتهم الكمومية من طريق حصر 150 جسيم بيريليوم مشحون أو أيونات باستخدام نظام من الأقطاب الكهربائية والحقول المغناطيسية التي ساعدت الجسيمات على تجاوز التنافر الطبيعي فيما بينها. هذا ما صرحت به عالمة الفيزياء الفلكية آنا ماريا راي من مؤسسة JILA؛ مؤسسة مشتركة بين المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا وجامعة كولورادو بولدر.

عندما حصرت راي وزملاؤها الأيونات باستخدام نظام الحقول والأقطاب الكهربائية، تجمعت الأيونات ذاتيًا لتشكل صفيحة مسطحة تبلغ ثخانتها ضعفي ثخانة شعرة إنسان. تشبه هذه المجموعة المنظمة بلورة تهتز عندما تتسبب قوة خارجية ما باضطرابها.

قالت راي: «لا تتحرك الذرات عند إثارتها كل ذرة على حدة، بل تتحرك جميعها». تحركت تلك البلورة استجابةً لمواجهة حقل كهرومغناطيسي، ويمكن ترجمة هذه الحركة إلى مقياس لشدة الحقل. لكن قياسات أي نظام ميكانيكا كمومي تخضع إلى قيود مبدأ الشك لهايزنبيرغ الذي ينص على أنه لا يمكن معرفة خصائص جسيم ما مثل الموقع والزخم بدقة عالية في آن واحد.

استخدام أيونات البيريليوم في الكشف عن الأكسيونات

استخدام أيونات البيريليوم في الكشف عن الأكسيونات

اكتشف الفريق طريقة للتغلب على هذه القيود عن طريق التشابك، فترتبط خصائص الجسيم ببعضها تلقائيًا. قالت راي: «يمكّننا التشابك من فهم أشياء ليست ممكنة بخلاف ذلك. ربطت -هي وزملاؤها- حركات أيونات البيريليوم مع دورانها. تمثل الأنظمة الكمومية قممًا صغيرة ويصف الدوران الاتجاه -إلى أعلى أو إلى أسفل مثلًا- الذي تشير إليه هذه القمم.

سوف تتحرك البلورة قدرًا معينًا عندما تهتز. لكن بسبب مبدأ الشك، فإن أي قياس لتلك الإزاحة أو مقدار تحرك الأيونات سوف يخضع إلى قيود الدقة ويحتوي على الكثير مما يعرف بالضجيج الكمومي، وفقًا لما قالته راي. وأضافت: «نحن بحاجة إلى إزاحة أكبر من الضجيج الكمومي، لقياس الإزاحة».

ينشر التشابك بين حركات الأيونات ودورانها الضجيج، ما يؤدي إلى تقليله ويسمح للباحثين بقياس التقلبات الصغيرة للغاية في البلورة. اختبر الباحثون النظام من طريق إرسال موجة كهرومغناطيسية ضعيفة عبره ورؤيته يهتز. البلورة أكثر حساسية بعشرة مرات تجاه كشف الإشارات الكهرومغناطيسية الصغيرة من بقية أجهزة الاستشعار الكمومية السابقة. لكن الفريق يعتقد أنه بالإمكان صناعة كاشف أكثر حساسية قادر على الكشف عن الأكسيونات باستخدام المزيد من أيونات البيريليوم.

الأكسيونات عبارة عن جسيمات مادة مظلمة افتراضية خفيفة للغاية كتلتها تعادل جزءًا من مليون أو مليار كتلة الإلكترون. تقترح بعض نماذج الأكسيون أنه قادر على التحول إلى فوتون أحيانًا، لن يبقى الأكسيون في هذه الحالة مظلمًا وسوف ينتج حقلًا كهرومغناطيسيًا ضعيفًا. إذا تطايرت أية أكسيونات عبر مختبر يحوي بلورة البيريليوم هذه، عندئذ قد تكشف البلورة وجودها.

قال عالم الفيزياء النظرية -غير مشارك في البحث- دانييل كارني من مختبر لورنس بيركلي الوطني في كاليفورنيا: «أعتقد أنها نتائج جميلة وتجربة مدهشة».

يعتقد كارني بأنه بالإضافة إلى المساعدة في البحث عن المادة المظلمة، يمكن الاستفادة من هذا العمل في تطبيقات عديدة مثل البحث عن الحقول الكهرومغناطيسية الضالة من الأسلاك في مختبر أو البحث عن العيوب في مادة ما.

اقرأ أيضًا:

هل يرتبط الوعي البشري بالفيزياء الكمومية؟

تجربة جديدة في فيزياء الكم قد تغير رؤيتنا للعالم الواقعي

ترجمة: ربيع شحود

تدقيق: حسين جرود

المصدر