في ظل التضخم الذي يضرب العالم عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، يسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى بسط سيطرته على الوضع المالي في الأسواق بسياسات نقدية وإجراءات متعددة، علّها تكون الحل لهذه الأزمة الخانقة.

مؤخرًا، أخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي قرارًا بالإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة. ويشير مثل هذا القرار إلى أن محافظي البنوك المركزية يعتقدون أن الوقت قد حان للتوقف على الأقل مؤقتًا، في حملتهم العدوانية لترويض التضخم الجامح. ومع ذلك، تشير أحدث البيانات، ناهيك عن العديد من العوامل الأخرى، إلى أن الوقت قد حان للتوقف عن هذه السياسة.

في 14 يونيو 2023، اختار بنك الاحتياطي الفيدرالي عدم رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ أحد عشر اجتماعًا مضى، وترك سعر الفائدة المستهدف -وهو معيار لتكاليف الاقتراض عبر الاقتصاد العالمي- في نطاق من 5٪ إلى 5.25٪.

على مدار عشرة ارتفاعات متتالية بدأت في شهر مارس 2022، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنسبة 5 نقاط مئوية.

قال البنك المركزي في بيان له: «إن الحفاظ على النطاق المستهدف ثابتًا في هذا الاجتماع يسمح للجنة بتقييم المعطيات الإضافية المستجدة وانعكاساتها على السياسة النقدية».

وأشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه ما يزال يتوقع رفع أسعار الفائدة مرتين أخريين بحلول نهاية العام.

في سياق متصل يقول أحد الخبراء الاقتصاديين الذين يتابعون إجراءات البنك المركزي: «أعتقد بوجود سبب وجيه للاعتقاد بأن فترة التوقف القصيرة للاحتياطي الفيدرالي من المرجح أن تتحول إلى إجازة دائمة».

التضخم الظاهر مبالغ فيه

أظهرت أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلك، التي صدرت في الثالث عشر من يونيو، أن التضخم الأساسي -المقياس المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة- انخفض إلى معدل سنوي قدره 5.3٪ في مايو 2023، وهو الأبطأ وتيرةً منذ نوفمبر 2021، وبالطبع أقل من ذروة بلغت 6.6٪ في سبتمبر 2022.

بينما تُظهر البيانات أن التضخم ما يزال أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي عند حوالي 2٪، يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيستمر في الانخفاض بغض النظر عما يفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي.

المأوى أو السكن، وهو مقياس لتكلفة امتلاك أو استئجار منزل، هو أكبر عنصر في مؤشر أسعار المستهلك، إذ يمثل أكثر من ثلث الإجمالي.

في أحدث تقرير لمكتب إحصاءات العمل أفاد أن تكاليف السكن ارتفعت بنسبة 8٪ عن العام الماضي، وبعد تهميش ذلك، ارتفع التضخم بنسبة 2.1٪ فقط.

وبات من الواضح أن البيانات التي أبلغ عنها مكتب الإحصاءات هذا لا تعكس حقيقة ما يحدث في سوق الإسكان الحالي.

يعتمد مكتب إحصاءات العمل على مسح يقيس أسعار الإيجارات من 50000 عقد إيجار، وقِّعَ العديد منها خلال فقاعة الإيجارات في 2021 و2022.

المقياس الأفضل لإيجارات السوق الحالية هو مؤشر Zillow Observed Rent Index (مؤشر لمراقبة الإيجارات)، ويشير هذا المؤشر إلى أن المعدلات آخذة في الانخفاض (ارتفعت الإيجارات بنسبة 4.8٪ على أساس سنوي في مايو)، بما يتماشى مع معدلات ما قبل الوباء.

تشير مقارنة المقياسين إلى أن بيانات مؤشر أسعار المستهلك الرسمية تتخلف عن السوق بمقدار أربعة إلى ستة أشهر. إن استخدام الإيجارات الحالية من شأنه أن يجعل التضخم أقرب بكثير مما يريده بنك الاحتياطي الفيدرالي.

أنشأ جيسون فورمان، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للحكومة، نسخة معدلة من التضخم الأساسي الذي يستخدم مقياسًا يعتمد على السوق لأسعار السكن عند 2.6٪.

مخاطر ارتفاع الأسعار

من المرجح أن تكون زيادة أسعار الفائدة أكثر ضررًا من نفعها -خاصة للقطاع المصرفي- ولا تساعد على خفض التضخم إلى ما دون مساره الحالي.

انهار العديد من المقرضين الإقليميين، بما في ذلك Silicon Valley Bank وFirst Republic، في وقت سابق من هذا العام بعد عمليات التصفية المصرفية. إذ كان لديهم مجتمعين أكثر من نصف تريليون دولار في الأصول.

من بين العديد من العوامل، كان أحد العوامل المهمة وراء انهيار البنوك هو الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، التي تسببت في انخفاض قيمة العديد من أصولها. عملت البنوك على تلبية احتياجات المودعين بحسابات تتجاوز عتبة 250 ألف دولار أمريكي التي تحميها المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع. وقد جن جنون المودعين عندما علموا بمدى الخسائر المصرفية.

هذا الاضطراب، مع معدلات فائدة أعلى، يهدئ أيضًا النشاط التجاري، وهذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة كما كان سيفعل.

هناك المزيد من المشكلات تلوح في الأفق على القطاع المصرفي. في الأيام الأخيرة، حذرت شخصيات بارزة في صناعة التمويل، مثل ديفيد سولومون الرئيس التنفيذي لشركة جولدمان ساكس، ووزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سمرز، من أن ما يقرب من 1.5 تريليون دولار في شكل قروض عقارية تجارية ستتطلب إعادة تمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

من المرجح أن يؤدي الجمع بين أسعار الفائدة المرتفعة بالفعل ومعدلات إشغال المكاتب المنخفضة إلى إجبار البنوك على تحمل خسائر قروض بمئات المليارات من الدولارات، ما يضع المزيد من البنوك على حافة الانهيار.

وإذا استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءًا.

تكرار الأخطاء ليس من الحكمة

كان الاحتياطي الفيدرالي متأخرًا وراء المنحنى في عامي 2021 و2022 في إدراك أن التضخم كان يخرج عن نطاق السيطرة، وكان بطيئًا تاريخيًا في إدراك تأثير معدلات الإيجار على التضخم.

يجب أن يمنح التوقف المؤقت عن رفع أسعار الفائدة في يونيو الاحتياطي الفيدرالي وقتًا لأخذ قسط من الراحة، وإلقاء نظرة على البيانات، عله يدرك أن التضخم أقرب إلى هدفه مما يبدو.

لكن إذا استمر في رفع أسعار الفائدة، الاعتقاد الشائع حينها أن البنك المركزي سيكرر نفس الأخطاء التي ارتكبها في الماضي.

اقرأ أيضًا:

كيف أفلس بنك سيليكون فالي وسيغنتشر؟

ما هي اتفاقية سقف الدين الأمريكي الجديدة

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: علام بخيت كباشي

المصدر