إن فكرة تحويل كويكب إلى محطة فضائية ليست مجرد خيال علمي بل هي هدف ملموس يسعى لتحقيقه ديفيد جينسن؛ المتقاعد التقني البارز من شركة روكويل كولينز. وقد وضع جينسن خطة مُحكمة وواقعية توضح كيف يمكن جعل هذا الحلم حقيقة وبأسعار معقولة.

أول خطوة في هذا المسعى هي اختيار الكويكب المناسب للتحويل؛ إذ يجب أن يكون هذا الكويكب قريبًا من الأرض، وله مكونات مناسبة وحجم مثالي.

وقع الاختيار بعد دراسة مُعمقة على كويكب (أَتيرا) بوصفه مرشحًا مناسبًا. إذ يتميز هذا الكويكب بقطر يبلغ نحو 4.8 كم، ويمتلك قمرًا خاصًا به، إضافةً إلى موقعه في (منطقة جولديلوكس) الذي يجعله مثاليًا بالنسبة لدرجة الحرارة.

ما بعد الاختيار، يأتي التفكير في تصميم المحطة وكيفية جعلها مأهولة. وهنا، يمعن الدكتور جينسن النظر في أربعة أنواع محتملة للمحطة، وهي الأثقال (dumbbell)، والكُرة، والأسطوانة، والدائرة. ويُمثل تحقيق الجاذبية الصناعية هنا عاملًا رئيسيًا في هذا التصميم، ويجب تدوير المحطة لإحداث قوة طرد مركزي تحاكي الجاذبية على الأرض.

لا يقف الدكتور جينسن عند هذا الحد فقط، فهو يدرس كيفية استخدام مواد مثل الزجاج ليكون عنصرًا هيكليًا، ويحدد القوى التي قد تؤثر في هذه المواد، إضافةً إلى أنه يبحث في كيفية حماية المحطة من الإشعاعات وتحديد حجم المساحة السكنية اللازمة.

هذه ليست مجرد رؤية لمستقبل بعيد، ولكنها خطة عملية ومدروسة تمهد الطريق لفهم إمكانات الإنسان في الفضاء وتحقيقها. إذ يُعد هذا المشروع خطوة جريئة نحو مستقبل يمكن للإنسان فيه أن يعيش ويزدهر خارج كوكب الأرض، ويكشف عن فرص وتحديات قد تُشكّل جزءًا من مستقبلنا الفضائي القريب.

وجّه الدكتور جينسن اهتمامه إلى أربعة أشكال محتملة للمحطة، وهي الأثقال (dumbbell)، والكُرة، والأسطوانة، والدائرة في سعيه لتطوير موطن فضائي جديد.

اختير الشكل النهائي بعد دراسة عميقة لمتطلبات الحياة في الفضاء، مثل تحقيق (الجاذبية الصناعية) عبر استخدام قوة الطرد المركزي وتأثير الجاذبية المنخفضة في الكائنات الحية، إضافةً إلى اختيار المواد المناسبة للبناء وحماية المَوطن من المخاطر الفضائية.

استقر الدكتور جينسن على تحويل الكويكب إلى الشكل الدائري بصفته الخيار الأفضل؛ لأنه يمكن التحكم فيه بسهولة ويوفر مساحة كبيرة للسكن. وتوجّهت الأفكار نحو التفاصيل الهندسية والإنشائية، مثل كيفية دعم الجدران الداخلية وتوزيع المساحة.

في مرحلة التنفيذ، تطرق الدكتور جينسن إلى فكرة استخدام روبوتات ذاتية التكاثر تشبه العناكب؛ إذ تتمكن هذه الروبوتات من بناء المحطة باستخدام المواد المتوفرة على الكويكب. وسيكون الإرسال الأولي كبسولةً (بذرة) تحتوي على أربعة روبوتات ومحطةً أساسيةً بوزن 8.6 أطنان مترية فقط.

ما يجعل هذه الفكرة غير عادية هو التكلفة والوقت المتوقعَين لها. ومع تكلفة مقدارها 4.1 مليار دولار، تبدو هذه الخطة رائدة مقارنةً ببرامج الفضاء التقليدية، مثل برنامج أبولو الذي كان من المتوقع أن تبلغ كلفته 93 مليار دولار. وبالنظر إلى المساحة التي ستقدمها هذه المحطة، يبلغ سعر المتر المربع 4.10 دولارات فقط؛ مبلغ يبدو معقولًا على نحو لا يصدق لبناء الأرض في الفضاء.

إن هذه الفكرة، على الرغم من طابعها الخيالي، تمثل خطوة محتملة نحو مستقبل يسمح للبشر بالعيش والعمل في الفضاء. ويُقدم الدكتور جينسن نظرة ثاقبة ومبتكرة تستحق الاهتمام والاستثمار، فهي قد تفتح الأبواب أمام فصل جديد من التوسع الإنساني في العالم الخارجي.

ذلك أن النظر في تطوير موطن فضائي صناعي يمثل مغامرة طموحة تتسم بالجرأة والابتكار. فالأفكار التي يقدمها الدكتور جينسن ليست مجرد أحلام بعيدة، ولكنها تحديدًا خطة تفصيلية تعكس مستوىً جديدًا من التفكير الاستراتيجي والرؤية الفضائية.

مبدئيًا، نحن نواجه مشروعًا يتيح إرسال كبسولة تزن 8.6 أطنان مترية فقط، وهي تحمل روبوتات على شكل عناكب ومكونات أخرى ضرورية إلى الكويكب لبناء موطن فضائي كامل. ولا يتجاوز هذا الوزن قدرات الصواريخ الحديثة، ما يجعل المشروع قابلًا للتنفيذ من الناحية التكنولوجية.

يأتي بعد ذلك تدقيق النظر في التكلفة والوقت. بمبلغ 4.1 مليار دولار وفترة زمنية قدرها 12 عامًا، نجد أن المشروع لا يستلزم موارد ضخمة مقارنةً ببرامج فضائية سابقة. وتوضح هذه التكلفة والجدول الزمني أن المشروع لا يتعارض مع إمكانيات الدول الكبيرة أو حتى مع أصحاب رؤوس الأموال الذين يهتمون بالفضاء، مثل جيف بيزوس وإِيلون ماسك.

ولكن ماذا عن التحديات التي قد تواجهها؟ بالتأكيد، يجب أن نعترف بأن هذه المشروع يتطلب درجة عالية من الابتكار والتقنية. إذ لا يكفي فقط بناء الروبوتات، بل يجب أيضًا تزويدها بالقدرة على بناء موطن فضائي ذاتي التحكم ومستدام، الأمر الذي يستلزم معرفة واسعة في مجالات، مثل الهندسة وعلوم الفضاء والبيولوجيا.

مع تقدمنا في العصر الحديث، يتسع نطاق آفاقنا ويزداد اهتمامنا بالفضاء، ليس فقط بوصفه مجالًا للبحث والاستكشاف، بل لأنه مكانًا محتملًا للعيش والعمل. وفي هذا السياق، يأتي مشروع الدكتور جينسن ليقدم نظرة جديدة ومثيرة لما قد يكون عليه مستقبل البشرية في الفضاء.

ذلك ليس مجرد تخيل علمي أو فانتازيا مستقبلية، بل خطة مدروسة ومتكاملة تستند إلى التكنولوجيا الحالية والمستقبلية. ويفتح هذا المشروع الباب لفهم جديد لما يمكن تحقيقه بوصفنا جنسًا بشريًا، ويوفر نموذجًا ملموسًا لكيفية تحويل الفضاء من مجرد مجال للدراسة إلى موطن جديد قابل للسكن.

في عالم يسعى باستمرار نحو الابتكار والتجديد، يمثل مشروع الدكتور جينسن خطوة محتملة نحو فجر جديد في تاريخ البشرية؛ إذ يستطيع الإنسان أن يعيش ويعمل في الفضاء على نحو لم يسبق له مثيل.

اقرأ أيضًا:

ما الذي سَيحل مكان محطة الفضاء الدولية بعد تدميرها في عام 2031؟

كويكب عمره يقارب 4.6 مليار سنة قد يكشف سر تواجد مياه على سطح كوكبنا

ترجمة: محمد حسام

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر