عادةً ما نتساءل عن سبب ارتداء لاعبي كرة القدم سترات سوداء تحت قميصهم الخارجي دون أن نعرف فائدتها. إنها سترات مزوّدة بجهاز يحتوي نظام التموضع العالمي، وظيفته اتباع حركات اللاعبين وتنقلاتهم ثم تسجيلها، إضافة إلى معلومات عن السرعة والمسافات المقطوعة لكل لاعب.

لا تختلف نوعية رقائق نظام التموضع العالمي الموجودة في هذه السترات كثيرًا عن الموجودة في الأجهزة الذكية، مع ذلك تستطيع تسجيل ما يقارب 1250 نقطة بيانات خلال الثانية الواحدة.

قبل عام 2015 لم تسمح الفيفا للاعبين بارتداء السترات في أثناء مبارياتهم الرسمية، وكان الأمر مقتصرًا على تدريباتهم ليعرف المدربون نقاط الضعف لديهم والعمل على تحسينها، أو لأهداف علمية وبحثية.

لم تمتلك النوادي الرياضية دافعًا قويًا لتجريب هذه التقنية حتى قرر النادي الإنجليزي سوانزي سيتي اعتمادها رسميًا في المباريات.

بعد ذلك، اعتُمدت كجزء أساسي ضمن حزمة لاعب كرة القدم الحديثة؛ لأهميتها في تمكين المعنيين من جمع البيانات مباشرة، وتقييمها لمعرفة أداء اللاعبين ومقارنتها مع الطرق القديمة التقليدية، التي تكوّن تقييمات شخصية مبنية على أساس الكاميرات الرقمية أو المراقبة الواقعية من داخل أرض الملعب، وغالبًا ما تكون هذه التقييمات منحازة وغير دقيقة.

استخدام نظام التموضع العالمي لتحليل الأداء

تُمثِّل السترات المُزودة بنظام التموضع العالمي إحدى أهم الأدوات المستخدمة لتحليل أداء اللاعبين؛ لأهميتها في جمع المعلومات بدقة عالية.

في التدريبات، تُجمع البيانات المهمة عن اللاعبين وتُسجَّل في جهاز لوحي خاص بالمعنيين من مدربين أو محللي أداء.

يقول محلل الأداء توماس أدامز: «لتجنب تسجيل البيانات غير المهمة، التي قد تكون ناجمة عن خطأ تقني لدى أحد الأجهزة أو تكون فعليًا بلا قيمة، نقص بداية كل حدث يهمنا ونهايته؛ ما يجعل عملية التحليل أسهل عند إجراء تقارير اللعبة».

تكون مهمة المُحلل استخراج نتائج تفيد في تقييم أداء اللاعبين، التي لا نستطيع استخراجها بالملاحظة أو مراقبة اللاعبين بوساطة الكاميرات الرقمية.

عادةً ما تُسجّل مراكز تموضع اللاعبين باستخدام كاميرات عديدة موزعة في الملاعب، لكن باستخدام السترات المزودة بنظام التموضع العالمي تصبح عملية المراقبة أقل كلفة وأعلى دقة؛ لما توفره من إحداثيات دقيقة.

تُهيكل البيانات الواردة في بنية معطيات تسمى الخريطة الحرارية.

تسهل عمليات قراءة المعطيات لدى توصيفها بهذه البنية كونها تُظهر أماكن تموضع اللاعبين بالنسبة للملعب في أثناء المباراة؛ ما يساعد المحلل على قراءة نتائج شاملة عن المباراة.

مثلًا، قلة التغطية في الجناح الأيسر أو الأيمن أو إذا كان خط الدفاع مغطًى بالكامل، تساعد هذه التفاصيل المدربين على إعطاء ملاحظات للاعبين لتدارك أمر ما.

استخدام نظام التموضع العالمي للحفاظ على سلامة اللاعبين

يهتم العلماء والباحثون في مجال الرياضة بهذه البيانات كما يهتم بها محللو الأداء والمدربين، إذ يستخدمونها لقياس لياقة اللاعبين لمعرفة القدرة الجسدية لكل لاعب، وتقليل مخاطر الإصابة الناجمة عن خلل في الأداء.

يستخدم المدربون نظام التموضع العالمي أيضًا للمساعدة على تحديد التمرين الذي يجب التركيز عليه لكل لاعب.

تُخزّن بيانات اللاعبين في جداول تسمح لاحقًا للمختصين بمراقبة التحولات الإيجابية أو السلبية في أدائهم.

مثلًا، في أثناء مباراة الفريق الإنجليزي برينتفورد، راقب مدربه كريس هاسلام البيانات الآنية لللاعبين، وبناء عليها قرر من يجب استبداله ومن يجب إبقاؤه، وكل ذلك عبر جهازه اللوحي.

يقول الباحث في الرياضة ماثيو كينغ: «عند مراقبة بيانات اللاعبين ومعرفة عدد الأمتار المقطوعة في الدقيقة الواحدة، يتبين لنا بعد خمس دقائق بضرورة استبدال أي لاعب قد يُبدي بوادر سلبية تؤثر في سير المباراة».

يضيف: «تسمح أيضًا هذه البيانات للاعبين بتحسين أدائهم تلقائيًا وزيادة شدة المنافسة عند الحصول عليها في أثناء المباراة».

قد يحصل اللاعب على هذه المعلومات عبر ساعة يد ذكية، هذا ما حصل للاعب المنتخب الأرجنتيني إريك لاميلا عند نشره لإحصائياته في إحدى المباريات مباشرةً عبر إنستغرام.

من المسؤول عن تزويد ملاعب كرة القدم بنظام التموضع العالمي؟

المنافسة من أهم أعراف كرة القدم، وعند ذكرها لابدّ من أن الفكرة الأولى التي قد تخطر على البال هي التي تكون بين اللاعبين، ولكن يوجد منافسات ذات تأثيرات غير مباشرة في الكواليس وهي الماركات العالمية، إذ تزوّد هذه الماركات اللاعبين بالسترات المُزوّدة بنظام التموضع العالمي.

لا يوجد مهيمن بالكامل على هذه المنتجات، إذ يختلف الراعي الرسمي لها تبعًا للدوري أو حتى الدولة.

مثلًا، في الدوري الإنجليزي تكون شركة ستاتسبورتس STATSports هي المزوّد الرئيس لهذه السترات، ولديهم تعامل رسمي مع نادي أرسنال ونادي شمال لندن، وبذلك تُطرح السترات بشعارات هذه النوادي في الأسواق وتكون متاحة للبيع للعامة.

يمكن شراء السترات وارتداؤها للمقارنة بين أداء مرتديها ولاعب من نادي أرسنال مثلًا.

يوجد شركات أخرى مثل شركة كاتابلت؛ مزود ذو شهرة واسعة في الأسواق الأمريكية، وشركة جبيكس الإيطالية التي تقدّم السترات لأندية الدوري الإيطالي.

مستقبل نظام التموضع العالمي في ملاعب كرة القدم

لا تقتصر عمليات شراء السترات المزودّة بنظام التموضع العالمي على أصحاب أو رعاة الأندية.

في عام 2019، جمع معجبو نادي دوفر الرياضي نحو 4000 جنيه إسترليني لشراء 20 سترة للاعبي الفريق، ونتيجةً لفائدة هذه السترات بدأت أيضًا معظم الأندية شبه المحترفة بإدخالها رسميًا ضمن حزمة لاعبيها.

بدأت تقنيات جمع البيانات تجذب انتباه جميع اللاعبين لا سيما اليافعين منهم؛ لفائدتها في لفت انتباه كبار الأندية لما تقدمه من أرقام وإحصائيات عن مواهبهم وقدراتهم، ما يُسهّل عملية إقناع الأندية من جدوى الاختيار والاستثمار بهم.

في عام 2022 دعا نادي أرسنال 22 يافعًا، أعمارهم بين 14 و18 عامًا لتجارب انتقاء لاعبين ضمن ملعب إماراتي.

نتيجة لذلك، اختار النادي لاعبين اثنين بناء على قياس أدائهم وجودتهم في تسجيل الأهداف باستخدام سترات وتطبيق من شركة ستاتسبورت.

نهاية، يزداد الاعتماد على التكنولوجيا يوميًا؛ لما تقدمه من سهولة وراحة في مكان استخدامها، ولذلك أصبحت هذه السترات جزءًا لايتجزأ من ملابس لاعبي كرة القدم، والتي قد تُطرح يومًا كضمادة ساق أو يد.

اقرأ أيضًا:

صناعة أجهزة GPS بهامش خطأ لا يتعدى السنتيمتر

نظرية فيثاغورس هي أساس عمل نظام التموضع العالمي (GPS)

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر