تلسكوب كيبلر التابع لـ”ناسا” شكل مرصدًا في الفضاء خارج الغلاف الجوي للأرض، مخصصًا للعثور على كواكب خارج نظامنا الشمسي مع التركيز بشكل خاص على العثور على كواكب قد تشبه الأرض. بقي كيبلر في الخدمة لمدة 9 سنوات، فقد أطلق في مارس 2009 وتوقف عن العمل في 15 نوفمبر 2018. منذ إطلاق المرصد، اكتشف علماء الفلك الآلاف من الكواكب الخارجية، أي الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، من خلال هذا التلسكوب وحده. معظم هذه الكواكب تتراوح بين حجم الأرض ونبتون (أي أربعة أضعاف حجم الأرض). اكتشف العديد من هذه الكواكب في منطقة صغيرة من كوكبة Cygnus، حيث وُجّهت عدسات كيبلر في السنوات الأربع الأولى من مهمته نحو تلك المنطقة من السماء حصرًا.

اكتشف كيبلر 2682 كوكبًا مؤكدًا خارج المجموعة الشمسية خلال فترة مهمته المذكورة أعلاه، فضلًا عن أكثر من 2900 كوكبًا مرشحًا، لم يتسنّ للعلماء تأكيد وجودها ولكنهم يعتقدون أن معظم هذه الكواكب موجودة فعلًا. استمرت المهمة إلى ما هو أبعد من تاريخ الانتهاء المحدد لها، ولكن بعض المشاكل أجبرت مديري المهمة على تغيير مهمة كيبلر الأساسية واستبدالها بمهمة جديدة أسميت: مهمة K2 إذ تتوجه عدسات Kepler إلى مناطق مختلفة من السماء بدل التركيز على منطقة واحدة حصرًا كما في المهمة الأولى.

تلسكوب كيبلر الفضائي التسلكوب الكبير اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية اكتشاف كواكب صالحة للحياة تلسكوب ناسا لرصد الكواكب

في السنوات الأولى من رصد الكواكب الخارجية، تمكن علماء الفلك من العثور على كواكب غازية عملاقة -مثل حجم كوكب المشتري أو أكبر- في مدارات قريبة جدًا من نجومها فقد كان حجم هذه الكواكب يسهل عملية رصدها. أما كيبلر فقد عثر على كثير من الكواكب بحجم الأرض بالإضافة إلى عدد من الكواكب أكبر قليلًا من حجم الأرض لها سطح صخري أطلق عليها العلماء اسم “الأرض الفائقة” أو كواكب أكبر قليلاً من الأرض. تسمح اكتشافات كيبلر أيضًا لعلماء الفلك بتصنيف الكواكب الخارجية في مجموعات، ما يساعد على فهم أصولها.

المهمة الأساسية الأولى:

أطلق تليسكوب كيبلر الذي تبلغ تكلفته 600 مليون دولار عام 2009 مع توقع أن تستمر هذه المهمة لمدة عام واحد فقط. وهي جزء من برنامج ديسكفري التابع لناسا والذي يستهدف المركبات الفضائية منخفضة التكلفة نسبيًا لاستكشاف النظام الشمسي. اختير كيبلر في عام 2001 في نفس الوقت الذي كان فيه المكوك الفضائي “داون” يزور الكوكبين القزمين Vesta و Ceres داخل مجموعتنا الشمسية.

يراقب تلسكوب كيبلر منطقة واحدة في كوكبة Cygnus، حيث يتواجد 100000 نجم. يرصد كيبلر هذه المنطقة باستمرار ويراقب لمعان كل نجم منها على مدار الساعة. أما الكواكب فيعتقد العلماء أنهم يعثرون على كوكب يدور حول نجم معين عندما يرصدون خفوتًا في ضوء نجم ما بينما يمر هذا الكوكب أمامه. ويتناسب حجم الكوكب طرديًا مع مقدار خفوت ضوء النجم أما بعد الكوكب عن الشمس فيمكن للعلماء تقديره بعد احتساب مدة دوران الكوكب حول نجمه باستعمال قوانين الفيزياء الكلاسيكية.

ولكن خفوت ضوء النجم يمكن أن تكون له أسباب أخرى غير مرور كوكب أمامه، إذ يمكن لتأثير مرور نجم آخر أن يحدث التأثير نفسه، حتى أن مرور بعض الغبار الفضائي قرب عدسة كيبلر قد يتسبب في خفوت لمعان نجم ما.

تلسكوب كيبلر الفضائي التسلكوب الكبير اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية اكتشاف كواكب صالحة للحياة تلسكوب ناسا لرصد الكواكب

التحقق عبر التعددية:

ومع ذلك، في فبراير 2014، ابتكر علماء الفلك تقنية جديدة تسمى “التحقق عبر التعددية” أو ما يسمى بالإنجليزية: “verification by multiplicity”، والتي تسمح باكتشاف النجوم التي تدور حولها كواكب متعددة. يعتقد العلماء بأن النجمة ذات الكواكب المتعددة حولها مستقرة الجاذبية، بينما سيكون للنجم الذي يعد جزءًا من نظام نجمي ثنائي أو ثلاثي جاذبية غير مستقرة بسبب تأثير هذه النجوم على بعضها. من خلال هذه التقنية، كشف الفريق عن 715 كوكبًا مؤكدًا دفعة واحدة.

تمت الموافقة على تمديد مهمة Kepler فقد كان التلسكوب ما يزال يقوم بعمله بشكل جيد حتى مايو 2013، إذ تعطلت قدرة التلسكوب على تركيز عدسته نحو منطقة واحدة ولكن معظم الأجزاء الباقية كانت ما تزال تعمل. في ذلك الوقت، قالت ناسا أن التلسكوب ما يزال في حالة جيدة، وتفكر في ابتكار مهمة بديلة للجهاز.

كان الإنجاز الرئيسي لكيبلر هو اكتشاف مجموعة متنوعة من أنظمة الكواكب في المنطقة المرصودة. حيث كان نظامنا الشمسي هو النظام الوحيد المعروف لنا قبل كيبلر. بعض أنظمة الكواكب هذه تتضمن مجموعات كواكب لا يبعد أقصاها عن نجمه أكثر مما يبعد عطارد عن الشمس. بعض الكواكب المكتشفة تدور حول نجمين، على طريقة كوكب Tatooine في فيلم: Star Wars. وفي اكتشاف مثير لأولئك الذين يبحثون عن حياة خارج الأرض، كشف التلسكوب أن الكواكب الصخرية الصغيرة المشابهة للأرض هي أكثر شيوعًا من الكواكب الغازية العملاقة مثل كوكب المشتري.

أبرز إنجازات كيبلر:

أصدرت ناسا إعلانًا مهما في فبراير 2014، عندما سمحت لها أول سنتين من مهمة كيبلر بتأكيد وجود 715 كوكبًا خارجيًا. ضاعف هذا الإعلان عدد الكواكب الخارجية المعروفة إلى حوالي 1700.

في مايو 2016، أعلنت ناسا تأكيد اكتشاف كيبلر لـ 1284 كوكبًا جديدًا. في ذلك الوقت، بلغ إجمالي عدد الكواكب التي عثر عليها كيبلر بمفرده 2235 كوكبًا، وبلغ إجمالي عدد الكواكب الخارجية التي اكتشفت من قبل جميع المراصد حوالي 3200.

في يونيو 2017، جاء الإصدار النهائي للبيانات من مهمة كيبلر الرئيسية. لقد اكتشف كيبلر 2335 كوكبًا مؤكدًا أما إذا أضفنا الكواكب المحتملة، فسيبلغ العدد الإجمالي 4034.

لقد اكتشف كيبلر أيضًا عددًا من الكواكب الصخرية بحجم كوكب الأرض أو أكبر قليلا تدور حول نجومها في المنطقة الصالحة للحياة أي حيث تسمح حرارة سطح الكوكب بوجود المياه السائلة.

اكتشافات فريدة:

من بين الكواكب الغريبة الأخرى التي اكتشفها التلسكوب اثنان يدوران حول النجم: Kepler-62 وهما: Kepler-62e و Kepler-62f. تشير كثافة هذين الكوكبين إلى احتمال أن يكونا عالمين من المياه أي أن كامل سطح الكوكب مغمور بالمياه – على عكس الأرض، التي تحتوي على جزء كبير من اليابسة. يبعد الكوكبان حوالي 1200 سنة ضوئية في كوكبة ليرا وهي قريبة من حجم الأرض.

كشفت ملاحظات كيبلر طويلة المدى للنجمة KIC 8462852 عن وجود نمط غريب من الخفوت واللمعان. ما يزال علماء الفلك يحاولون التعرف على طبيعته، إذ يفسره البعض أنه نتيجة مرور عدد كبير من المذنبات أمام النجم أما آخرون ففسروه بادئ الأمر على أنه بنية ضخمة لحضارة فضائية متطورة غير أن الأبحاث اللاحقة بينت أن الاحتمال الأخير غير مرجح.

لقد تم استغلال قدرة كيبلر على النظر إلى السطوع المتغير للنجوم لرصد مجموعة معروفة من النجوم لا تبعد سوى 400 سنة ضوئية إذ يمكن رؤيتها بالعين المجردة تعرف باسم: Pleiades. وقد كانت هذه النجوم محط أنظار العلماء لفترات طويلة.

نهاية المهمة:

تم تزويد كيبلر بثلاثة جالونات (12 كيلوغرامًا) من الهيدرازين عند إطلاقه. يعمل هذا الوقود على تشغيل أدوات الدفع التي تساعد في تصحيح مسار التلسكوب وإجراء بعض المناورات إذا لزم الأمر، بالإضافة الى التواصل مع كوكب الأرض وتوصيل البيانات العلمية وتلقي الأوامر. لا يحتوي كيبلر على مقياس دقيق لكمية الوقود فيه. يمكن للمهندسين فقط تقدير وقت نفاد الوقود.

في مارس 2018، أعلنت ناسا أنها تتوقع أن يجف خزان وقود المركبة الفضائية في غضون أشهر من تاريخه. بعد مرور أكثر من سبعة أشهر بقليل، في 30 أكتوبر، أكدت ناسا أن كيبلر قد نفد وقوده، وأن المركبة الفضائية قد توقفت رسميًا في 15 نوفمبر.

بينما انتهت مهمة كيبلر، هناك مركبة فضائية أخرى في وضع يمكّنها من أن تحل محلها. أنشأت ناسا مركبة فضائية جديدة أكثر تطورًا لرصد الكواكب الخارجية تدعى: Transiting Exoplanet Survey Satellite أو القمر الصناعي لاستكشاف الكواكب الخارجية، اختصارًا: TESS وأطلق هذه المهمة في 18 أبريل 2018 وبدأت في جمع البيانات في 25 يوليو. على عكس كيبلر، لم يتم توجيه TESS في اتجاه واحد فقط؛ بدلاً من ذلك، من المقرر أن تمسح المركبة حوالي 85٪؜ من السماء خلال مهمتها الأولية التي تبلغ عامين. يتوقع مسؤولو البعثة أن تكشف TESS أدلة على وجود عشرات الكواكب الصخرية القريبة من كوكبنا، والكثير من الكواكب الأخرى من جميع الأنواع.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: أسامة أبو إبراهيم

تدقيق: م. قيس شعبية

المصدر