في الحياة اليومية على كوكب الأرض، قد نعد غسل الملابس عملية بسيطة وروتينية. نضع الملابس في الغسالة، نضغط على زر، وبعد فترة وجيزة تكون جاهزة للارتداء مرةً أخرى. ولكن بالنسبة لرواد الفضاء مع عدم وجود الغسالة تصبح هذه المسألة البسيطة تحديًا معقدًا. لا توجد غسالات على متن محطة الفضاء الدولية ولا ماء كافٍ لغسل الملابس، ولا يوجد مكان لتجفيفها. إضافة إلى ذلك، تُعد البدلات الفضائية التي يجب ارتداؤها خلال الأنشطة خارج المحطة معقدة ومكلفة وليست سهلة التنظيف أو الاستبدال.

ومع طول مدة الإقامة في الفضاء، قد تصبح هذه المشكلة مزعجة وحتى خطيرة. فالروائح الكريهة هي أقل ما يمكن التحدث عنه، وقد تنمو البكتيريا والفطريات في هذه البيئة المغلقة، ما يثير قلقًا حقيقيًا بشأن الصحة والسلامة.

داخل محطة الفضاء الدولية، يرتدي رواد الفضاء ملابس توفر لهم الراحة، وتشمل ملابسهم العادية قمصانًا بأكمام قصيرة وبنطلونات طويلة، وهي ملابس عادية.

لكن رواد الفضاء يحتاجون إلى ملابس استثنائية عندما يكونون خارج البيئة المُكيَفة في المحطة، حيث تكون بدلات الفضاء الضخمة التي توفرها وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) مثل مركبات فضائية مصغرة تحميهم من بيئة قد تصل درجة حرارتها إلى 250 درجة فهرنهايت في ضوء الشمس وتصل إلى سالب 250 درجة في الظل.

وقد يتعرق رواد الفضاء داخل البدلة رغم وجود أنابيب تبريد تمتص حرارة الجسم. قد تستغرق الأنشطة خارج المركبة (EVAs) ساعات من العمل الشاق. وللحفاظ على الدفء والضغط، يجب على رواد الفضاء ارتداء طبقات متعددة، ومنها طبقة داخلية تشبه الملابس الداخلية الطويلة، التي يُعاد ارتدائها وحتى مشاركتها. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو عدم وجود غسالات في المحطة. نظرًا لقيمة الماء، فإن غسل البدلة في المدار ليس خيارًا. ولهذا السبب طلبت ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وغيرها من المنظمات من خبراء النسيج دراسة مشكلة التلوث البيولوجي في البدلات الفضائية وتطوير أقمشة قد تحلها.

يؤدي العمل الشاق في معدات ثقيلة إلى التلوث، وبعد التجارب المحاكاة للأنشطة خارج المركبة على الأرض، تعلم الفنيون الذين يساعدون على خلع بدلات رواد الفضاء أن يحولوا وجوههم بعيدًا عند فتح السحاب لأول مرة لتجنب الرائحة الكريهة، وبحسب جيرنوت غرومر مدير المنتدى الفضائي النمساوي الذي يُعد مجموعة بحث تجري مهمات فضائية محاكاة: «كل شخص يرى تلك البدلات الفضائية البيضاء اللامعة، ولكن لا أحد يعرف كيف هي رائحتها في المحطة، إنها ليست ممتعة».

مع استخدام هذه البدلات مرارًا وتكرارًا، تتجاوز المخاوف روائح الجسم الكريهة إلى مخاطر صحية ونظافة. قد تزداد إشكالية التلوث البيولوجي، التي تشمل بقايا الإنسان والبكتيريا وغيرها من المواد الغريبة، مع تزايد رحلات رواد الفضاء خارج مدار الأرض المنخفض إلى القمر.

تقول مالغورزاتا هولينسكا مهندسة المواد والعمليات في وكالة الفضاء الأوروبية: «قد لا يكون غسل داخل البدلات الفضائية على أساس مستمر عمليًا في المستوطنات القمرية». تستثمر هذه الوكالة في طرق غير عادية للحفاظ على نظافة البدلات، مثل المواد الكيميائية المضادة للبكتيريا التي تنتجها الميكروبات.

في مركز ناسا جونسون للفضاء واجهت المهندسة إيفلين أورندوف وفريقها مشكلة ملحة، فمع تمديد مدة البقاء على محطة الفضاء الدولية، أصبحت الميكروبات مشكلة خطيرة في بدلات الفضاء. فكيف يمكن تطهيرها دون التسبب في مشكلات أخرى؟

بدأ الفريق بتقييم عدة طرق لقتل الجراثيم على الأقمشة، وجرت التجارب باستخدام النحاس والفضة، وكلاهما له خصائص مضادة للميكروبات. ولكن بعد مراقبة نمو الجراثيم مدة 14 يومًا، كانت الفضة هي المركب الوحيد الذي أظهر فعالية. لكن الفضة كانت فعّالة جدًا وتقتل كل شيء، حتى الميكروبات الضرورية لصحة الإنسان.

أظهرت التجارب أن التراكيز المنخفضة من المركبات المضادة للميكروبات لا تكون فعّالة. وقد تقلل بعض الميكروبات مؤقتًا، لكن المقاومة ستظل موجودة. كان العلماء قلقين من تهييج الجسيمات المضادة للميكروبات لأي شخص يرتدي القماش أو يلوث محطة الفضاء. ومن ثم توقف استخدامها بسبب التحديات التي قد تواجه نظام دعم الحياة.

في عام 2022، استأجرت ناسا شركات مثل Axiom Space وCollins Aerospace لتطوير بدلات فضائية جديدة. كشفت Axiom عن نموذج أولي يستخدم أقمشة مضادة للميكروبات ونظام تبريد يحتوي على مبيد حيوي لمنع تراكم الميكروبات.

في مشروع تعاوني غاية في التفصيل، اشترك Vienna Textile Lab مع دعم مالي من وكالة الفضاء الأوروبية لدراسة كيفية استخدام الدفاع الذاتي للبكتيريا ضدها. هذا المشروع تضمن استهداف مركبات بيولوجية معينة تعرف باسم ميتابوليتات ثانوية، وتفرزها الميكروبات للدفاع ضد الميكروبات الأخرى. وبعد ذلك رُبطت عدة جزيئات من هذه الميتابوليتات بأنواع مختلفة من الأقمشة، واختُبرت هذه العينات في مئات الاختبارات.

تفوق أحد هذه الميتابوليتات (فيولاسين) على نحو خاص وأظهر قدرةً مذهلة على القضاء على الميكروبات. عُثر على هذا المركب في البكتيريا التي تعيش على جلد السلمندر الأحمر، وقد أثبت جدواه بوصفه واحدًا من أكثر المركبات فعالية. هو جيد جدًا في قتل الميكروبات لدرجة أن بعض علماء الأحياء يعتقدون أنه يحمي البرمائيات من عدوى الفطر القاتلة.

يتجه المشروع الآن نحو تجربة ميدانية لفيولاسين في مهمة محاكاة للمريخ. ستضم هذه المحاكاة ستة رواد فضاء سيقضون أربعة أسابيع في جبال أرمينيا الوعرة في عام 2024، وستُختبر تلك المادة في ظروف تشبه الظروف على المريخ. يرى المختصون أن هذه الدراسة قد تمثل خطوة هامة نحو استخدام دفاعات البكتيريا الطبيعية في تطبيقات فضائية مستقبلية، وتحديدًا في تصميم ملابس فضائية ومعدات مضادة للميكروبات.

قد تؤدي مركبات مثل فيولاسين دورًا حيويًا في الحفاظ على النظافة والصحة داخل المركبات الفضائية والمستوطنات الفضائية. تطبيق هذه التقنيات قد يمنع أيضًا انتقال العدوى بين أفراد الطاقم، ويقلل من احتمال حدوث مشكلات صحية قد تؤدي إلى كوارث.

البحث المستمر والتطوير في هذا المجال قد يفتح أبوابًا لاستخدامات جديدة غير متوقعة للدفاعات البكتيرية، مثل تطوير نظم تهوية أكثر نظافة أو تصميم مرافق صحية محمية من الميكروبات. هذه التقنيات الجديدة ستكون لها تأثير كبير في قدرة البشر على العيش في الفضاء والعمل لفترات طويلة، وقد تكون أيضًا لها تطبيقات على الأرض في مجالات مثل المستشفيات والرعاية الصحية. وبذلك، قد يسهم هذا البحث في تعزيز الأمان والصحة ليس فقط لرواد الفضاء، ولكن أيضًا للبشرية بأسرها.

اقرأ أيضًا:

ناسا تحسن بدلة رواد الفضاء لكن ما زالوا بحاجة إلى التبرّز فيها

هل تستطيع بدلة الفضاء أن تبقيك حيًّا على سطح القمر للأبد؟

ترجمة: محمد حسام

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر