جرعة واحدة تعكس أعراض مشابهة لمرض التوحد في الفئران: دواء قديم يُستخدم لعلاج مرض النوم قد يشير إلى علاج جديد في البشر


مزيد من الإختبارات لنظرية جديدة تقترح أنّ التوحّد هو نتيجة تواصل غير طبيعي للخلية. أعلن باحثيون في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، في كلية الطب بأن دواء -الذي عمره تقريبًا قرن ومصرّح للاستخدام لعلاج مرض النوم- يستطيع استرجاع الأشارات الخلوية الطبيعية في نموذج فأر مختبر لمرض التوحد. حيث يقوم الدواء بعكس أعراض هذا الإضطراب العصبي في الحيوانات التي تعادل السن البيولوجي للبشر 30 سنة.

يقول البروفيسور نافيو والذي عمل على دراسة مشابهة العام الماضي بأن النتائج تتفق بصورة منظمة مع فكرة أنّ التوحد يحدث بسبب العديد من العوامل المترابطة: “20% من العوامل المعروفة المرتبطة بالتوحد هي وراثية، ولكن معظمها ليست كذلك. من الخطأ الاعتقاد بأنّ الجينات والبيئة هي عوامل منفصلة ومستقلة. الجينات والعوامل البيئية تتفاعل. والنتيجة الصافية لهذا التفاعل هي التمثيل الغذائي (الأيض).” كما أضاف أن واحدة من الأعراض العامة لمرض التوحد هي الإضطربات الأيضية: “الخلايا لديها هالة من الأيضيات (وهي حزيئات صغيرة تشارك في عملية التمثيل الغذائي – مجموعة من العمليات الكيميائية التي تحافظ على الحياة)، ونيوكليوتيدات محيطة بهم. وهذا يخلق نوع من التوهج الكيميائي الذي تحافظ على الحالة الصحية للخلية.”

فالخلايا المهددة أو المتضررة من الميكروبات، مثل الفيروسات أو البكتيريا، أو من قبل قوى فيزيائية أو من قبل مواد كيميائية، مثل الملوثات، تقوم برد فعل دفاعي، وهو جزء من الاستجابة المناعية الطبيعية، قال نافيو. أغشية هذه الخلايا تتصلب. والعمليات الأيضية الداخلية تتغير، وأبرزها الميتوكوندريا (مصانع الطاقة المهمة للخلايا). والإتصالات بين الخلايا تقل بشكل كبير. هذا هو “استجابة الخلية للخطر”، واذا ما استمر، فإن النتيجة قد تكون إعتلال دائمي متنوع. إذا حدث هذا خلال مرحلة الطفولة، على سبيل المثال، فإن النمو العصبي سيتأخر.

“الخلايا تتصرف مثل دول في حالة حرب، عندما يبدأ تهديد ما، فإن الخلايا تقوم بتقوية حدودها، ولا يثقون بجيرانهم. ولكن من دون اتصال منتظم مع الخارج، فإن الخلايا تبدأ بالعمل بشكل مختلف. في حالة الخلايا العصبية، قد يكون عن طريق إجراء إتصالات أقل او أكثر جداً. طريقة واحدة للنظر إلى هذا الموضوع على أنه مرتبط بالتوحد هو: عندما الخلايا تتوقف عن التحدث مع بعضها البعض، فإن الأطفال يتوقفون عن التحدث.”

ركز نافيو وزملاؤه على نظام الإشارات الخلوية المرتبطة على حد سواء بكلا من وظيفة الميتوكوندريا و الوظيفة المناعية الفطرية للخلية. على وجه التحديد، لقد قاموا بالتركيز على دور النيوكليوتيدات المشابهة للأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) وجزيئات ميتوكينات (mitokines) أخرى تقوم بأرسال الإشارات – والتي تتولد عن طريق ميتوكوندريا في خطر. هذه الميتوكينات لديها وظائف أيضية منفصلة خارج الخلية حيث تستطيع ربط وتنظيم مستقبلات موجودة على كل خلية من خلايا الجسم. 19 نوع مما يسمى مستقبلات البيورنيرجك معروفة بأنها تُحفز عن طريق نيوكليوتيدات خارج الخلية، والمستقبلات معروفة بسيطرتها على مجموعة واسعة من الخصائصة البيولوجية ذات الأهمية لمرض التوحد، مثل إعاقة اللغة والمهارات الإجتماعية.

في بحثهم الأخير، نافيو قام مرةً أخرى بإختبار تأثير السورامين، وهو معروف جيداً كمثبط لبيورنيرجي المرسلة للإشارات والذي تمّ تصنيعه لأول مرة في 1916، ويستخدم لعلاج داء المثقبيات، أو مرض النوم الإفريقي، وهو مرض طفيلي. لقد وجدوا بأن السورامين قد حظر مسار الإشارات خارج الخلية، والذي يستخدم من قبل ATP وميتوكينات أخرى في نموذج الفأر من اضطراب طيف التوحد. وبهذا فإن الحظر ينهي استجابة الخلية للخطر وأي إلتهاب ذي صلة. بالتالي فإن الخلايا تبدأ بالتصرف بشكل طبيعي والسلوكيات المشابهة للتوحد والأيض في الفئران تم تصحيحهم.

ومع ذلك، فإن الفوائد البيولوجية والسلوكية للسورامين لم تكن دائمية أو وقائية. جرعة واحدة ظلت فعالة في الفئران حوالي مدة خمسة أسابيع، ومن ثم استنفذت. بالإضافة إلى ذلك، لايمكن أخذ السورامين على المدى الطويل، لأنه يمكن أن يسبب فقر الدم وضغف الغدة الكظرية. مع ذلك، نافيو قال بأن هذه النتائج المبكرة هي مشجعة بما فيه الكفاية من أجل إطلاق مرحلة 1 صغيرة من التجارب السريرية للأطفال المصابين بإضطراب طيف التوحد قريبًا. وهو يتوقع أن تبدأ التجارب في وقت لاحق من هذا العام.

“من الواضح أن تصحيح التشوهات في فأر هي طريق طويل وبعيد عن العلاج في البشر, ولكن نحن نعتقد بأن هذا النهج –علاج مضاد للبيورنيرجك- هو طريقة جديدة ونضرة للتفكير ومعالجة تحدي التوحد. عملنا لا يتعارض مع ما قام الأخرون باكتشافه أو القيام به. إنه منظور آخر. فكرتنا هي بأن هذا النوع من العلاج – بأستبعاد أختلال الأيض الاساسي والضمني – فأنه يزيل عقبة قد تجعل علاجات التوحد التنموية الغير دوائية والسلوكية أكثر فعالية. الأكتشاف بأن جرعة واحد من الدواء يمكنها إعادة تشكيل عملية التمثيل الغذائي لأسابيع يعني بأن أدوية أجدد وآمنة لا تحتاج بالضرورة أن تُعطى بشكل مزمن. أنواع من الفئة الجديدة من الأدوية قد تحتاج بأن تُعطى فقط بشكل متقطع خلال النوافذ التنموية الحساسة من أجل الإفراج عن عملية التمثيل الغذائي، ومن أجل السماح لتطوير محسن في الاستجابة للأنواع العديدة من العلاجات السلوكية والعملية، ومن أجل التنافس الطبيعي.”


مصدر