يقول العلماء إن فوائد التخلص التدريجي من الفحم تفوق بكثير خسائر العالم الحقيقية، حتى مع تجاهل ظاهرة التغير المناخي. من بين جميع أنواع الوقود الأحفوري على الكوكب، يُعَد الفحم النوع الأكثر إصدارًا لغاز ثاني أكسيد الكربون، المؤثر بعمق في تلوث الهواء والصحة العامة.

أودى حرق الفحم على نطاق واسع منذ بداية الثورة الصناعية بالعديد من الأرواح، في ظل محاولاتنا اليائسة لتجنب ذلك، ومع مرور الوقت يتزايد اعتمادنا على الفحم بدرجة خطيرة؛ إذ نستمر في حرقه بمستويات غير مسبوقة رغم إدراكنا خطورة الموقف.

تشير المحاكاة الحاسوبية المتعلقة بالآثار الإقليمية للتخلص التدريجي من الفحم إلى أن الاستمرار على هذه الوتيرة في حرق الفحم يُعَد خطأً فادحًا، إذ لن تقتصر نتائجه السلبية على البيئة وصحة الإنسان فحسب، بل ستطال الاقتصاد أيضًا.

يقول (سباستيان رونر) الباحث في مجال التأثيرات المناخية في معهد بوتسدام: «نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، وما زلنا متعطشين لحرق المزيد من الفحم، ما يجعله أحد أخطر التهديدات التي تهدد مناخنا وصحتنا وبيئتنا؛ لذلك قررنا أن نختبر حالة التخلي الشامل عن الفحم على نطاق عالمي، وهل هذا الأمر منطقي من الناحية الاقتصادية؟ باختصار، الإجابة هي نعم».

تشمل المحاكاة التي أنشأها الفريق معلومات بعيدة المدى حول سيناريو التخلي عن الفحم ، تتضمن تلوث الهواء إضافةً إلى التأثير في قطاع الطاقة.

حتى لو لم يحدث التغير المناخي لن نندم إذا تخلصنا من الفحم - فوائد التخلص التدريجي من الفحم تفوق بكثير خسائر العالم الحقيقية - التخلي عن الفحم

من طريق هذه النمذجة الشاملة، درس الباحثون التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لثلاثة سيناريوهات، الأول: الوفاء بتعهداتنا المتعلقة بخفض الانبعاثات الضارة حتى عام 2030، والثاني: الحد من ارتفاع درجات الحرارة عالميًا بحلول نهاية القرن إلى درجتين مئويتين، باعتماد نظام ضرائب على استخدام الكربون، أما الثالث فيتمثل في التخلي الشامل عن الفحم بحلول عام 2050.

هذه بالتأكيد تحولات جذرية في قطاع الطاقة، لكنها خطوة لا بد منها من أجل صالحنا جميعًا.

بدراسة التكاليف المترتبة على استخدامنا المستمر للوقود الأحفوري، متضمنةً التكاليف اللازمة لإعادة أحياء المناطق البرية، والاستثمار في تحويل أنظمة الطاقة الموجودة، توصل المؤلفون إلى قرار مذهل لن نندم عليه أبدًا.

سيكون لوقف اعتمادنا على الفحم فوائد ضخمة لأكثر مناطق العالم، حتى إن لم نأخذ فوائد إبطاء التغير المناخي بعين الاعتبار.

توضح نماذج المحاكاة أن تأثير سيناريو الاستغناء عن الفحم في تلوث الهواء يماثل تقريبًا سيناريو الحد من ارتفاع درجات الحرارة عند درجتين مئويتين، ما يحسن من الصحة العالمية كثيرًا، خاصةً في قارة آسيا.

في الواقع، فإن تكلفة خطة التخلي عن الفحم لا تُذكَر مقارنةً بأثره في صحة الإنسان والفوائد البيئية المكتسبة بحلول عام 2050، في العالم أجمع.

واجهت الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية واليابان تكاليف أكثر من الفوائد، ويعتقد المؤلفون أن السبب وراء ذلك هو عدم وجود تلوث هوائي خطير في تلك الأجزاء من العالم.

في السيناريو المعتمد على فرض الضرائب للحد من ارتفاع درجات الحرارة، تظهر صورة مرتبكة إلى حد ما؛ إذ تستفيد قارة آسيا من تحسن جودة الهواء مع فرض اليابان وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ضرائب على انبعاثات الكربون، في حين تعجز بقية دول العالم عن الاستفادة بنفس القدر.

كل ذلك يتعلق بالتأثيرات الإقليمية، لكن حين نعد ظاهرة التغير المناخي مشكلةً عالمية، سندرك الاستفادة التي سيحققها العالم أجمع نتيجة الحد من تلك الظاهرة.

يقول رونر: «بناءً على التعهدات المناخية الحالية لجميع البلدان بموجب اتفاقية باريس، وجدنا أن البشرية ليست على المسار الصحيح للحد من الاحتباس الحراري عند درجتين مئويتين. أما إذا اعتمدت جميع الدول طريق منع استخدام الفحم، فإن ذلك سيقلص العجز في تحقيق الهدف بنسبة 50% عالميًا، وفي الدول المعتمدة على الاستهلاك الشره للفحم مثل الصين والهند، سيتقلص العجز بنسبة 80-90% بحلول 2030».

يرى المؤلفون أن وقف استخدام الفحم خطة فعالة للمضي قدمًا؛ إذ يحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بتكلفة قليلة نسبيًا، إضافةً إلى الاستفادة من منع تلوث الهواء.

مع ذلك فإن التخلي عن الفحم مجرد بداية، يسميها المؤلفون «بداية مبكرة حاسمة»، إذ يُعَد وسيلةً لكسب المزيد من الوقت لخلق سياسات مناخية فعالة، تعمل على توجيهنا نحو مصادر الطاقة المتجددة، بدلًا من الوقود الأحفوري بأشكاله المتنوعة.

ومن ثم نستنتج أن الاستغناء عن الفحم ليس حلًا نهائيًا للمشكلة، بل خطوة على بداية الطريق.

واستنتج المؤلفون أنه يجب أن تشمل عملية الاستشفاء من أزمة المناخ والبيئة التخلص الكامل من الكربون من إمدادات الطاقة، الأمر الذي يتطلب إجراءات جادة، لا تقتصر على الفحم بل تشمل الغاز والنفط أيضًا، إضافةً إلى ضرورة معالجة متطلبات الطاقة غير الكهربية في قطاعات النقل والبناء والصناعة، والاهتمام بكفاءة الموارد.

اقرأ أيضًا:

كان القائمون على صناعة الفحم على علم بتوقعات التغير المناخي منذ 50 عامًا!

ما هو الفحم الحجري؟ كيف يتكون وما أنواع الفحم الحجري؟

ترجمة: يزن باسل دبجن

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر