يحتوي النظام الشمسي كميةً لا بأس بها من الماء، فالكثير من الأقمار والكواكب محملة به، بينما تحتوي الكثير من المذنبات القادمة من المناطق البعيدة من المجرة كميات كبيرةً منه.

وعندما تتعرض هذه المياه لدرجة حرارة مرتفعة مصدرها الشمس فإنها تتسامى، أي تتحول من حالة صلبة إلى حالة غازية دون المرور بالحالة السائلة، وتتحول إلى غاز ينتقل في الفراغ الخالي من الفضاء.

ومع إننا اكتشفنا وجود الماء الجليدي في حزام الكويكبات الرئيسي، فإن افتقاد بخاره كان غريبًا حتى الآن، فبفضل تلسكوب جيمس ويب الفضائي نعلم الآن أنه موجود في حزام الكويكبات.

أَحد أسباب خروج الماء هو أحد المذنبات النادرة في حزام الكويكبات الرأَحد أسباب خروج الماء هو أحد المذنبات النادرة في حزام الكويكبات ئيسي، وهو جسم معروف باسم المذنب (238P/Read) الذي ثبت أن المياه موجودةً ومحفوظةً فيه منذ تشكل النظام الشمسي، لذلك اعتقد العلماء حينها أن الشمس قد تكون من الاحتمالات القريبة جدًا التي تُسَبب قلة الجليد في حزام الكويكبات.

صورة تخيلية للمذنب Read

صورة تخيلية للمذنب Read

يُؤكد هذا الاكتشاف أيضًا أن الأجسام في حزام الكويكبات قد تكون قد ساعدت في توصيل الماء إلى كوكب الأرض عندما كان النظام الشمسي ما يزال في بدايات تكوّنه، وأن مذنبات حزام الكويكبات الرئيسي تحتوي على ما يكفي من الجليد لخروجه بحالة غازية تَنتُج عندما تحدث عملية التسامي لهذا الجليد تحت تأثير حرارة الشمس.

سابقًا، اكتُشف الغبار المنبعث من مذنبات حزام الكويكبات الرئيسي فقط، وليس بخار الغازات المنبعثة. يقول عالم الكواكب هنري هسيه من معهد علوم الكواكب في الولايات المتحدة: «منذ اكتشاف مذنبات حزام الكويكبات الرئيسي، جَمعنا مجموعةً كبيرةً من الأدلة تُوضِّح أن نشاطها ينتج من خلال عملية التسامي، لكن إلى الآن كل ذلك كان بشكل غير مباشر … وباستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي ظهرت نتيجة جديدة تُمثل أول دليل مباشر على حدوث عملية التسامي بشكل غازاتٍ من بخار الماء أو غازاتٍ من أي نوع آخر، من مذنب في حزام الكويكبات الرئيسي، ذلك بعد دراسات للكشف عن الغازات المستخرجة من مذنبات حزام الكويكبات الرئيسي منذ عام 2008 باستخدام بعض أكبر التلسكوبات الأرضية في العالم».

صورة للمذنب Read التُقطت باستخدام تلِسكوب جيمس ويب الفضائي

صورة للمذنب Read التُقطت باستخدام تلِسكوب جيمس ويب الفضائي

معظم الأجسام الموجودة في حزام الكويكبات الرئيسي عبارة عن كويكبات على شكل قطع كبيرة من الصخور خاملة نسبيًا معلقة في الفضاء. وعلى النقيض من ذلك، تُعرف المذنبات من خلال نشاطها المرتبط إلى حد كبير بتركيبتها الجليدية والغبارية.

عادةً ما تدور تلك المذنبات حول الشمس في مدارات بيضاوية كبيرة قادمةً من خارج النظام الشمسي. إذ يتسامى الجليد الموجود بداخلها عندما تقترب من الشمس عند نقطة تسمى الحضيض، وهي النقطة التي تقع على مدار المذنب حيث تصبح المسافة بينه وبين الشمس في أقرب حالاتها، ما يؤثر في سرعة دورانه حولها بحسب قانون كبلر، ما يخلق بالنتيجة جوًّا غازيًا غباريًا وذيولًا طويلة تدفع هذه المذنبات بعيدًا عن الشمس.

لم يُكشف عن الكثير من المذنبات في حزام الكويكبات الرئيسي لكونها قريبة جدًا من الشمس نسبيًا، ولم يكن العلماء متأكدين إن كانت تلك المذنبات تملك ما يكفي من المكونات المتجمدة لحدوث عملية التسامي التي شُوهدت في المذنبات القادمة من مسافات أبعد.

ومع إن مدار المذنب Read يقع بالكامل داخل حزام الكويكبات، فإنه ما يزال يتحرك في مساحة واسعة نسبيًا داخل النظام الشمسي، وما يزال أيضًا في نقطة الحضيض الموجودة على مداره. فَقد استُخدم تلسكوب جيمس ويب الفضائي بقيادة عالم الفلك مايكل كيلي وفريقه من جامعة ماريلاند لدراسة المذنّب Read من كثب، بحثًا عن علامات خروج الغازات منه.

(صورة توضح مدار المذنب Read باللون الأزرق الفاتح متداخلًا مع مدار المذنب Halley)

(صورة توضح مدار المذنب Read باللون الأزرق الفاتح متداخلًا مع مدار المذنب Halley)

استخدم الباحثون جهاز رسم الطيف الذي يعمل بالأشعة القريبة من تحت الحمراء الموجود في تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وذلك لالتقاط الطيف الضوئي وتحليله من الضباب الغامض الذي ظهر حول المذنب في أثناء مروره بنقطة الحضيض، ما يؤكد أن المقاييس المرتفعة ذات القيمة العالية في رسم الطيف لم تكشف فقط عن الغازات المنبعثة، ولكن عن غازات الماء المنبعثة أيضًا.

قال مايكل كيلي، عالم الأبحاث في قسم علم الفلك بجامعة ماريلاند: «في الماضي، رأينا أجسامًا في الحزام الرئيسي للكويكبات تحمل جميع خصائص المذنبات، لكن مع وجود البيانات الطيفية الدقيقة باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي نستطيع أن نقول نعم، إنه بالتأكيد الماء الجليدي الذي يخلق هذه الخصائص وتأثيراتها … مع ملاحظات رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي للمذنب Read، نستطيع الآن إثبات أن الماء الجليدي من النظام الشمسي في بدايته يكون محفوظًا في حزام الكويكبات».

كان يوجد شيء غير مفهوم، وهو التناقض الصارخ والمحير عند مقارنة Read مع المذنبات الأخرى في النظام الشمسي، إذ يشكل ثاني أكسيد الكربون عادةً حوالي 10-20% من موادها المتطايرة، لكن لم يتمكن الباحثون من اكتشاف غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المذنب Read.

هذا الشذوذ في تركيب المذنب Read له تفسيران محتملان، مع الأخذ بالحسبان أن ثاني أكسيد الكربون في صورة جليدية يتعرض لعملية التسامي بسهولة أكبر من الماء الجليدي.

التفسير الأول: هو أن المذنب كان يحتوي على ثاني أكسيد الكربون لكنه فقده كله مع الاحتفاظ ببعض الجليد المائي فيه.

أما التفسير الآخر: هو أن المكان الذي تشكل فيه المذنب Read في النظام الشمسي كان دافئًا جدًا بالنسبة لثاني أكسيد الكربون ليتكون منه بالتسامي.

وعليه قد نحتاج إلى العمل أكثر مستقبلًا لاستكشاف احتمالات أخرى مشابهة، لكن الإجابات التي قدمها المذنب Read أعطت علماء الفلك كثيرًا من النتائج ليفكروا فيه.

يقول هنري هسيه: «إن الماء في مذنبات الحزام الرئيسي مهم لأن الأجسام الموجودة في حزام الكويكبات الرئيسي قد تُعد مصدرًا مُحتملًا للمياه على كوكب الأرض في بدايات تكوين النظام الشمسي، لذا فإن مذنبات الحزام الرئيسي الموجودة حديثًا توفر فرصة لاختبار هذه الفرضية … ولكن يُعد هذا الأمر ممكنًا فقط إذا كانت تحتوي في الواقع على الماء الجليدي، لذا فإن إثبات عملية إطلاق غازات الماء من مذنب واحد على الأقل من الحزام الرئيسي، يؤكد أن اكتشاف أصل تكوّن المياه على كوكب الأرض من مذنبات حزام الكويكبات الرئيسي هو احتمال قابل للتطبيق».

اقرأ أيضًا:

ايتوكاوا – اكتشاف الماء في عينات من الكويكب ايتوكاوا

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر